الغد - أمس كان يوما استثنائيا بآفاقه الاقتصادية في عمان، بعد توقيع اتفاقيتين كبيرتين بين الأردن والإمارات، شهد على توقيعهما جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في اطار مباحثات تناولت العلاقات الأخوية بين البلدين، وما تشهده المنطقة من تطورات.
والى جانب توقيع الاتفاقيتين، اكد الزعيمان خلال مباحثاتهما في قصر بسمان الزاهر، بحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، عمق العلاقات بين البلدين، وحرصهما على توطيدها، بما يخدم مصالحهما ويعزز العمل العربي المشترك، وتطرقا لعمل على تطوير التعاون الثنائي في الاقتصاد والاستثمار والتنمية المستدامة والأمن الغذائي والطاقة المتجددة، وحرصهما على بناء شراكات اقتصادية استراتيجية، الى جانب الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وتوفير فرص العمل، وتحسين سلاسل التوريد، وتسريع نمو القطاعات ذات الأولوية.
ورسمت الاتفاقية الأولى "اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الأردن والإمارات"، خطوات تعزيز الفرص الاستثمارية والتجارية والتعاون الاقتصادي في عدد من المجالات التي تربط البلدين بفعالية مع الأسواق العالمية.
ففي مجال التجارة بالسلع، تعزز الاتفاقية التبادل التجاري الحر بين البلدين، بإزالة الحواجز التجارية غير الضرورية، ما يؤسس لقواعد متينة ومرنة لتسهيل نفاذ السلع في نطاق بيئة تجارية مفتوحة وغير تمييزية، كما ترسي الشراكة في قطاع المنتجات الدوائية.
وفي مجال التجارة بالخدمات، تحقق الاتفاقية تحرير وتطوير القطاعات الخدمية، بما يرسخ مفهوم التنافسية، عن طريق إزالة القيود للعديد من القطاعات؛ اذ جرت تغطية 11 قطاعاً خدمياً وأكثر من 120 قطاعاً فرعياً، ما يتيح فرصا استثمارية أكبر بين البلدين.
أما في الاستثمار، فإن الاتفاقية تعزز من إنشاء مجلس استثمار مشترك، لتسهيل إقامة المشاريع الاستثمارية بين مجتمعي الأعمال في البلدين، وهو ما يتجلى في تسهيل التجارة بينهما ايضا، وتطبيق نظام إدارة المخاطر الجمركية والربط الإلكتروني، لرفع كفاءة الإجراءات الحدودية والجمركية والحدّ من العوائق غير الجمركية.
في مجال الصحة والصحة النباتية، تمضي الاتفاقية الى تعزيز تكافؤ معايير الصحة والصحة النباتية بين البلدين، عن طريق الاعتراف المتبادل والتقييم العلمي للمخاطر، لضمان حماية الإنسان والنبات والحيوان، وتبني تدابير عاجلة في حالات الطوارئ الصحية.
وللحد من العوائق الفنية أمام التجارة، ذهبت الاتفاقية الى تبسيط التجارة بين البلدين عن طريق الاعتراف المتبادل بشهادات المطابقة، وتوحيد المعايير الفنية وفق المواصفات الدولية، وهذا بدوره يسهم بتسهيل دخول السلع ويزيل العوائق الفنية بين الاردن والامارات.
وفي نطاق التجارة الرقمية، تحقق التعاون في التجارة الرقمية وحماية البيانات، اما بشأن حقوق الملكية الفكرية، فتمضي الى تعزيزها بما يدعم الابتكار والتجارة والاستثمار بين البلدين، مع الالتزام بأعلى المعايير العالمية.
ولتحقيق فحوى الاتفاقية وإدارتها على نحو يحقق المرجو منها، فقد جرى تشكيل لجنة وزارية مشتركة برئاسة وزيري التجارة الأردني والإماراتي، وانشاء لجان فرعية للتجارة في السلع والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والتعاون الاقتصادي.
وتفضي الاتفاقية الثانية "التعاون والمساعدة الإدارية المتبادلة في الشؤون الجمركية بين الأردن والإمارات" إلى تطوير التشريعات الجمركية، خدمة للمصالح الاقتصادية للبلدين، ولتبادل المعلومات بين السلطتين الجمركيتين فيهما، بما يضمن تطبيق إجراءات جمركية مُثلى، وفقًا للأطر التشريعية الضامنة لسلامة الاجراءات الجمركية.
كما تحقق التعاون ببحث وتطوير وتطبيق إجراءات جمركية جديدة، والتدريب وتبادل الأفراد والموضوعات ذات المصلحة المشتركة بين البلدين، والتعاون بمكافحة البضائع والمواد الممنوع تداولها أو الاتجار فيها كالاتجار في المواد المخدرة والأسلحة والمواد النووية والمواد الخطرة وغيرها من البضائع والمواد الممنوعة على المستوى الدولي والوطني.
