اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.. دفعة حقيقية للاقتصاد الوطني
الاتفاقية تتضمن 640 مليون يورو منحا واستثمارات بحجم 1.4 مليار و1 مليار مخصصات لدعم الاقتصاد
الغد-عبد الرحمن الخوالدة
هي مرحلة جديدة تحمل في طياتها الخير لمعظم القطاعات الاقتصادية في المملكة، هكذا وصف خبراء اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي التي وقعت في بروكسل أمس، مؤكدين أنها ستسهم في تعزيز النمو المستدام وستدعم الاقتصاد الكلي.
وبين الخبراء لـ"الغد" أن التفاقية تعتبر تحولا جوهريا في العلاقات الثنائية بين الطرفين، وتعد خطوة مهمة على صعيد تعزيز التعاون، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المنطقة.
وأكدوا أن الاتفاقية تمثل دفعة حقيقية للاقتصاد الوطني للسنوات المقبلة، خاصة وانها تأتي على وقع ظروف ومتغييرات سياسية واقتصادية كبرى على الساحة الدولية.
وأوضح هؤلاء الخبراء أن الحضور والمكانة التي يحظى بها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على الساحة الدولية كان له دور فاعل في التوصل إلى هذه الشراكة الإستراتيجية مع دول منطقة اليورو، حيث أن الحكمة والدبلوماسية الأردنية الفعالة ساعدت مرارا في تأمين اتفاقيات تمويل ميسرة ومنح اقتصادية واستثمارات مباشرة، وجعلت الأردن وجهة مفضلة للشراكات الأوروبية في المنطقة.
وتكمن الأهمية الاقتصادية لهذه الاتفاقية بأنها تصب مباشر في رؤية التحديث الاقتصادي ومبادراتها، إضافة إلى دعمها للاقتصادي الكلي الوطني والقطاعات الفاعلة به، ما سينعكس على تحفيز الصادرات الأردنية إلى الأسواق الأوروبية، وخلق فرص عمل جديدة وتعزيز بيئة الأعمال، إلى جانب تحسين البنية التحتية ودعم المشاريع التنموية لا سيما في قطاعات المياه والطاقة المتجددة والنقل عدا عن تعزيز قطاع الطاقة وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية، بحسب الخبراء.
وشهد جلالة الملك عبدالله الثاني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بروكسل، أمس الاربعاء، توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي.
وتضمنت الاتفاقية تقديم حزمة من المساعدات المالية للأردن بقيمة 3 مليارات يورو للأعوام 2025 - 2027، تتضمن منحا بقيمة 640 مليون يورو، واستثمارات بحجم 1.4 مليار يورو، ومخصصات لدعم الاقتصاد الكلي تقدر بنحو 1 مليار يورو.
وتنص الاتفاقية على تعزيز التعاون بين الجانبين في المجالات السياسية، والأمن والدفاع، والمنعة الاقتصادية والتجارة والاستثمار، والموارد البشرية، ودعم اللاجئين والدول المستضيفة.
كما تتضمن الاتفاقية بنودا حول تعزيز جهود التصدي لتهريب المخدرات والأسلحة، وتحفيز استثمارات القطاع الخاص، ودعم قطاعات عديدة كالمياه والطاقة والتكنولوجيا وريادة الأعمال.
وتأتي اتفاقية الشراكة هذه بعد عام ونيف فقط، من تقديم الاتحاد حزمة مساعدات للأردن بلغت قيمتها 902.4 مليون يورو، وذلك على هامش زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى بروكسل، ولقائه قيادات من الاتحاد الأوروبي، في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2023.
وبحسب بيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولي التي رصدتها "الغد" حصلت الحكومة على مساعدات من الاتحاد الأوروبي بقيمة 494 مليون دولار في أول سبعة أشهر من العام 2024 مقارنة مع 85 مليونا في نفس فترة المقارنة من العام 2023، بزيادة تناهز 5 أضعاف، فيما بلغ إجمالي حجم التجارة بين الطرفين حوالي 4.6 مليار يورو في عام 2023.
ويشار إلى أنه تم توقيع اتفاق شراكة سابق بين عمان وبروكسل في عام 2021، وحددت مدة الاتفاق بأربع سنوات، حيث التزم الاتحاد الأوروبي بموجب الاتفاق بتقديم دعم مالي للمملكة على شكل مساعدات ومنح بقيمة 364 مليون يورو للفترة 2021 - 2024، وبمتوسط حجم منح سنوي يبلغ 91 مليون يورو.
وقال وزير الدولة لشؤون الاقتصادية الأسبق يوسف منصور، ان حجم اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، وما تتضمنه من منح واستثمارات، تمثل دفعة حقيقية للاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة، لا سيما وأنها تأتي في ظل ظروف ومتغييرات سياسية واقتصادية كبرى على الساحة الدولية.
وأضاف منصور أن هذه الاتفاقية نتاج للجهد الدبلوماسي الكبير الذي يبذله جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين منذ سنوات طويلة، حيث رسخ حضور واحترام ومكانة المملكة على الساحة العالمية وعلى الصعد كافة، مشددا على أن حكمة جلالة الملك جنبت على مدار السنوات الماضية الأردن من مساوئ ومخاطر جمة.
ويرى منصور أن أهمية هذه الاتفاقية تكمن بأنها تصب بشكل مباشر في رؤية التحديث الاقتصادي ومبادراتها، ما يعني ضمان انعكاس هذه الاتفاقية إيجابا على الاقتصاد الوطني خلال الفترة المقبلة، مثنيا على جهود وزارة التخطيط في تصميمها لهذه الاتفاقية.
