الراي
استفاض وزير تطوير القطاع العام خير أبو صعيليك في شرح تفاصيل المرحلة الأولى من خطة الإصلاح الإداري فهناك مرحلة ثانية كما فهمنا.
المهم ان الوزير لم يستخدم مصطلحات كبيرة مثل ثورة ادارية او إصلاح إداري وكان واقعيا بشكل او بآخر.
اصاب الوزير في إشارته الى ان المشكلة لا تكمن في تضخم القطاع العام بل في توزيع القوي البشرية داخل هذا القطاع، ولا شك انه محق في ذلك لكننا لا ننفي ان القطاع العام ليس كبيرا بالنظر إلى حصة الرواتب والأجور من حجم الموازنة اضافة إلى التقاعدات التي من حسن حظ الموازنة أنها انتقلت إلى الضمان الاجتماعي.
صحيح ان هناك خللا في توزيع القوى البشرية فهناك مؤسسات تحتاج إلى قوى عاملة اكبر لا تمتلكها وهناك أخرى تعاني فوائض بمعنى ان المؤسسات والوزارات ليست كلها في سلك واحدة من حيث الإنتاجية والقوى البشرية إلا تحتاجها هذه الإنتاجية لكن اعادة التوزيع لن تكون عملية سهلة وستحتاج إلى وقت طويل.
بعض المحللين يرى ان ضعف الإدارة العامة يعود لأسباب منها أنها تخلت عن دورها الاقتصادي، وأنها تخلت عن حصص في ملكية وإدارة عدة مؤسسات وشركات، بمعنى أن هيبتها وسيطرتها الإدارية قد ضعفت وهذا ليس صحيحاً، بل على العكس لطالما كان تخفيف العبء الإداري يذهب لمصلحة تقوية الدور الرقابي والتفرغ لمهام الإشراف ومنع الاحتكار ومحاصرة التجاوزات والفساد.
عقلية الإدارة في الأردن لم تكن فيما سبق عقلية قطاع عام مثل تلك العقلية التي سادت في عهود التأميم والاتحاد الاشتراكي وغيرها من المفاهيم التي أعقبت عصر الانقلابات العسكرية وتمدد الانظمة الاشتراكية، والأردن لم يكن يوماً دولة اشتراكية، فكان القطاع الخاص موجوداً وله دور بارز في تأسيس شركات ومؤسسات عجز القطاع العام عن تأسيسها لقلة المال، حتى في ذروة الخصخصة لم تكن تمثل انقلاباً اقتصادياً أو ثورة اقتصادية.
في مثال آخر على الوجود القوي للقطاع العام ما زال القرار الاقتصادي يسيطر على أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، قياساً إلى حجم الإنفاق ما يعني أن القطاع العام لم يتخل عن سلطته.
أقول ان تحديث الإدارة العامة بتطويع التكنولوجيا في هندسة الإجراءات لأن التصدي لعملية إصلاح شاملة فيه مبالغة، وهي تعني ثورة إدارية وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل محددات كثيرة ومعقدة منها البطالة المرتفعة ومجموعة القوانين المتراكمة والأنظمة والتعليمات وقرارات الوزراء وهي بمنزلة التعليمات وحصة الإدارة العامة في الإدارة والإنفاق والقرار.
ما يهمنا من التحديث الإداري هو تبسيط تقديم الخدمات وتسهيل خطوات إنشاء الأعمال أي الاستثمار.
الأداء الحكومي تأثر بالمزاج العام السائد، لكن التردد في اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية الذي أصاب عموم الموظفين كان الأسوأ في مشهد التراجع.
عندما طرحت فكرة أن تعمل الحكومة في باب الخدمات مثل شركة قامت الدنيا ولم تقعد والصحيح أن عليها تقديم خدماتها مثل شركة يشغل بالها بالدرجة الأولى رضا متلقي الخدمة وهو المواطن الذي منه تستمد مشروعيتها، والسلطة في أي دولة إنما وجدت لخدمة الناس وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم في حياة كريمة..