الغد-عبد الرحمن الخوالدة
أكدت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) مؤخرا، أن الأردن من أكثر الدول العربية المتأثرة بأزمة اللجوء في المنطقة، ما يزيد من الضغوط على البنية التحتية والخدمات في البلاد.
وفي ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة العربية، يبرز ملف الهجرة كأحد أبرز التحديات المتشابكة مع قضايا التنمية والاستقرار.
ووفقا لتقرير "حالة الهجرة الدولية في المنطقة العربية لعام 2025" الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، يواجه الأردن وضعا ديموغرافيا وإنسانيا معقدا بفعل موقعه الجغرافي، ودوره كبلد عبور واستقبال للاجئين والمهاجرين، ما يجعله محورا أساسيا لفهم ديناميات الهجرة في المنطقة.
وأشار التقرير الذي ترجمته "الغد" إلى أن الأردن يستضيف عددا كبيرا من اللاجئين، ولا سيما من سورية وفلسطين، في سياق معقد يشمل التحديات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، ويأتي الأردن في مقدمة الدول المتأثرة، ما يزيد من الضغوط على البنية التحتية والخدمات.
الجالية الأردنية في الخارج.. دور
مركزي في الاقتصاد الوطني
أوضح التقرير أن الأردن من بين ثمانية بلدان عربية ترسل أكثر من 50 % من تحويلاتها المالية إلى بلدان عربية أخرى، وهو ما يعكس الدور المركزي للجالية الأردنية في الخارج، وتأثير ذلك على الاقتصاد الوطني.
وفي المقابل، يتلقى الأردن أيضا نسبة معتبرة من تحويلات المهاجرين المقيمين في دول الخليج، ما يربطه بمنظومة اقتصادية عربية تعتمد بشكل متبادل على تدفقات التحويلات.
وأكدت "الإسكوا"، في تقريرها، أن مستقبل العمل في الأردن، مرهون بقدرة الحكومات على مواكبة التحول التكنولوجي والبيئي، منوها إلى أن الحكومات تأخرت في توفير المهارات اللازمة لمواطنين لمواكبة سوق العمل الجديد، وهو ما قد يدفع إلى موجات جديدة من الهجرة الخارجية، خصوصا بين أصحاب المهارات المتوسطة والمنخفضة.
ثغرات تشريعية تبدد
المكاسب التنموية
اعتبر التقرير أنه رغم إندماج الأردن جزئيا في الجهود الإقليمية لدمج قضايا الهجرة ضمن السياسات التنموية، إلا أنه ثمة ثغرات تشريعية واضحة، ومنها استثناء العمالة المنزلية من قوانين العمل، إضافة إلى عدم وجود استراتيجية وطنية شاملة للهجرة، إلى جانب ذلك ما تزال السياسات التعليمية والصحية لا تدمج المهاجرين بشكل واضح، ما يحد من فرص التنمية المستدامة الشاملة.
وأوصى التقرير بوضع استراتيجية وطنية شاملة للهجرة في الأردن، تربط بين قضايا الهجرة وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع ضرورة تحسين جمع البيانات، ومواءمة سياسات التعليم والتوظيف والهجرة، إضافة إلى إشراك المغتربين في جهود التنمية، كما دعا إلى توفير الحماية الاجتماعية للمهاجرين، وتحفيزهم على تحويل الأموال نحو استثمارات تنموية طويلة الأمد.
ولفت التقرير إلى أن الأردن يقف اليوم أمام مفترق طرق حقيقي، إما أن يستثمر في معالجة قضايا الهجرة كجزء من رؤيته التنموية، أو يظل رهينة للضغوط الخارجية ومحدودية الموارد، مشيرا إلى أنه ما بين الهجرة كفرصة والهجرة كأزمة، تبدو الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع في ضوء التحولات المتسارعة.
العالم العربي والهجرة بين نزيف الكفاءات واستقطاب الأزمات
أما عربيا، فرسم تقرير "حالة الهجرة الدولية في المنطقة العربية لعام 2025" مشهدا متشابكا لعلاقة الدول العربية بالهجرة، كاشفا عن مفارقات حادة بين بلدان مصدرة للمهاجرين وأخرى مستقبِلة لهم، وبين دول تفتقر إلى سياسات متماسكة وأخرى تحاول جاهدة استيعاب التحولات السريعة في عالم العمل والتنقل البشري.
وبحسب التقرير، من أصل 37.2 مليون مهاجر ولاجئ من البلدان العربية، انتقل نحو 18.1 مليون منهم إلى بلدان عربية أخرى في العام الماضي، ما يعكس ترابطا داخليا كبيرا. ومع ذلك، يظهر التقرير أن هذه الهجرة لا تتم وفق أسس من التنسيق الإقليمي، بل تحكمها مصالح آنية وسياسات ظرفية.
وبلدان الخليج تستقطب النسبة الكبرى من العمالة القادمة من البلدان الأقل نموا، مثل السودان واليمن والصومال، مما يكرس حالة الاعتماد الأحادي على اقتصاديات العمل المؤقت وتحويلات المهاجرين.
وأكثر من سبع دول عربية، من بينها مصر، الأردن، قطر، فلسطين والكويت، تعتمد بنسبة تزيد على 50 % من تحويلاتها على مهاجرين مقيمين في دول عربية أخرى. أما لبنان، فيتصدر قائمة البلدان الأكثر اعتمادا على التحويلات، حيث تمثل قرابة 31 % من الناتج المحلي الإجمالي.
ويحذر التقرير من أن تكاليف التحويلات المالية ما تزال مرتفعة، ما يقوض تأثيرها التنموي ويحد من استفادة الأسر الفقيرة منها.
وأشار التقرير إلى أن المنطقة العربية تضم نحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني، و3.26 مليون لاجئ مسجل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فضلا عن 28 مليون نازح داخلي، أي ما يعادل ثلث النازحين عالميا وهذه الأرقام تعكس هشاشة بنيوية في سياسات الأمن والاستقرار في دول مثل سورية، اليمن، السودان وليبيا.
وأوضح التقرير أنه رغم هذا الحجم الكبير من الهجرة والتشريد لا تملك سوى 3 دول عربية فقط استراتيجيات وطنية للهجرة، ولا توجد سوى 5 دول تجرم التمييز في العمل بناء على الجنسية.
أما فيما يتعلق بالحماية الاجتماعية، فإن 14 دولة عربية لا تشمل العمالة المنزلية ضمن قوانين العمل، ولا توفر سوى 3 دول إعانات بطالة للمهاجرين، ما يشير إلى فجوة قانونية كبيرة وانعدام مبدأ العدالة في الحقوق.
مستقبل العمل عربيا في خطر
وأكد التقرير، تأخر معظم الدول العربية في مواكبة تحولات سوق العمل العالمي إضافة إلى الفجوة التكنولوجية وضعف التعليم وسوء إدارة المهارات، تجعل المنطقة غير جاهزة بعد للانخراط في الاقتصاد الأخضر أو مواكبة الثورة الرقمية.
لكن التقرير يفتح باب الأمل ما يصل إلى 10 ملايين فرصة عمل جديدة يمكن توليدها بحلول العام 2050، إذا تبنت الدول العربية سياسات استباقية في الطاقة المتجددة، التعليم المهني وتحسين إدارة المهارات.