الى جانب ذلك، فإنها تعزز تبادل المعلومات الجمركية بين البلدين مباشرة، وتضمن التحقق اللازم من سلامة الإجراءات الجمركية، وتطبيق التشريعات الجمركية على المواد والبضائع المتبادلة بينهما، ما يعكس سهولة التعامل مع البضائع واتخاذ القرارات اللازمة بخصوصها، ويسهل انسياب البضائع والافراج عنها.
وفي هذا النطاق، يبادر البلدان لإجراء تعاون عملي يجلب الاستثمار ويشجعه، ويضمن تطبيقًا للاتفاقيات الدولية والتشريعات الجمركية وتسهيل العمليات التجارية ومكافحة الجريمة عبر الحدود.
وفي هذا السياق، تبرز عدة محطات للتعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، ففي المشاريع القائمة، تعتبر الإمارات/ صندوق أبوظبي للتنمية، أحد أهم شركاء الأردن التنمويين بمساهمتها في تمويل مشاريع تنموية ودعم الموازنة العامة.
ومن أهم هذه المشاريع التي نفذت منذ العام 2012 وحتى العام الماضي: توليد طاقة الكهرباء من الطاقة الشمسية في منطقة القويرة (مجمع الشيخ زايد للطاقة الشمسية) بقيمة 150 مليون دولار، وميناء الغاز البترولي المسال بـ22.7 مليون دولار، وبرنامج إنشاء واستكمال وتوسعة وتحسين الطرق بـ181 مليونا،
وإنشاء منشآت لتخزين المشتقات النفطية 210 ملايين، وتوسعة مستشفى الحسين للسرطان بـ25 مليونا، ومركز الأورام/ مستشفى الملكة علياء العسكري بـ35 مليونا، وممر عمان التنموي بـ87 مليونا، وتوسعة الصوامع بـ70 مليونا، ومشروع تطوير الجامعات الرئيسة بـ127 مليونا.
أما المشاريع التي ما تزال تحت التنفيذ أو قيد طرح العطاءات، فتتبلور بـ: إنشاء وتجهيز مستشفى الأمير هاشم العسكري/ محافظة الزرقاء بـ144 مليونا، وإنشاء وتجهيز عيادات طب الاختصاص ومركز الطب النووي بمدينة الحسين الطبية بـ43.7 مليون، وكلية طب الأسنان/ الجامعة الأردنية بـ9.9 مليون، وإنشاء شبكة أنابيب الغاز لربط المدن الصناعية والتنموية بخط الغاز الطبيعي بـ70 مليونا، وبناء وتجهيز مدارس تقنية ومهنية بـ40 مليونا، والتعليم المبكر وتنمية الطفولة/ التوسع في رياض الأطفال- المرحلة الثانية بالمدارس الحكومية بـ20 مليونا، والتحول الرقمي بوزارة الصحة والمستشفى الافتراضي بـ100 مليون، وتطوير البنية التحتية لمنطقة المغطس التنموية بـ75 مليونا.
أما المشاريع القائمة بالعقبة، ففي نطاق الاتفاقيات بين شركة تطوير العقبة ومجموعة موانئ أبو ظبي، جرى/ إنشاء محطة العقبة للسفن السياحية، وهي أول منشأة للرحلات البحرية خارج الإمارات، أُفتتحت بالتزامن مع وصول واستقبال أول باخرة سياحية لها، اذ استقبلت 64 باخرة سياحية العام الماضي، تقل نحو 77 ألف سائح.
اما في نطاق المشاريع الأخرى، فمنها: مرسى زايد، فتبلغ مساحته 3.2 مليون م2، ويهدف في مرحلته الأولى إلى تطوير ما مساحته 1.2 مليون م2، وشركة مقطع آيله للحلول الرقمية، ومشاريع سكة الحديد، اذ وقعت مذكرة استثمار إماراتي بقيمة 2.3 مليار دولار بالعقبة العام الحالي، لربط ميناء العقبة بمناطق التعدين في الشيدية وغور الصافي.
وتأتي هذه المذكرة ثمرة حزمة مشاريع استثمارية وقعها البلدان، بحضور جلالة الملك والشيخ محمد بن زايد العام الماضي، وتبلغ قيمتها حوالي 5.5 مليار دولار، ومع البدء الفعلي للتشغيل سيجري تصدير 16 مليون طن عبر السكة؛ بواقع 13 مليون طن من منتجات الفوسفات و3 ملايين طن من منتجات البوتاس من مناطق الإنتاج للميناء لغايات التصدير، ما سيتيح لهذه السكة من زيادة القدرات اللوجستية والتصديرية للمملكة بحجم يبدأ بـ16 مليون طن من منتجات الفوسفات والبوتاس.
كذلك أطلقت الشراكة الصناعية (الأردن، الإمارات، مصر) بمدينة أبو ظبي في العام 2022، كترجمة لمخرجات القمة الثلاثية التي جمعت جلالة الملك والرئيسين الاماراتي والمصري، وأثمرت عن توقيع وثيقة الشراكة التي انضمت لها فيما بعد مملكتي البحرين والمغرب.