دعم صندوق المناخ الأخضر يؤكد الثقة الدولية بالمملكة
الغد-إيمان الفارس
 يشكل إعلان صندوق المناخ الأخضر، أكبر صندوق متعدد الأطراف للمناخ في العالم، عن تقديم تمويل بقيمة 295 مليون دولار لمشروع "الناقل الوطني للمياه"، خطوة إستراتيجية فارقة بمسار الجهود الوطنية والإقليمية لمواجهة أزمة شحّ المياه وتداعيات تغيّر المناخ في المنطقة.
ويمثل هذا التمويل، الذي جرى الإعلان عنه رسميا خلال اجتماع مجلس إدارة الصندوق في كوريا الجنوبية، أكبر التزام مالي يقدمه الصندوق حتى الآن لصالح مشروع واحد، في مؤشر على حجم الثقة الدولية بقدرة الأردن على إدارة المشاريع الإستراتيجية المستدامة، وتأكيدا على البعد الإقليمي الحيوي لمشروع تحلية مياه البحر الأحمر ونقلها إلى العاصمة عمّان.
وبلغت قيمة التمويل المقدم من صندوق المناخ الأخضر 295 مليون دولار، توزعت بين 220 مليون دولار كقرض ميسر و75 مليون دولار كمنحة، وفق ما أكده مصدر حكومي مطلع لـ"الغد"، مشيرا إلى أن هذا المبلغ هو "المعلن حتى الآن" ضمن سلسلة التزامات دولية متوقعة لدعم المشروع.
وقال المصدر، ذاته أن الدعم المقدم من قبل صندوق المناخ الاخضر، له أهمية وأثر وجدوى كبيرة على المشروع.
ومن المنتظر أن يجذب هذا التمويل مساهمات إضافية من شركاء دوليين، من بينهم مؤسسة التمويل الدولية ومقرضون من القطاع الخاص، في إطار خطة تمويل مشترك تبلغ نحو 6 مليار دولار هي القيمة الإجمالية للمشروع، وفق تقارير رسمية.
وجاءت موافقة صندوق المناخ الأخضر بعد عملية تقييم دقيقة امتدت لأكثر من عام، بدأت منذ توقيع مذكرة التفاهم في 25 تموز (يوليو) العام 2023، مرورا بمراجعات أمانة الصندوق وفريق التقييم المستقل (iTAP)، وصولا إلى المصادقة النهائية على التمويل.
ويأتي هذا القرار قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 30) المقرر في البرازيل في غضون الشهر المقبل، وبعد نحو 10 سنوات على توقيع اتفاقية باريس للمناخ، التي تعد الإطار المرجعي العالمي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وجعلت من صندوق المناخ الأخضر أداة رئيسة في تمويل المشاريع المناخية حول العالم.
ويتجاوز إجمالي قيمة المشروع 6 مليارات دولار، حيث يساهم صندوق المناخ الأخضر بــ 295 مليون دولار موزعة على 220 مليونا كقرض و75 مليونا كمنحة، بينما يصل التمويل المشترك إلى 5.996 مليار دولار، تتوزع بين منح وقروض وأسهم من مؤسسات وجهات تمويلية متعددة.
ومن المنتظر أن يستفيد من المشروع بشكل مباشر 5.3 مليون شخص، وبشكل غير مباشر 8.7 مليون.
ويؤكد هذا المسار التقييمي الصارم الطابع المؤسسي والمستدام للمشروع، بخاصة أنه يعد جزءا من الإستراتيجية الوطنية الأردنية لتعزيز المرونة المائية والمالية وضمان استدامة الموارد.
وفي هذا السياق، يأتي مشروع "الناقل الوطني للمياه" كأحد أضخم المشاريع المائية في تاريخ المملكة، إذ يهدف إلى تحلية 300 مليون م3 سنويا من مياه البحر الأحمر في العقبة، ونقلها عبر خط أنابيب بطول نحو 450 كلم إلى المحافظات الرئيسة، وعلى رأسها عمّان.
ويمثل مشروع تحلية المياه الجديد أحد أكبر مشاريع التحلية في العالم، وسيخدم بنهاية المطاف ما يقرب من نصف سكان الأردن، الذي يصنف أول أفقر دولة في العالم مائيا.
ويعاني الأردن منذ عقود من ندرة حادة في الموارد المائية، وهي مشكلة مرشحة للتفاقم مع ارتفاع درجات الحرارة المتوقعة بنحو 4 درجات مئوية وانخفاض معدلات هطول الأمطار بنسبة 21 % بحلول نهاية القرن، وفق توقعات مناخية رسمية.
وتشير هذه التقديرات إلى احتمالات متزايدة لارتفاع معدلات التبخر، وتراجع مستويات المياه الجوفية، وتكرار موجات الجفاف، وهو ما دفع الحكومة الأردنية إلى التعامل مع المشروع بوصفه أولوية إستراتيجية وطنية.
