أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-Jul-2025

قراءة مغايرة لأرقام الاقتصاد الأردني في بيئة إقليمية مشتعلة*د.عدلي قندح

 الدستور

في خضم ما يمكن وصفه بـ»اللحظة الجيوسياسية الأخطر» على حدود الأردن منذ عقود، وما يرافقها من تداعيات إقليمية وانهيارات في قواعد التموضع التقليدي لدول المنطقة، تبرز بيانات النمو الاقتصادي الأردني للربع الأول من عام 2025 كإشارة تحتاج إلى ما هو أبعد من التهليل أو القراءة التقنية المحضة. إذ سجّل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بنسبة 2.7% بالأسعار الثابتة مقارنة بـ 2.2% في نفس الفترة من عام 2024، بحسب تقديرات دائرة الإحصاءات العامة. ورغم بساطة الرقم في ظاهره، إلا أن خلفه تُخاض معارك حقيقية على أرضية الاقتصاد السياسي، وسؤال التنمية في بيئة هشّة تتهددها أزمات الإقليم أكثر من أي وقت مضى.
النمو الاقتصادي بين النسب والنسَب
معدل النمو البالغ 2.7%، وإن جاء متجاوزًا لمتوسطات السنوات القليلة الماضية (التي لم تتجاوز في معظمها حاجز 2.5%)، إلا أنه ما زال دون العتبة الكافية لتحقيق تحولات هيكلية في الاقتصاد الأردني، والتي تتطلب نموًا مستدامًا يتجاوز 5% على الأقل، كي تتجلى نتائجه في مؤشرات العدالة الاجتماعية وخلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.
ومع أن الرقم في حد ذاته لا يروي القصة الكاملة، فإن تحليل مكونات النمو يتيح استكشاف الديناميكيات الخفية خلف هذا التحسن النسبي، خصوصًا مع بروز أداء لافت في بعض القطاعات الإنتاجية، وفي مقدمتها الزراعة التي سجلت نموًا بلغ 8.1%، مساهِمةً بنسبة 0.45 نقطة مئوية في النمو الكلي، إضافة إلى قطاعي الكهرباء والمياه (5.8%) والصناعات التحويلية (5.1%)، هذا الأخير تحديدًا شكّل المحرك الأبرز للنمو بمساهمة بلغت 0.88 نقطة مئوية.
 قراءة قطاعية: الزراعة والصناعة كرهان اقتصادي
النمو الزراعي اللافت يطرح تساؤلات حول مدى نجاح خطط التحول نحو الزراعة الذكية والمستدامة، ويشير إلى إمكانية استثمار هذا القطاع في ظل شح المياه والتغير المناخي. أما الصناعات التحويلية، فتمثل بارقة أمل حقيقية في اتجاه تعزيز القيمة المضافة في الاقتصاد الوطني، شريطة أن يتم توجيه الاستثمار الصناعي نحو التصدير والتكنولوجيا، وليس فقط الإنتاج للاستهلاك المحلي.
غير أن ما يغيب عن المشهد هو ضعف مساهمة القطاعات الأكثر كثافة في التوظيف، مثل الإنشاءات والسياحة، ما يحدّ من انعكاس النمو على مؤشرات البطالة العامة، التي ما تزال في مستويات مقلقة تفوق 21% ، في حين أن البطالة بين الشباب تكاد تلامس عتبة 50%، وهي من أعلى النسب في المنطقة. وهذه الأرقام تُظهر أن النمو المتحقق حتى الآن يفتقر إلى الشمولية، ويبدو عاجزًا عن تحفيز ديناميكيات جديدة في سوق العمل أو خلق فارقًا ملموسًا على الأرض، خصوصىًا بين الشباب والخريجين الجدد.
 البيئة الإقليمية: نمو رغم النار
تحقق هذا النمو في سياق إقليمي بالغ التعقيد: اشتداد الصراع الإيراني الإسرائيلي، تقاطع الأدوار التركية والإيرانية في شمال سوريا والعراق، وتدهور أفق الحل السياسي في ملفات مثل اليمن ولبنان، كلها عوامل تضع الأردن أمام هشاشة جيوسياسية مركّبة، تترافق مع اضطرابات في سلاسل التوريد، وأزمات طاقة متكررة، كان آخرها انقطاع مؤقت للغاز الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن تسجيل نمو في ظل هذه المعطيات، يُظهر ما يمكن تسميته بـ»الصمود الاقتصادي النسبي»، لكنه صمود محفوف بالمخاطر إن لم يتم تحويله إلى استراتيجية تحول اقتصادي أكثر جرأة.
 من النمو الكمي إلى
النوعي: الرؤية المنتظرة
رؤية التحديث الاقتصادي التي تتبناها الدولة الأردنية منذ عام 2022 تسعى إلى رفع نسب النمو تدريجيًا وتحقيق تحولات نوعية، لكن ما يُلاحظ في البيانات الحالية أن النمو لا يزال يميل إلى الطابع الكمي والانكماشي في الأثر، أي أنه لا ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين أو يقلل من نسب الفقر والتفاوت في الدخل.
إن غياب المؤشرات التفصيلية حول توزيع ثمار النمو، وعدم ربط الأرقام بإصلاح سوق العمل أو توسع المشاريع الريادية، يُبقي هذا النمو في إطار حسابي تقني، أكثر منه رؤية اقتصادية متكاملة.
الماضي كمرآة: مقارنة تاريخية
خلال الفترة الذهبية بين عامي 2000 و2008، شهد الأردن نموًا تجاوز 6% بفضل طفرة الاستثمارات الإقليمية والخصخصة والتوسع السياحي. لكن الأزمات العالمية وما تلاها من حروب ونزاعات في الجوار خفضت هذا النمو إلى حدود 2% في العقد الماضي. ومع أن معدل 2.7% في عام 2025 يُعتبر تحسنًا نسبياً، لكنه لا يرتقي بعد إلى مستوى التعافي الشامل أو الاستدامة التنموية.
 نحو تعميق الجدوى الاقتصادية
المطلوب اليوم ليس فقط الحفاظ على وتيرة النمو، بل تحويل اتجاهه نحو مزيد من الشمول والعدالة والابتكار. وذلك لن يتحقق إلا من خلال:
إعادة تموضع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية.
معالجة الاختلالات في سوق العمل وتضييق الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق.
إعادة هندسة الإنفاق العام ليكون محفّزًا للنمو وليس عبئًا على الدين العام.
 الخلاصة:
إن تسجيل الاقتصاد الأردني لمعدل نمو بلغ 2.7% في بيئة إقليمية مضطربة يُعدّ إنجازًا نسبيًا، لكنه ليس كافيًا للانتقال إلى حالة من النمو العادل والمستدام. فالتحدي لا يكمن فقط في الوصول إلى معدل نمو أعلى، بل في تحقيق نمو نوعي يعالج الفقر والبطالة ويوزع الثروة بعدالة ويمنح الأمل لجيل يوشك أن يفقد ثقته في جدوى الأرقام ما لم تلامس واقعه. فهل نحن أمام فرصة لإعادة تعريف معنى «النمو»؟ أم أن العاصفة الإقليمية ستعيد الاقتصاد إلى مربع الاضطراب؟ الجواب في السياسات، لا في الأرقام فقط.