الغد-م.عوني ناصر قعوار
يحتفل عالم السياحة بتاريخ 27 أيلول من كل عام بيوم السياحة العالمي، وفي كل عام يقام هذا الاحتفال في بلدان مختلفة وتحت شعارات تتناسب مع الوضع العام الذي يسود العالم بأكمله، أو لتسليط الضوء على موضوع يتميز بأهمية كبيرة ويرتبط ارتباطا وثيقا في السياحة بهدف زيادة الوعي بأهمية هذا الموضوع، في هذا العام سيقام الاحتفال في مدينة تبليسي عاصمة جورجيا تحت شعار "السياحة والسلام".
"معاً، يمكننا أن نسخّر قوة السياحة لتعزيز السلام والازدهار للجميع"، بهذه العبارة أنهى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالته بمناسبة يوم السياحة العالمي لهذا العام، خاصة في ظل الظروف القاسية التي تعيشها الشعوب من جرّاء الحروب الغاشمة عليها، و بشكل خاص إخوتنا في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان. وما لهذه الحروب من تداعيات غير إنسانية والتي تطال جميع نواحي الحياة ليس فقط على الدول التي تعاني من الحروب بل أيضا للدول المجاورة لها.
أما العلاقة بين السياحة والسلام فتتجلى بأن السياحة المستدامة تخلق جسورا وروابط عميقة للتعرّف على الثقافات المختلفة، من خلال اختلاط الناس ببعضهم، مهما اختلفت أشكالهم أو لغاتهم أو ألوانهم أو دياناتهم، هذا الاختلاط الذي من شأنه أن يعمّق العلاقات بين الناس ومعرفة الحقيقة لتلك المجتمعات، بعيداً كل البعد عن محاولات التضليل من قبل بعض وسائل الإعلام التي يهمها زرع الكراهية بين الناس من أجل مصالح معينة.
أما السياحة المستدامة فهي تزرع في قلوب السائحين المحبة للدول التي يزورونها وللسكان المحليين لتلك الدول، فالتعامل المباشر مع الآخرين هو الطريقة الوحيدة التي تتيح للناس معرفة حقيقتهم من خلال الانخراط في ثقافاتهم وتوسيع آفاقهم، خاصة وأن كل سائح هو سفير لبلده ولا يقتصر ذلك على السائح فحسب بل أيضا كل شخص في البلد المضيف هو أيضا سفير لبلده، وأن يكون هذا التعامل مبنيا على الاحترام والمحبة، وهذا يعطي المجال لإنسانيتنا أن تطغى على أي سوء قد يمس الشعوب الأخرى مما يتيح الفرصة الكبيرة للتعايش السلمي بين الشعوب.
وهذا النوع من العلاقات الحضارية التي تخلقها السياحة يحث السائح على المحافظة على بيئة البلد المضيف، خاصة وأننا اليوم نواجه مشاكل بيئية كبيرة من جرّاء انبعاث الكثير من الغازات السامة سواء من استخدام الأسلحة المختلفة في الحروب أو من المصانع المختلفة والمنتشرة في أنحاء العالم وتراكم المخلفات السامة المختلفة.
ناهيك عن أهمية السياحة المستدامة في إنعاش الحياة الاقتصادية للمجتمعات المحلية، فهي تخلق الآلاف من فرص عمل، وبالتالي فهي تحد من البطالة والفقر اللذين يعدان عاملين أساسيين في فساد الشعوب وانتشار الكراهية والجرائم.
كما أن السياحة تعد رافداً مهما في زيادة الدخل القومي للدول، على سبيل المثال ساهمت السياحة الوافدة بنسبة 14 % من الدخل القومي حتى شهر تشرين الأول 2023، والتي بعدها أخذت السياحة الوافدة بالتراجع التدريجي وانخفضت أعداد السياح بنسبة كبيرة بعد الهجوم الغاشم على أهلنا في غزة، ومع زيادة وتيرة الصراع والحرب وصلت نسبة الإلغاءات في حجوزات السياح القادمين للمملكة إلى 90 %، مما أدى إلى إغلاق أكثر من 35 منشأة سياحية في مدينة البترا الوردية، والتي يعد زوارها كمؤشر حقيقي لعدد السياح، وبعد أن كنا نعاني من شح في عدد الغرف الفندقية لاستيعاب أعداد السياح الهائلة في عام 2023، أصبحنا اليوم نعاني من شح أعداد السياح وتسريح عدد كبير من العاملين في هذا القطاع الحيوي.
وفي هذا الصدد ومن المؤسف جداً الإفصاح بأن الحكومة الأردنية ممثلةً بكامل وزاراتها وجهاتها المعنية، لم تقدم أي دعم لهذا القطاع المتعثر بل والمتهالك، باستثناء أنها قامت بمحاولات توصف بالخجولة من خلال تسهيل أخذ قروض ميسرة من البنك المركزي، في الوقت الذي كان من الضروري جداً أن تقوم مؤسسة الضمان الاجتماعي وبالتعاون مع وزارة العمل بوضع برنامج يضمن استدامة القطاع السياحي بكافة شرائحه وخاصة المنشآت التي اقترضت من البنوك خلال العام 2024 مبالغ هائلة لدفع كافة التزاماتها المالية ومصاريفها وأهمها رواتب العاملين في القطاع والتي أثقلت كاهلها، خاصة أن هذا القطاع لم يكن يبدأ بالتعافي من جائحة الكورونا، حتى فوجئ بصدمة العدوان والحرب الغاشمة على أهلنا في غزة والضفة الغربية.
وبوجود حكومة جديدة والتي تتحلى برؤية التطوير والنهوض الاقتصادي، نأمل منها أن تدرس ملف قطاع السياحة الوافدة بصورة جدية، وتنظر إلى ما يحدث بعين المسؤولية الكاملة، بحيث تضع حلولا منطقية لتنقذ ما يمكن إنقاذه، وتحول دون إغلاق المزيد من منشآت ومكاتب سياحية و تسريح ما تبقى من موظفين.
وللتذكير مرة أخرى بشعار منظمة السياحة العالمية لهذا العام (السياحة و السلام )، لذا أتمنى أن يعم السلام في كل أنحاء العالم.