أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    22-Jun-2025

قراءة في قانون تنظيم الأصــول الافتـراضيـة*د.عدلي قندح

 الدستور

في تحول تشريعي طال انتظاره، أطلقت الحكومة الأردنية مشروع قانون لتنظيم التعامل بالأصول الافتراضية، لتكون من أوائل دول المنطقة التي تسعى إلى تأطير هذا القطاع الناشئ ضمن إطار قانوني واضح ومُلزم. يأتي هذا المشروع في وقت تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي العالمي، وتتزايد أهمية العملات والأصول المشفّرة في الأسواق المالية الدولية، مما يفرض على الدول بناء بيئات قانونية قادرة على حماية المستهلكين من جهة، وتشجيع الابتكار والاستثمار من جهة أخرى.
 
القانون المقترح يرسّخ الإطار المؤسسي عبر منح هيئة الأوراق المالية الصلاحيات التنظيمية والرقابية الكاملة، لتصبح الجهة المرجعية المختصة في منح التراخيص، ووضع التعليمات، ومراقبة التزام الفاعلين في هذا القطاع. كما ينشئ وحدة تنظيمية داخل الهيئة تُعنى حصراً بالأصول الافتراضية، ما يضفي بعداً مؤسسياً جديداً على البنية التنظيمية المالية في المملكة.
 
ويتضمن مشروع القانون تعريفاً دقيقاً لما هو مسموح وما هو محظور. فهو يجيز ممارسة أنشطة متعددة مثل التداول والحفظ والإدارة والتسويق ضمن شروط ترخيص محددة، لكنه يجرّم صراحة أي نشاط غير مرخص أو ترويج أو إعلان دون موافقة الهيئة. كما يشدد على منع استخدام الأصول الرقمية في غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، بما ينسجم مع الالتزامات الدولية للمملكة في هذا المضمار.
 
أما على صعيد حماية المستهلك، فيبرز القانون كوثيقة تنظيمية متقدمة، حيث يفرض على مزوّدي الخدمات المالية الرقمية الإفصاح الكامل والواضح عن المخاطر، وفصل أموال العملاء عن أموال الشركات، وتطبيق أنظمة متقدمة للتعرف على العميل ومراقبة العمليات. هذا النهج يعكس وعياً عميقاً بتعقيدات هذا القطاع، ويستبق الكثير من الممارسات السلبية التي ظهرت في دول لم تبادر إلى التنظيم المبكر.
 
كما لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي يلعبه البنك المركزي الأردني في ضبط العلاقة بين الأصول الافتراضية والنظام النقدي الوطني. فقد خصص مشروع القانون المادتين (10) و(11) لتأكيد صلاحيات البنك المركزي الحصرية في قبول أو إصدار أو استخدام الأصول الافتراضية لأغراض الدفع، على أن يخضع ذلك لمتطلبات وضوابط يصدرها بموجب تعليمات رسمية. ويحظر القانون على أي جهة استخدام الأصول الافتراضية كوسيلة للدفع داخل المملكة ما لم يقرّ البنك المركزي خلاف ذلك، حفاظاً على استقرار النظام النقدي.
 
 وتذهب المادة (10) إلى تحديد دقيق لمفهوم «أغراض الدفع»، مشيرة إلى أنه يشمل أي عملية تُستخدم فيها الأصول الافتراضية لتسوية التزامات مالية مقابل خدمات أو سلع، وهو تعريف يهدف لضبط استعمال هذه الأصول كبديل نقدي غير خاضع للرقابة.
 
 أما المادة (11)، فتنص على خضوع أي شركة تمارس أنشطة ذات علاقة بالدفع بالأصول الافتراضية لرقابة البنك المركزي وإشرافه المباشر، إلى جانب الحصول المسبق على موافقته بعد الترخيص من هيئة الأوراق المالية. وتلتزم هذه الشركات بكافة الأنظمة والتعليمات التي يصدرها البنك المركزي، وتُعاقب وفق أحكام قانون البنوك حال مخالفتها.
 
 هذا التنظيم المتداخل بين هيئة الأوراق المالية والبنك المركزي يبرز نموذجاً تكاملياً متقدماً في الرقابة المشتركة، يعكس حرص الدولة على موازنة الابتكار المالي مع متطلبات السيادة النقدية والاستقرار المالي.
 
ولعل البعد الاستثماري في القانون لا يقل أهمية عن البعد الرقابي، إذ يوفر الإطار المقترح أساساً قانونياً مشجعاً لجذب الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية، ويتيح للأردن فرصة التحول إلى مركز إقليمي لنشاطات الأصول الافتراضية، بما يسهم في تنويع مصادر الدخل، وتحفيز الابتكار المالي، وتعزيز الشمول المالي من خلال أدوات رقمية حديثة.
 
ومع ذلك، فإن المقارنة مع تجارب إقليمية ودولية تُظهر أن الطريق ما زال طويلاً. ففي حين أنشأت دبي هيئة تنظيمية مستقلة متخصصة (VARA)، وقدمت بيئة مرنة ومتعددة الرخص، وفي الوقت الذي تبنت فيه سنغافورة إطاراً تدريجياً مرناً يُراعي مستوى المخاطر، لا يزال القانون الأردني بحاجة إلى توضيح علاقته ببعض التشريعات المالية القائمة. علاوة على ذلك، لم يتطرق القانون بشكل مفصل إلى تنظيم ما يعرف بالتمويل اللامركزي (DeFi)، أو إلى الإطار الضريبي الذي سيحكم الأرباح والعمليات ذات العلاقة، ما يترك بعض الغموض القانوني الذي قد يؤثر على استقطاب الشركات الكبرى أو المستثمرين الدوليين.
 
ومن الجوانب اللافتة في القانون، منظومة العقوبات التي تتدرج من الغرامات المالية إلى سحب الترخيص، وصولاً إلى العقوبات الجزائية، وهو ما يعكس رغبة المشرّع في فرض هيبة قانونية على القطاع، لكنه يتطلب مزيداً من التفصيل في تحديد المسؤوليات الفردية والمؤسسية لضمان تطبيق عادل ومتوازن.
 
إن مشروع قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية يمثل خطوة تأسيسية محورية، إلا أن نجاحه في تحويل الأردن إلى لاعب إقليمي في اقتصاد المستقبل الرقمي يتطلب استكمال البيئة التشريعية بموجب تعليمات مرنة قابلة للتحديث، وبناء كوادر رقابية متخصصة، وتعزيز التنسيق بين مختلف المؤسسات المالية، إضافة إلى الانخراط في شبكات إقليمية ودولية لتبادل الخبرات والتجارب.
 
وفي زمن تتسابق فيه الأمم لاحتلال مكانة في الاقتصاد الرقمي العالمي، لم يعد كافياً أن ننظم، بل أن نبتكر. ولم يعد مجدياً أن نواكب، بل أن نسبق. مشروع القانون الأردني هو بداية جدية، لكن الحسم سيكون لمن يملك الجرأة على استشراف المجهول، وتهيئة الأرضية لتكنولوجيا لم تولد بعد. هذه دعوة مفتوحة لصنّاع القرار، ليس فقط لقراءة القانون، بل لإعادة صياغة مستقبل الاقتصاد الأردني من جذوره. ولعل النقاش مع من واكب هذه التحولات وتحليلها بعمق يمكن أن يُفضي إلى حلول تتجاوز النصوص إلى ما هو أكثر: ريادة تشريعية رقمية.