الغد-أحمد الرواشدة
العقبة- تبرز خطوة المضي بإعادة تشغيل مطار عمان المدني في منطقة ماركا، وفق خبراء "تمثل خطوة إستراتيجية محورية في تطوير البنية التحتية الجوية للأردن، وتفتح كذلك آفاقا جديدة أمام حركة النقل الجوي الداخلي والإقليمي"، وذلك دعوات لإطلاق رحلات منه إلى العقبة.
وأضافوا أنه "من الموقع أن يسهم هذا التحول في تنشيط الاقتصاد الوطني عبر تعزيز السياحة والاستثمار وتسهيل حركة التجارة ورسم خريطة الحركة الجوية بما يواكب تطلعات المملكة نحو مستقبل أكثر انفتاحا وازدهارا".
كما أشاروا إلى أنه "مع بدء الحديث عن إعادة تشغيل مطار عمان المدني الذي ظل طويلا شاهدا على بدايات الطيران الأردني، يعود اليوم من جديد ليكون عنصرا إستراتيجيا قادرا على إعادة تشكيل البيئة التنافسية وتخفيض تكلفة الحركة الجوية، وتعزيز مكانة المملكة في سوق النقل الإقليمي".
ويؤكد هؤلاء الخبراء "أن مقترح إعادة تشغيل مطار عمان وإطلاق خط ماركا العقبة مناسب جدا، إذ إن البنية التحتية جاهزة والطائرات متوفرة والمسافة قصيرة والطلب متوقع أن يكون مرتفعا، فيما تكمن أهميته في الرؤية المستقبلية التي قد تؤسس لشبكة طيران داخلي تربط المدن الاردنية وتدعم التنمية الاقتصادية وتخفف الضغط على الطرق".
وبادرت شركات طيران محلية وإقليمية إلى إبداء اهتمام واضح، وذهبت إلى أبعد من ذلك حين طرحت رؤى جديدة لا تقتصر فقط على تشغيل رحلات من ماركا وإليه، بل تمتد إلى فكرة جريئة اعتبرها الكثيرون "قفزة إستراتيجية"، وهي إطلاق خط جوي مباشر بين مطار عمان المدني ومطار الملك الحسين الدولي في العقبة، ورغم أن الحكومة لم تعلن عن هذه الخطوة، إلا أن مديري شركات الطيران يرون أنها فكرة يجب أن تتحول إلى مشروع وطني، مشروع قادر على تغيير نمط السفر بين شمال المملكة وجنوبها، وإحداث تحولات اقتصادية لا تقل أهمية عن المشاريع الكبرى.
فرصة إستراتيجية كبيرة
وبحسب رئيس هيئة تنظيم قطاع الطيران المدني الكابتن هيثم مستو، فإن "التشغيل الداخلي لشركات الطيران في الأردن ضرورة وطنية ذات قيمة حقيقية، ذلك أن تعزيز رحلات الطيران الداخلية يسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية ويخلق فرصا استثمارية جديدة وأن المملكة بحاجة إلى استغلال كل إمكاناتها اللوجستية والجغرافية لتحسين ربط المحافظات والمراكز الحيوية".
وأضاف "فكرة ربط مطار عمان بالعقبة، تمثل فرصة إستراتيجية كبيرة، إذ يمكنها أن تخلق بيئة تنافسية تشجع شركات الطيران على تقديم خدمات أفضل بأسعار منافسة، وتفتح المجال أمام تطوير نماذج سياحية وتجارية مبتكرة، بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني والمواطن على حد سواء".
وأشار مستو إلى "أن الاستفادة من موقع العقبة الإستراتيجي، ومجمع الأعمال والسياحة فيها، يتطلب أن تكون هناك رحلات مستمرة على مدار الساعة، لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمسافرين والسياح ورجال الأعمال"، موضحا "أن مثل هذه الخطوة ستعزز من مكانة العقبة كمركز اقتصادي وسياحي متكامل، وستزيد من الكفاءة التشغيلية لشركات الطيران، كما ستسهم في تقليل الضغط على البنية التحتية البرية والطرق"، في حين أكد "أن تطوير شبكة الطيران الداخلي أصبح اليوم ضرورة وطنية للمساهمة في دفع عجلة التنمية وتحقيق الربط المتوازن بين شمال وجنوب المملكة".
