أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    26-Jul-2024

مستقبل النفط في عالم متغير.. إلى أين؟*د. أيوب أبودية

 الراي 

يشهد العالم تغيرات كبيرة في مشهد الطاقة، وخاصة مع تزايد الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتراجع أسعارها إلى درجة هائلة، فضلا عن تطور تكنولوجيا بطاريات تخزين الطاقة وانخفاض أسعارها، والتوسع في استخدام المركبات الكهربائية على نحو غير مسبوق، وترشيد استهلاك الطاقة، وزيادة كفاءة الطاقة، وتحسن التصميم المعماري المناخي، وزيادة كفاءة العزل الحراري في الابنية،...وغيرها من الاجراءات المتخذة في عصر الاحتباس الحراري والتغير المناخي. هذه التحولات وغيرها تثير تساؤلات حول مستقبل النفط، الذي كان لعقود طويلة المصدر الرئيسي للطاقة العالمية تقريبا والعنصر المهيمن على رأس المال العالمي. إذ سوف تتطرق هذه المقالة إلى كيفية تأثير هذه العوامل على مستقبل النفط.
 
تعد الطاقة المتجددة أحد أهم العوامل التي تؤثر على الطلب على النفط، والتي ادت إلى تراجع الاستثمار في الطاقة النووية لارتفاع أسعارها وكلفتها، ربما باستثناء الصين، فضلا عن تراكم مخاطرها العظيمة كما شهدنا في كارثة فوكوشيما 2011 ومن قبلها كارثة تشرنوبل 1986. وكذلك بدأ يتراجع الطلب على الفحم لتلويثه الشديد للبيئة رغم أن الفحم هو الأقل تكلفة من مصادر الطاقة التقليدية.
 
ومع تزايد الاستثمارات في الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية، والطاقة الحرارية الجوفية، وطاقة أمواج البحار، وطاقة المد والجزر، والهيدروجين الأخضر، وغيرها، باتت تتزايد حصة هذه المصادر في مزيج الطاقة العالمي بشكل مذهل وفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، كما أن نسبة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء ستزيد بشكل ملحوظ في العقود القادمة، علما بأن بعض البلدان قد حققت مئة بالمئة طاقة متجددة في انتاج كهربائها، مثل كوستاريكا والأوروغواي، مما يقلل من الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة الكهربائية التي تشكل اليوم ربع الى ثلث استهلاك العالم من الطاقة تقريبا.
 
اما المركبات الكهربائية التي داهمت حياتنا على نحو شبه فجائي، فتمثل تحديًا كبيرًا لصناعة النفط أيضا، خاصة في قطاع النقل ومع تطور تكنولوجيا البطاريات وزيادة مدى السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى سياسات التحفيز الحكومية لمواجهة التغير المناخي، وتأسيس البنى التحتية لها، كمراكز الشحن والصيانة، فمن المتوقع أن يزيد عدد المركبات الكهربائية على الطرق بشكل كبير. وهذا سيؤدي بدوره إلى انخفاض الطلب على البنزين والديزل، اللذين يمثلان جزءًا كبيرًا من استخدامات النفط على صعيد عالمي، وبالتالي التلوث العالمي.
 
كذلك، فإن ترشيد استهلاك الطاقة وزيادة كفاءتها واندياح تصاميم الابنية الخضراء والتصاميم المعمارية المناخية، تساهم أيضًا في تقليل الطلب على النفط. فتقنيات العزل الحراري، وتحسين كفاءة الأجهزة الكهربائية، وتوسع استعمالات تقنيات الإضاءة الموفرة للطاقة LED التي اكتسحت العالم، كلها تلعب دورًا مهما في تقليل الاستهلاك الكلي للطاقة الأحفورية. هذه التحسينات والتطويرات لا تؤثر فقط على قطاع الكهرباء، بل تمتد أيضًا إلى قطاعات الصناعة والنقل.
 
والابتكارات التكنولوجية في مجال زيادة كفاءة الطاقة، سواء في محطات توليد الكهرباء لاسترداد الفاقد الحراري، أو في استخدامات الطاقة في الصناعة والنقل، فإنها تؤدي إلى تقليل الطلب على النفط العالمي. كذلك التحسينات في تكنولوجيا المحركات والتوربينات والعمليات الصناعية المتطورة بمجملها تقلل من كمية النفط اللازمة لتحقيق النتائج ذاتها، مما يساهم في خفض الاستهلاك الكلي للنفط، وبالتالي يقلل من انبعاثات غازات الدفيئة.
 
وعلى الرغم من هذه التحولات المتسارعة، يواجه إنتاج النفط العديد من التحديات، ولكن توجد أيضًا له فرص للبقاء على قيد الحياة. فالنفط لا يزال يستخدم بشكل كبير في الصناعات البتروكيماوية، والتي لا تتأثر بشكل كبير بتغيرات تكنولوجيا قطاع الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، سوف يستمر النفط في لعب دور معقول في مزيج الطاقة العالمي، خاصة في البلدان النامية التي قد تكون تحولاتها نحو الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية أبطأ من تحولات الدول المتقدمة التي تمتلك التكنولوجيا ورأس المال معا.
 
خلاصة القول هي أن مستقبل النفط في العالم يتأثر بشكل كبير بنمو الطاقة المتجددة وتوسع استخدام المركبات الكهربائية وترشيد الطاقة وزيادة كفاءتها. وعلى الرغم من هذه التحديات، فلا يزال النفط يحتفظ بمكانة مهمة في مزيج الطاقة العالمي، لكن من المتوقع أن يتراجع دوره تدرجياً مع تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي وزيادة الوعي البيئي بمخاطر التغير المناخي. لذلك، فإن التحولات في مشهد الطاقة العالمي تفرض على صناعة النفط التكيف بسرعة والاستثمار في الطاقة المتجددة النظيفة والابتكار في تكنولوجيا تخزين الكهرباء، وذلك للبقاء على قيد الحياة في المستقبل.