الدستور
الروافع الاقتصادية، مجموعة القطاعات والادوات والسياسات، التي توظف لتحريك عجلة الاقتصاد، ودفعه نحو تحقيق النمو المستدام والاستقرار المالي والنقدي والمعيشي، وزيادة الانتاجية، وتوسع قاعدة الدخل، وتحسين مؤشراته الاجتماعية، اي انها محركات للنمو وللتغيير الاقتصادي والاجتماعي البنيوي .
تختلف طبيعة الروافع بحسب هوية الاقتصاد-إنتاجي، ريعي، خدمي، استهلاكي، صناعي، زراعي، او معرفي-لكنها تتمحور ضمن مجموعات مشتركة كالروافع الإنتاجية المولدة للقيمة المضافة ومنها الصناعة، الزراعة، الطاقة، التعدين، الاقتصاد الرقمي، التصنيع الغذائي، حيث تعد الاساس لاي اقتصاد انتاجي.
والروافع الخدمية كالسياحة، النقل، اللوجستيات، التعليم، والخدمات الصحية، التي تعزز الدخل الوطني وتستقطب انفاقاً خارجيا، وتدعم القطاعات الاخرى.
والروافع التشريعية والمؤسسية، وتشمل مجموعة القوانين والانظمة والسياسات المنظمة لبيئة الاعمال، والاستثمار، والادارة العامة، ومن دونها تفقد الروافع الاخرى فاعليتها.
ايضا، هناك الروافع الاستثمارية، وتتضمن الاستثمار المحلي والاجنبي، الاسواق المالية، البنوك، التمويل الصغير. والروافع المالية، والتي تسهم في توفير السيولة، وتحفيز اقامة المشاريع، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وزيادة الاشتمال المالي.
يضاف اليها، الروافع البشرية والمعرفية، كرأس المال البشري، و التعليم، والتدريب، والابتكار، وريادة الأعمال، والتكنولوجيا، التي تحول المهارة والمعرفة إلى قيمة اقتصادية حقيقية، وتدعم التحول نحو اقتصاد المعرفة.
وبالطبع توجد الرافعة الجغرافية، باعتبارها نقطة قوة اقتصادية، سواء في التجارة، او النقل، او الطاقة، او الاستثمارات، او النفوذ السياسي.
وعليه، يعد الاردن زاخرا بالروافع الاقتصادية الوطنية كالقطاع الصناعي، حيث الصادرات الصناعية تشكل نحو 90% من اجمالي الصادرات مثل الادوية والاسمدة والملابس الجاهزة، وتؤدي، دورا محوريا في تحسين الميزان التجاري، وزيادة عائدات النقد الاجنبي، لكن هذا القطاع بحاجة لزيادة الابتكار ورفع الحيز التكنولوجي في منتجاته.
والقطاع الزراعي بوصفه رافعة اقتصادية وامنية معا- نسبة نموه في الربع الثاني2025 بلغت 8.6% - اذ يرتبط مباشرة بالامن الغذائي الوطني، ورغم تراجع المساحات الزراعية، فإن تحديث القطاع عبر الزراعة الذكية والمستدامة، واستخدام تقنيات الري الحديثة، يتيح رفع الإنتاجية، وتقليل استهلاك المياه، وتوسيع التصنيع الغذائي، ما يجعل الاردن بالفعل مركزا إقليميا للامن الغذائي.
والقطاع السياحي، كرافعة استراتيجية، إذ بلغ حجم المقبوضات السياحية للاشهر الثمانية الاولى من العام نحو 3.78 مليار دينار بارتفاع 7.5 % عن الفترة ذاتها من 2024، حيث يعد القطاع مولدا رئيسا للدخل من العملات الاجنبية، وتشغيل العمالة، وتعزيز الطلب على الخدمات والبنية التحتية، لكنه يحتاج لمزيد من التطوير والتحديث لنقله من مجرد قطاع اقتصادي الى صناعة سياحية متكاملة.
كذلك الرافعة المالية والمصرفية، التي تعد اداة رئيسة لتحقيق الاستقرار والنمو، حيث الحاجة ملحة لاصلاح النظام الضريبي ليكون رافعة فعلية وليس مجرد عبء يتحملة الاقتصاد والمكلفون، وضبط الدين العام -يشكل ما يزيد عن 118% من الناتج المحلي الاجمالي- عبر اعادة غربلة النفقات الجارية، وتحسين عائد النفقات الراسمالية، وتوسيع الشمول المالي الاستثماري عبر اتاحة تمويل المشاريع الانتاجية الصغيرة والمتوسطة وتنشيط الاقتصاد الحقيقي في البيئات المحلية.
ايضا، لا يمكن إغفال الاقتصاد الرقمي وريادة الاعمال كرافعة جديدة للنمو- يتوقع نمو حجم قطاع التكنولوجيا الى 3.9 مليار دينار بحول2033 - اذ يشكل الشباب والتعليم التقني قاعدة لبناء اقتصاد معرفي قائم على الابتكار، والخدمات الرقمية العابرة للحدود، ما يسهم في تنويع مصادر الدخل وتوسيع قاعدة التشغيل.
الى جانب ذلك، يشكل الموقع الجغرافي للاردن رافعة استراتيجية تمنحه ميزة مهمة لتطوير اقتصاد لوجستي وتجاري متكامل، وتحويل الموقع إلى راسمال انتاجي فعلي، ومصدر دخل وخدمة.
بناء اقتصاد حديث، يتطلب اعادة تعريف الروافع الاقتصادية؛ بما يتلاءم مع هوية اقتصادية انتاجية محمية بقوانين محفزة للاستثمار، وادارة مالية رشيدة، وقطاع خاص نشط، وبيئة عمل شفافة ممكنة للعنصر البشري المبادر والمبتكر للخروج من حيز ومنطق الاستهلاك الى الانتاج المولد للنمو من الداخل لا من الخارج.
بهذه المنظومة، يمكن التحول من اقتصاد يعتمد على التمويل والاستهلاك الى اقتصاد يصنع فرصه بيده، ويحقق التنمية المستدامة لمواطنيه، عبر انتاجية موارده، وكفاءة مؤسساته، وعدالة توزيعه الدخل.