ويقول مديرو شركات سياحة "إن مطار عمان المدني يتميز بموقعه داخل قلب عمان تقريبا ويمتلك قدرة على أداء دور استثنائي في منظومة النقل، فهو قريب من الكثافة السكانية والاقتصادية، وقادر على خدمة قطاعات واسعة من المسافرين خصوصا الراغبين في الرحلات القصيرة والمنخفضة الكلفة"، مؤكدين أنه "يشكل قيمة إستراتيجية يمكن البناء عليها في اتجاهات متعددة، خصوصا في ظل ارتفاع كلفة التنقل، وزيادة الضغط على مطار الملكة علياء الدولي، وحاجة السوق المحلي إلى خيارات أكثر مرونة ومنافسة".
أول وجهة داخلية
وقال مدير شركة سياحية أحمد عبدالله "إن إعادة تشغيل مطار عمان خطوة ممتازة، لكن الاستفادة القصوى منها لن تتحقق إلا إذا ربطنا هذا المطار مباشرة بالعقبة، فالخط بين المطارين يجب أن يكون أول وجهة داخلية، لأنه الأكثر جاهزية والأعلى قيمة اقتصادية، وسيخلق موجة تنافسية غير مسبوقة".
وأشار عبدالله إلى أنه "عندما تمتلك مطارا في قلب العاصمة، ومطارا دوليا في الجنوب، تصبح فكرة الربط بينهما ضرورة لا سيما أن العقبة بما تمتلكه من إمكانات سياحية واقتصادية، وميناء بحري، ومطار قادر على استقبال حركة كبيرة، مرشحة لأن تكون الامتداد الطبيعي لعمان".
وأضاف "أن الربط الجوي بين عمان والعقبة يمكن أن يشكل أول رحلة طيران داخلي منظم منذ سنوات طويلة، رحلة قصيرة ولكن قيمتها التنموية ضخمة"، مؤكدا "أن السوق المحلي يعاني من قلة الخيارات الداخلية، وعدم وجود خطوط طيران تربط المدن الكبيرة، رغم أن المسافات الجوية قصيرة والتكلفة التشغيلية منخفضة مقارنة بالنقل البري".
ولا ينظر الخبراء إلى هذا الربط باعتباره ترفا أو خيارا ثانويا، بل يرونه ضرورة ملحة كون العاصمة بحاجة إلى مطار قريب يخفف الضغط عن مطار الملكة علياء، والعقبة بحاجة إلى مسار حركة مستمر يعزز نشاطها السياحي والاقتصادي، والمواطن بحاجة إلى خيارات نقل منخفضة الكلفة وسريعة، والشركات بحاجة إلى أدوات لوجستية أكثر فعالية.
بهذا الخصوص، يشير الخبير الاقتصادي والنقل الجوي محمد الطراونة، إلى "أن تشغيل هذا الخط الداخلي فرصة لإعادة تعريف العلاقة الاقتصادية بين عمان والعقبة"، مؤكدا أنه "بدل أن تكون العقبة نقطة بعيدة تحتاج ساعات طويلة للوصول إليها بالمركبة على الطرق البرية، يمكن أن تتحول إلى امتداد مباشر للعاصمة برحلة جوية قصيرة ومنخفضة الكلفة ويمكن أن تغير سلوك النقل والسفر، وتفتح الباب أمام حركة أعمال واستثمار وسياحة أكثر مرونة".
وأضاف الطراونة "أن ذلك باعتبار أن مطار عمان يتميز بتكلفة تشغيلية أقل من المطار الرئيسي، فالمسافة القريبة، وانخفاض تكاليف الخدمات الارضية، وسهولة الحركة، وسرعة الوصول للمطار، كلها عناصر تجعل منه خيارا مثاليا لشركات الطيران التي تعمل بنظام التشغيل الاقتصادي".