ومن أبرز سمات المشروع هي دمج الطاقة المتجددة في تشغيل محطات التحلية، إذ سيتم تطوير نظام طاقة شمسية بقدرة 281 ميغاواط لتغطية نحو 27 % من احتياجات المشروع من الطاقة، الأمر الذي سيسهم في تجنّب انبعاث نحو 6.7 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون خلال أول 26 عاما من التشغيل، ما يجعل المشروع نموذجا للتنمية المستدامة المتكاملة بيئيا واقتصاديا.
وأشارت المديرة التنفيذية لصندوق المناخ الأخضر مارغريت مولوي، في بيان للصندوق، إلى أن هذا الاستثمار يأتي في وقت حرج تتزايد فيه تحديات ندرة المياه في الشرق الأوسط بسبب تغيّر المناخ، مؤكدة أن المشروع سيساعد الأردن على التكيف مع الجفاف المتزايد وضمان الأمن المائي للأجيال القادمة.
كما أوضحت أن جزءا من التمويل سيخصص لتطوير البنية التحتية للطاقة النظيفة المرتبطة بالمشروع، بما يعزز من التزام الأردن بمسارات خفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف الحياد الكربوني.
ووفق تصريحات صحفية لمسؤول كبير مشارك في المشروع، أشار إلى أن التمويل المقدم من صندوق المناخ الأخضر، سيسهم في خفض تكلفة المياه بمقدار 10 سنتات للتر الواحد، ما سيتيح للحكومة توفير نحو مليار دولار على مدى عمر المشروع.
وأضاف أن التمويل الميسر سيسمح أيضا لمؤسسة التمويل الدولية بتقديم قروض بشروط أكثر مرونة، الأمر الذي من شأنه تقليل تكلفة التمويل على القطاع الخاص وتشجيع استثمارات أوسع في البنية التحتية المائية.
ويعد مشروع تحلية المياه الأردني جزءا من حزمة تضم 24 مشروعا وافق عليها مجلس إدارة صندوق المناخ الأخضر في اجتماعه الأخير، في إطار التزام الصندوق بتوسيع دعمه للمشروعات التي تجمع بين أهداف التنمية المستدامة والتكيّف مع تغيّر المناخ.
وفي سياق متصل، أعلن رئيس الوزراء جعفر حسّان، أمس، عن إطلاق مشاريع مائية بقيمة 300 مليون دينار في عمان خلال السنوات الثلاث المقبلة، مؤكدا أن تنفيذ مشروع الناقل الوطني يسير بوتيرة ممتازة، مع التوجه نحو إتمام الغلق المالي خلال الأشهر المقبلة، وهو ما سيتيح البدء الفعلي بأعمال الإنشاء والتوريد.
ويعكس مشروع الناقل الوطني للمياه، بما يحظى به من تمويل دولي، هو الأكبر في تاريخ الصندوق المناخي، إدراك المجتمع الدولي لحجم التحدي الذي يواجهه الأردن في ملف المياه، ويكرّس في الوقت ذاته نهج الشراكة بين التمويل المناخي والتنمية الوطنية.
كما أنه يشكل نقطة تحول في الأمن المائي الأردني، ليس فقط من حيث الكمّ والنطاق الجغرافي، بل أيضا من حيث تبني نموذج تنموي مستدام يعتمد على التحلية والطاقة النظيفة والتخطيط طويل الأمد، ليكون الأردن نموذجا إقليميا في إدارة الندرة المائية تحت ضغوط المناخ العالمي المتغير.
وفيما تقوم وزارة المياه والري بدور محوري في سياق أعمال المشروع، فإن مرحلة الغلق المالي تعد واحدة من أبرز المحطات في تنفيذ المشروع، والتي تم التعامل معها منذ توقيع الاتفاقية الأساسية على أنها التزام تعاقدي، حيث تم تضمين جدول زمني واضح للوصول إلى الغلق كشرط رئيس لبدء الأعمال التنفيذية.
وفيما يتعلق بتنفيذ المشروع، أكد مدير وحدة مشروع الناقل الوطني م. صدام خليفات، في حديث سابق لـ"الغد"، أن الوزارة تسير بخطى واضحة نحو إنجاح هذا المشروع الوطني الإستراتيجي، بالتعاون الكامل مع الشركاء المنفذين، وتحت إشراف مباشر وحثيث من قبل وزير المياه والري م. رائد أبو السعود، لضمان تحقيق الأهداف ضمن الإطار الزمني والفني المحدد.
وقال خليفات حينها، إن مسألة الغلق المالي تعد من المحطات الأساسية في مسار تنفيذ المشروع، مضيفا أنه تم التعامل معها بشكل جدي منذ توقيع الاتفاقية، حيث نصت بنودها على ضرورة وضع جدول زمني واضح للوصول إلى الغلق المالي للطرفين، مع التأكيد أن هذا الجدول يمثل التزاما تعاقديا تترتب عليه مسؤوليات محددة لكل من وزارة المياه والري وشركة المشروع على حد سواء.