إقتصاد تحت الضغط: إستقرار رغم الأزمات*د. رعد محمود التل
الراي
يواصل الأردن إظهار قدر كبير من الصمود الاقتصادي رغم استمرار الصراعات الإقليمية وعدم اليقين العالمي. وقد أكد صندوق النقد الدولي أن برنامج الإصلاح الاقتصادي في الأردن يسير بثبات، وذلك بعد استكمال المراجعة الثالثة ضمن اتفاقية "تسهيل الصندوق الممدد" (EFF). ونتيجة لهذه المراجعة، حصل الأردن على تمويل فوري بقيمة 97.784 مليون حقوق سحب خاصة (حوالي 134 مليون دولار أمريكي)، ليرتفع إجمالي التمويلات ضمن هذا البرنامج إلى ما يقارب 595 مليون دولار.
كما وافق الصندوق على برنامج جديد يمتد لـ30 شهراً ضمن "أداة الصمود والاستدامة" (RSF)، بقيمة 514.65 مليون حقوق سحب خاصة (نحو 700 مليون دولار)، يهدف إلى دعم إصلاحات طويلة الأجل في قطاعي المياه والطاقة، وتعزيز الاستعداد لمواجهة الطوارئ الصحية في المستقبل.
الأداء الاقتصادي حقق في عام 2024 نتائج فاقت التوقعات، إذ بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 2.5%، ما يعكس قدرة الاقتصاد على الصمود أمام الصدمات الخارجية. كما ظل التضخم منخفضاً عند 1.9% بفضل التزام البنك المركزي بالحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي وربط الدينار بالدولار الأمريكي. وارتفعت الاحتياطيات الأجنبية إلى أكثر من 20 مليار دولار بنهاية 2024، متجاوزة معيار الكفاية الذي يعتمده صندوق النقد. وتؤكد هذه المؤشرات قدرة الأردن على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، وهو أمر أساسي لجذب الاستثمار ودعم النمو على المدى الطويل.
ورغم التأثيرات الإقليمية على المالية العامة، يحرز الأردن تقدماً في خفض العجز المالي نسبياً. فقد بلغ العجز الكلي في موازنة الحكومة المركزية 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وهو أعلى قليلاً من عام 2023، إلا أنه يُتوقع أن ينخفض إلى 4.5% بحلول عام 2026. ويُشار إلى أن الحكومة تواصل إعطاء الأولوية للاستثمار العام والإنفاق الاجتماعي، إلى جانب تحسين كفاءة التحصيل الضريبي وضبط النفقات. ومن المتوقع أن يتحسن التوازن الهيكلي مع تقدم الإصلاحات في الإدارة المالية.
يوفر البرنامج الجديد ضمن "أداة الصمود والاستدامة" تمويلاً مهماً لمعالجة الاختلالات الهيكلية في قطاعي الكهرباء والمياه، وهما من القطاعات التي شكلت عبئاً مالياً متراكماً بسبب ضعف الكفاءة وتزايد الديون. وسيساعد هذا التمويل في تعزيز الاستدامة المالية وتحسين جودة الخدمات، من خلال إصلاحات تركز على كفاءة استخدام الطاقة وإدارة الموارد المائية. كما يتضمن البرنامج إجراءات لتعزيز قدرة الأردن المؤسسية والمالية على التعامل مع المخاطر الصحية في المستقبل.
مع ذلك، لا تزال التحديات قائمة. إذ بقي معدل البطالة مرتفعاً عند 21.4% في عام 2024، مع تأثر الشباب والنساء بشكل خاص. وفي حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر مستقر عند نحو 3% من الناتج المحلي، إلا أن رفعه ضروري لتحقيق نمو يقوده القطاع الخاص ويوفر فرص عمل. وعلى الحكومة العمل اكثر من خلال رؤية التحديث الاقتصادي لتحسين بيئة الأعمال، وتطوير سياسات سوق العمل، وتعزيز المنافسة والابتكار، وهي خطوات ضرورية لجذب الاستثمارات وتنويع مصادر النمو وزيادة الإنتاجية.
أظهر الأردن قدرة ملحوظة على الصمود في ظل ظروف صعبة، مستفيداً من السياسات الرشيدة والتعاون الوثيق مع صندوق النقد الدولي. ويتوقف استمرار التقدم على الالتزام الصارم بالإصلاحات المالية والهيكلية، وتحسين الحوكمة، وتوسيع مشاركة الشباب والنساء في سوق العمل. ومع الدعم الدولي المستمر والانضباط الداخلي، يمتلك الأردن فرصاً قوية للحفاظ على النمو، وتقليص نقاط الضعف، وبناء اقتصاد أكثر شمولاً واستدامة.