معدلات البطالة الحديثة.. مشكلة قديمة متجددة
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
رغم انخفاض معدل البطالة في المملكة، والاتفاق على إيجابية التحرك في المؤشر، الذي يشكل هاجسا في دوائر صنع القرار الاقتصادي، إلا أنه ما يزال ينذر بمشهد مستقبلي قاتم يستدعي إيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة التي باتت إرثا دوارا بين الحكومات.
إيجابية تحرك مؤشر البطالة تكمن بتحسن طفيف بعد ارتفاعات متتالية خلال السنوات الماضية، بحسب خبراء أكدوا لـ"الغد" ضرورة إيجاد سبل لمواجهة هذه المشكلة من خلال خطة وطنية محكمة تمتد أذرعها على كافة الأصعد الاجتماعية والاقتصادية.
وأكد الخبراء ضرورة تقديم الدعم التحفيزي الذي يساعد الشركات والمصانع على التوسع في أعمالها، وتخفيض كلف الطاقة والتشغيل بالنسبة للقطاعات الاقتصادية المختلفة بما يقود إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي التي تتيح توسعة الاقتصاد وتوليد فرص العمل داخله.
بالإضافة إلى ذلك طالب الخبراء بالعمل على استقطاب استثمارات على المستوى الداخلي والإقليمي والدخول في شراكة جادة مع القطاع الخاص والقيام بخطة تحفيزية لمختلف القطاعات والتوسع في برامج التدريس المهني وإيجاد البيئة الحقيقية التي تشجع على الإقبال على هذا النوع من التوجة المهني.
وكان معدل البطالة في الأردن انخفض خلال الربع الثالث من العام الحالي إلى 21.5 % بتراجع مقداره 0.8 نقطة مئوية عن الربع الثالث من عام 2023، وفق تقرير دائرة الإحصاءات العامة الربعي حول العمالة والبطالة.
وبمقارنته مع الربع الثاني من العام الحالي، يتضح أن معدل البطالة في الأردن ارتفع بنسبة 0.1 نقطة مئوية، حيث بلغت في الربعين الأول والثاني 21.4 %. وهو ما يشير إلى استقرار معدلات البطالة محليا منذ بداية العام الحالي.
ووفق التقرير، بلغ معدل البطالة لدى الذكور 18.3 % خلال الربع الثالث من عام 2024 بانخفاض مقداره 1.5 % مقارنة بالربع الثالث من عام 2023، فيما بلغ لدى الإناث 33.3 % خلال الربع الثالث من عام 2024 بارتفاع مقداره 1.6 % قياسا بذات الربع من عام 2023.
وبمقارنة معدل البطالة للربع الثالث من عام 2024 مع الربع الثاني للعام 2024 يتضح أن معدل البطالة قد انخفض للذكور بمقدار 0.6 نقطة مئوية، وارتفع للإناث بمقدار 2.3 نقطة مئوية.
وسجلت معدلات البطالة خلال العقد الأخير 2013 - 2023 ارتفاعا بنحو
10.4 %، وبحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة، فقد بلغ معدل البطالة خلال العام 2013 ما نسبته 11 %.
الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة أكد "أن استقرار معدلات البطالة محليا خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام مؤشر جيد للاقتصاد الوطني، إلا انه ليس له أثر واضح على معدل البطالة الإجمالي في الأردن".
وأكد المخامرة، ان مشكلة البطالة محليا ما تزال قائمة كما انها ما تزال تشكل كابوسا حقيقيا للأردنيين وتتراكم من عام لآخر دون وجود حلول جذرية لها في الأفق.
وعزا استقرار معدل البطالة منذ بداية العام مع انخفاضه بشكل طفيف في الربع الثالث إلى عمليات التوظيف المحدودة التي تمت في بعض المشروعات بالقطاع الخاص، وبعض قطاعات الحكومة كالصحة والتعليم.