وأكد منصور أن إيجابية هذه المنح والاستثمارات التي تضمنتها الاتفاقية تتمثل أيضا في أنها مخصصة لقطاعات اقتصادية فنية، ولدعم الاقتصاد الكلي، لذا ستساهم في رفع مستوى تنافسية الاقتصاد الوطني وكذلك حجم الصادرات وتحسين مختلف مؤشرات الاقتصاد الوطني.
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة، أن توقيع هذه الاتفاقية الإستراتيجية خطوة مهمة على صعيد تعزيز التعاون بين الأردن والاتحاد الأوروبي، وخصوصا في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المنطقة.
وبين المخامرة أن هذه الاتفاقية قد تساهم في دعم خطط التنمية المستدامة في الأردن، خاصة في مجالات مثل البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والتعليم، والصحة، والتي تُعدّ أولويات للدولة الأردنية.
كما أن هذا التعاون يظهر الثقة الدولية بدور الأردن كشريك إستراتيجي في تعزيز الاستقرار الإقليمي، لا سيما في ظل الأزمات المتعددة في المنطقة، بما في ذلك أزمة اللاجئين السوريين التي تتحمل الأردن عبئاً كبيراً فيها.
ولفت المخامرة إلى ان الدعم الأوروبي قد يساعد أيضاً في تخفيف الضغوط الاقتصادية التي تواجهها المملكة في ظل المتغيرات الأخيرة على الساحة الدولية، وعليه سينعكس اتفاق الشراكة إيجابا على المواطنين وتحسين الخدمات العامة.
وأوضح المخامرة، أن مثل هذه الاتفاقيات يرتبط دائماً بفعالية تنفيذ المشاريع المتفق عليها، وضمان الشفافية في إدارة الموارد، ووضع آليات لمتابعة النتائج لتحقيق أقصى استفادة ممكنة. كما أن تعزيز التعاون الاقتصادي بين الأطراف يُعتبر خطوة نحو شراكات أوسع في المستقبل، سواء على المستوى التجاري أو الثقافي أو الأمني.
واتفق عضو مجلس إدارة جمعية الأعمال الأردنية الأوروبية (JEBA) محمد الصمادي مع سابقيه على إيجابية اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، على الاقتصاد الأردني في المرحلة القادمة، مؤكدا انها تمثل تحولا جوهريا في العلاقات الثنائية، حيث تعكس التزام الاتحاد الأوروبي بدعم الأردن كشريك محوري في المنطقة. هذا التعاون يترجم إلى دعم مالي ضخم يقدر بـ3 مليارات يورو على مدى ثلاث سنوات، وهو رقم غير مسبوق في إطار الشراكات الثنائية بين الأردن والاتحاد الأوروبي.
وبين الصمادي أن علاقات جلالة الملك عبدالله الثاني القوية والمميزة مع القادة الأوروبيين ساهمت بشكل مباشر في تعزيز هذه الثقة، حيث أجرى جلالة الملك أكثر من 15 زيارة رسمية إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس الأخيرة، التقى خلالها بمسؤولين رفيعي المستوى لمناقشة التعاون الاقتصادي والأمني؛ حيث إن هذه الحكمة والدبلوماسية الفعالة ساعدت في تأمين اتفاقيات تمويل ميسرة ومنح اقتصادية واستثمارات مباشرة، وجعلت الأردن وجهة مفضلة للشراكات الأوروبية في المنطقة.
وأشار إلى أن الثقة الأوروبية بالأردن تتجلى في استمرار الاتحاد الأوروبي في تقديم الدعم المالي والاستثماري المباشر، حيث بلغت المساعدات المالية المقدمة للأردن من الاتحاد الأوروبي خلال العقد الماضي أكثر من 5.5 مليار يورو، موزعة على مشاريع تنموية ودعم اقتصادي وتمويل مباشر للميزانية العامة.
ولفت الصمادي إلى أنه على المستوى التجاري، فالاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للأردن، حيث بلغ إجمالي حجم التجارة بين الطرفين حوالي 4.6 مليار يورو عام 2023. ومع هذه الاتفاقية، نتوقع زيادة الصادرات الأردنية إلى أوروبا بنسبة 20 - 30 % خلال السنوات الخمس القادمة، خاصة مع تحسين شروط التجارة وتبسيط قواعد المنشأ للصادرات الأردنية.
وحول الأثر المتوقع لهذه الاتفاقية على الاقتصاد الوطني، أوضح الصمادي أنه سيكون لها تأثير مباشر على تحفيز الصادرات الأردنية إلى الأسواق الأوروبية، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة وتعزيز بيئة الأعمال، إضافة إلى تحسين البنية التحتية ودعم المشاريع التنموية، خاصة وأن جزءا كبيرا من التمويل الأوروبي سيخصص لمشاريع البنية التحتية، حيث سيتم استثمار أكثر من 1.2 مليار يورو في مشاريع المياه والطاقة المتجددة والنقل، ما يسهم في تعزيز الاستدامة وتحسين الخدمات الأساسية، عدا عن تعزيز قطاع الطاقة وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية.
من جانبه، قال المختص في الاقتصاد السياسي زيان زوانة إن هذه الاتفاقية بحجمها وتوقيتها خير دليل على تقدير دول الاتحاد الأوروبي لدور الأردن في استقرار الإقليم، وقناعتها بضرورة المحافظة على هذا الدور للأردن من خلال تلبية احتياجاته الاقتصادية والتنموية.
واعتبر زوانة أنه سيكون لهذه الاتفاقية انعكاس على الأردن لما هو أبعد من مجرد اتفاقية دعم اقتصادية، ليتجاوز هذا إلى مدلولاته السياسية التي تؤكد مكانة الأردن ودوره بالمنطقة.