الضمور يكتب: الحكومة القادمة .. تحديات بالأرقام وفرص للنمو المستدام| د. هاني الضمور
عمون
د. هاني الضمور
مع اقتراب تشكيل حكومة جديدة في الأردن، تتجه الأنظار نحو الاستراتيجيات التي ستتبناها للتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة. الأرقام واضحة ، وهي تعكس واقعًا يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة وسياسات مدروسة لتحقيق تطلعات الشعب الأردني نحو مستقبل أفضل. في هذه المقالة، سنستعرض أبرز التحديات والفرص بالأرقام التي تواجه الحكومة القادمة، وما يمكن القيام به لتحويل هذه الأرقام إلى قصص نجاح.
الاقتصاد الأردني: ضرورة لتعزيز النمو وخفض الدين العام
يعد النمو الاقتصادي من أبرز الأولويات لأي حكومة، وبالنسبة للأردن، فإن تحقيق نمو اقتصادي مستدام يمثل تحديًا كبيرًا. في الوقت الحالي، يسجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا سنويًا يقدر بحوالي 2.7%، وهو معدل يعد دون التطلعات، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية المعقدة. لتحقيق نمو مستدام، يتعين على الحكومة الجديدة وضع خطط لرفع هذا المعدل إلى 4%-5% خلال السنوات الخمس المقبلة. هذه الزيادة لن تتحقق إلا من خلال تعزيز الاستثمارات، خاصة في القطاعات الإنتاجية التي يمكن أن تولد فرص عمل جديدة وتدعم الاقتصاد الوطني.
من ناحية أخرى، يشكل الدين العام تحديًا كبيرًا، حيث تجاوزت قيمته 40 مليار دولار، ما يمثل حوالي 95% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا المستوى المرتفع من الدين يشكل ضغطًا كبيرًا على المالية العامة، ما يتطلب وضع سياسات مالية صارمة تهدف إلى خفض هذه النسبة إلى 85% أو أقل. قد يتطلب ذلك تعزيز الإيرادات من خلال تحسين إدارة الضرائب والحد من الهدر المالي، إلى جانب جذب استثمارات جديدة تساهم في زيادة الدخل القومي.
الاستثمار: تحسين بيئة الأعمال لزيادة الاستثمارات الأجنبية
الاستثمار الأجنبي المباشر يشكل أحد العوامل الحيوية لتعزيز النمو الاقتصادي. في العام 2023، تمكن الأردن من جذب استثمارات أجنبية بقيمة 1.2 مليار دولار، وهو إنجاز لا بأس به، ولكنه دون الطموحات. الحكومة الجديدة مطالبة بالعمل على تحسين بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات لجذب المزيد من الاستثمارات. الهدف يجب أن يكون زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية إلى 2 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، من خلال تقديم حوافز مشجعة وضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
التعليم: الاستثمار في الموارد البشرية لخلق جيل من القادة
لا يمكن الحديث عن مستقبل الأردن دون التركيز على التعليم، الذي يمثل حجر الأساس لأي نهضة تنموية. في الوقت الحالي، يبلغ معدل الالتحاق بالتعليم العالي في الأردن حوالي 32%، وهو معدل يتطلب المزيد من الجهود لرفعه إلى 40% خلال السنوات المقبلة. التعليم العالي والبحث العلمي هما مفتاحا الابتكار والتنمية، لذا على الحكومة الجديدة وضع استراتيجيات لدعم هذه المجالات، بما في ذلك تقديم منح دراسية وزيادة تمويل الأبحاث.
وفي الوقت نفسه، يظل معدل البطالة بين الشباب من أكبر التحديات، حيث تصل النسبة إلى 24%. هذا المعدل المرتفع يعكس الحاجة الملحة لسياسات تشجع على خلق فرص عمل جديدة وتمكين الشباب من دخول سوق العمل بمهارات تتوافق مع احتياجات العصر.
الموقع الجغرافي: تعظيم الاستفادة من مركز الأردن الاستراتيجي
يتمتع الأردن بموقع جغرافي استراتيجي يجعله حلقة وصل بين دول المنطقة، وهو ما يمكن استغلاله لتعزيز التجارة والنقل. الحكومة الجديدة يجب أن تركز على تطوير البنية التحتية اللازمة لتعظيم الاستفادة من هذا الموقع، مع هدف زيادة حجم التجارة عبر الأردن بنسبة 30% من خلال تحسين الخدمات اللوجستية وتسهيل الإجراءات التجارية.
التحول الرقمي: تسريع وتيرة الابتكار
التحول الرقمي ليس خيارًا بل ضرورة، والأردن يملك الفرصة ليكون في مقدمة الدول التي تستفيد من الاقتصاد الرقمي. حاليًا، يشكل الاقتصاد الرقمي حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتطلب رفع هذه النسبة إلى 10% بحلول عام 2030 من خلال دعم الابتكار وتكنولوجيا المعلومات. الحكومة الجديدة يجب أن تعمل على تطوير البنية التحتية الرقمية وتقديم الدعم اللازم للشركات الناشئة في هذا المجال، مع التركيز على مجالات مثل التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي.
تمكين الشباب: محرك النمو الاقتصادي
الشباب هم مستقبل الأردن، ويجب أن يكون تمكينهم أولوية للحكومة الجديدة. من خلال سياسات داعمة للشباب، يمكن خفض نسبة البطالة بينهم إلى 15% خلال السنوات الخمس المقبلة. دعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة سيكون له أثر كبير في خلق فرص عمل جديدة وتحقيق التنمية المستدامة.
الشراكات الدولية: تعزيز التعاون الدولي لتحقيق التنمية
لا يمكن للأردن أن يواجه تحدياته وحده؛ فالدعم الدولي ضروري لتحقيق التنمية. الحكومة القادمة يجب أن تستمر في بناء وتعزيز الشراكات الدولية، وزيادة المساعدات المالية الدولية إلى 4.5 مليار دولار سنويًا من خلال التعاون مع الدول والمؤسسات العالمية في مجالات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة.
الأرقام واضحة ، وهي تعكس واقعًا يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق مستقبل أفضل للأردن. الحكومة الجديدة أمام تحديات كبيرة، ولكنها أيضًا أمام فرص هائلة يمكن استغلالها لتحويل هذه التحديات إلى قصص نجاح. من خلال التركيز على تعزيز النمو الاقتصادي، تحسين بيئة الأعمال، تمكين الشباب، وتسريع التحول الرقمي، يمكن للأردن أن يحقق تقدمًا كبيرًا ويضع نفسه على مسار النمو المستدام. التحديات كبيرة، لكن الفرص أكبر، والأرقام هي التي ستحسم الطريق نحو النجاح.