وطالب المخامرة ببذل جهود حقيقية لكسر حدة هذه المشكلة وهي جهود وحلول باتت واضحة للجميع، نتيجة تكرار المطالبة بها دون وجود "آذان صاغية"، وهي جلب استثمارات فاعلة على المستوى الداخلي والإقليمي والدخول في شراكة جادة مع القطاع الخاص والقيام بخطة تحفيزية لمختلف القطاعات والتوسع في برامج التدريس المهني وإيجاد البيئة الحقيقية التي تشجع على الإقبال على هذا النوع من التوجة المهني.
كما طالب بوضع خطة وطنية محكمة لحل هذه المشكلة التي تمتد أذرعها على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلى جانب ضرورة تقديم الدعم التحفيزي الذي يساعد الشركات والمصانع على التوسع في أعمالها، وتخفيض كلف الطاقة والتشغيل بالنسبة للقطاعات الاقتصادية المختلفة وهذا من شأنه أن يساهم في حل جزء كبير من المشكلة.
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري أن استقرار مستويات البطالة خلال الأرباع الثلاثة المنقضية من العام يعود إلى مجموعة من الأسباب منها انسحاب الآثار الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا والتي وصل خلالها معدل البطالة محليا إلى أعلى ذروة على الإطلاق، إضافة إلى الإجراءات الحكومية التي اتخذت من الحكومة السابقة والحالية والتي كان لها دور في تنشيط سوق العمل، إلى جانب استقرار معدلات النمو الاقتصادي محليا في الأعوام الأخيرة ما بين 2 - 2.10 %، حيث أن ارتفاع مستويات البطالة من عدمها مرتبطة بمستويات النمو.
ولفت الحموري إلى أن استقرار مستويات البطالة يعد أمرا إيجابيا بكل المقاييس، خاصة وانه يأتي بعد ارتفاعات متتالية على مدار السنوات الماضية، وهو ما سيعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد الحموري أن حل مشكلة البطالة محليا بشكل جذري لا يمكن أن يتم دون زيادة معدلات النمو الاقتصادي والارتقاء بها إلى مستويات مثمرة اقتصاديا، حيث ان النمو يعبر عن توسع الاقتصاد وقدرته على خلق فرص العمل وتحسين الواقع المعيشي، وهو ما يتوافق مع قانون "أكون" الذي يوضح العلاقة الفريدة بين معدل البطالة ومعدل النمو.
ويشار إلى أن قانون "أوكون"، الذي وضعه عالم الاقتصاد الأميركي آرثر أوكون، يوضح العلاقة الإحصائية بين معدل البطالة في البلاد ومعدل نمو اقتصادها، وكإجراء تقريبي أولي، افترض الاقتصاديون أن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1 % يرافقه انخفاض معدل التوظيف بنسبة 1 %، وارتفاع معدل البطالة بذات النسبة.
واتفق الخبير الاقتصادي زيان زوانة مع سابقيه حول إيجابية استقرار معدلات البطالة منذ مطلع العام الحالي، مشيرا في ذات الوقت إلى أن البطالة ما تزال تشكل إحدى الأزمات الكبرى التي يواجهها الاقتصاد الوطني.
وأكد زوانة أن استقرار معدلات البطالة على الانخفاض الذي تحقق في عام 2023، يشير على سلامة سير عملية الإصلاح الاقتصادي، إضافة إلى تمتع الاقتصاد الوطني بالمرونة، خاصة وان هذا الاستقرار تحقق في ظل ظروف جيوسياسية في الاقليم ضاغطة على الاقتصاد الوطني.
وبين زوانة ان الحكومة الجديدة مطالبة بإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية القائمة حاليا والتحول نحو سياسات اقتصادية منطقية تلبي تحديات الاقتصاد الأردني، داعيا إلى ضرورة تحفيز القطاعات الانتاجية وخفض الكلف عليها بما يتيح لها التوسع والنمو وبالتالي استيعاب المزيد من فرص العمل.