إلى ذلك، بين صاحب مكتب سياحي يوسف هلالات "أن التشغيل من ماركا إلى العقبة سيمنح المسافر الأردني لأول مرة فرصة الحصول على أسعار منخفضة حقيقية، لأن تكلفة التشغيل نفسها منخفضة، وبالتالي يمكن تقديم رحلات بأسعار منافسة جدا"، مشيرا إلى "أن وجود خط داخلي مباشر من ماركا سيفتح الباب أمام مضاعفة نسب الإشغال، خصوصا في المواسم التي تشهد فيها العاصمة حركة كبيرة".
وأضاف "أن السائح يستطيع الانتقال من وسط عمان إلى قلب العقبة خلال أقل من ساعتين ستغير المشهد السياحي بالكامل، وهذا ما نأمل أن يتم في القريب العاجل والنقلة النوعية في مفهوم السياحة الداخلية".
شريان اقتصادي جديد
كما يرى تجار مدينة العقبة، أن هذا الربط سيكون بمثابة شريان اقتصادي جديد، وسيساهم في تنشيط الحركة التجارية، وزيارة الأسواق، وتوسيع قاعدة الزبائن، وربط الشمال بالجنوب بطريقة اقتصادية فعالة.
ووفق نائب رئيس غرفة تجارة العقبة أحمد سالم الكسواني، فإن "الحركة الجوية الداخلية ستنعش اسواق المدينة الساحلية والتي تمر بين الحين والآخر بركود غير طبيعي ومنطقي"، مؤكدا "أن كل رحلة تحمل معها زبائن وبضائع وحركة وهذا ما يسمى الدورة الاقتصادية المتكاملة".
وأكد "أن وجود خط مباشر بين المطارين سيخدم قطاعات إضافية واسعة، خصوصا الشركات التجارية التي تتعامل مع شحنات خفيفة تحتاج إلى سرعة في الوصول، فالنقل الجوي الداخلي يوفر الوقت، ويقلل من تكاليف الارضيات والطرق البرية، ويمنح الشركات مرونة أعلى وهو ما يعتبره الكسواني "ثورة لوجستية مصغرة، لكنها ذات أثر عميق".
وفي ظل الحديث عن رؤية اقتصادية تمتد حتى عام 2033، يسعى الأردن بحسب الخبراء، إلى تعزيز دوره كمركز إقليمي للنقل والخدمات اللوجستية ومع امتلاك المملكة لميناء بحري مهم، وبنية تحتية برية واسعة، ومطارات قادرة على التوسع، يصبح وجود شبكة طيران داخلية مكملة خطوة حتمية في وقت ما، ومن هنا فإن مقترح الربط بين ماركا والعقبة ينسجم مع الاتجاه الوطني العام نحو تعظيم القيمة من كل مرفق قائم.
ويأتي في هذا السياق مثال ملموس على الطلب القوي على الرحلات الجوية الداخلية، حيث تشغل شركة الملكية الأردنية طائرتين يوميا من مطار الملكة علياء الدولي إلى مطار الملك الحسين الدولي في العقبة، مما يعكس حجم الحركة المتوقع والإقبال الكبير على هذا المسار، إلى جانب أن هذا التشغيل اليومي يوضح أن السوق المحلي جاهز لاستقبال المزيد من الرحلات، وأن هناك قاعدة صلبة يمكن البناء عليها في حال تم افتتاح خط جوي مباشر من مطار ماركا إلى العقبة.
وبين أحد المسافرين على متن طائرات الملكية الاردنية من مطار الملكة علياء الدولي إلى مطار الملك الحسين في العقبة الدكتور محمد أسعد، "أن إضافة هذا الخط من ماركا لن يقلل فقط من الضغط على مطار الملكة علياء، بل سيخلق منافسة إيجابية من شأنها تحسين الأسعار وخيارات المسافرين، ويزيد من فعالية الاستفادة من البنية التحتية للطيران المدني في المملكة، ليصبح الربط بين الشمال والجنوب عبر الجو فرصة اقتصادية وسياحية حقيقية تتجاوز مجرد النقل التقليدي".