توسيع التجارة مع سورية.. ضرورة التأسيس لمنافسة عادلة
الغد-طارق الدعجة
أكد خبراء ومختصون أن فتح قنوات الاستيراد والتصدير بين الأردن وسورية يشكل تحولا مهما في مسار العلاقات التجارية بين البلدين، لما يوفره من فرص واسعة أمام القطاعات الصناعية والخدمية في المملكة.
لكنهم شددوا في الوقت نفسه في أحاديث منفصلة لـ"الغد" على ضرورة اعتماد ترتيبات واضحة تضمن منافسة عادلة ومتوازنة بين المنتجين في البلدين، مشددين على ضرورة مراعاة الفروقات في تكاليف الإنتاج والرسوم الجمركية والمتطلبات الفنية، بما يحفظ قدرة الصناعة الوطنية على المنافسة داخل الأسواق الخارجية والداخلية.
وأوضحوا أن القرب الجغرافي وتكامل الاحتياجات وأسواق الطلب يتيحان للصناعة الأردنية مجالا أوسع للدخول إلى السوق السورية، خصوصا في القطاعات المرتبطة بجهود إعادة الإعمار مثل مواد البناء والصناعات الهندسية والغذائية والدوائية والمنسوجات.
يأتي ذلك في الوقت الذي كان فيه وزير الصناعة والتجارة والتموين، المهندس يعرب القضاة، بحث في دمشق، مؤخرا، مع نظيره وزير الاقتصاد والصناعة السوري، د. نضال الشعار، سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في العديد من المجالات، وتنشيط حركة التجارة البينية ومعالجة أي صعوبات تواجهها.
واتفق الجانبان على فتح قنوات الاستيراد والتصدير بين البلدين لجميع السلع، بناء على مبدأ المعاملة بالمثل، اعتبارا من بداية العام المقبل، ما سيعزز حجم التجارة ويوفر فرصا أكبر للقطاعين العام والخاص في كلا البلدين.
التطورات الأخيرة واللقاءات الرسمية
بدوره، أكد رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان، المهندس فتحي الجغبير، أن فتح قنوات الاستيراد والتصدير بين الأردن وسورية يشكل فرصة حقيقية للقطاع الصناعي الأردني لتوسيع حضوره داخل السوق السورية، والاستفادة من القرب الجغرافي وتشابه أنماط الطلب، بما يسهم في خفض تكاليف النقل وتعزيز القدرة التنافسية للمنتج الأردني.
وقال الجغبير إن التطورات الأخيرة واللقاءات الرسمية والقطاعية بين الجانبين تمثل نقطة تحول مهمة، خصوصا في ظل الارتفاع الملحوظ في الصادرات الأردنية خلال العام الحالي، حيث تبرز قطاعات مواد البناء والصناعات الهندسية والطاقة والصناعات الغذائية والدوائية والمنسوجات كأكثر القطاعات جاهزية للاستفادة من هذا الانفتاح، نظرا لارتباطها المباشر بمرحلة إعادة الإعمار في سورية.
وأضاف الجغبير أن غرفة صناعة الأردن تؤدس دورا محوريا في دعم مشاركة الصناعات الوطنية في جهود إعادة الإعمار السورية، من خلال تعزيز قنوات التواصل بين الشركات الأردنية ونظيراتها السورية، وتنظيم الوفود الفنية واللقاءات الثنائية التي تفتح المجال أمام شراكات استثمارية جديدة.
وأوضح أن الغرفة تعمل على تطوير برامج متخصصة لتأهيل المصانع الأردنية للتعامل مع متطلبات السوق السورية، عبر توحيد المواصفات وتسهيل الحصول على الشهادات الفنية، إلى جانب توفير منصات معلومات حول الفرص والمناقصات المرتبطة بإعادة الإعمار، فضلا عن متابعة أدوات التمويل والدعم لضمان مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في المشاريع الإنشائية واللوجستية داخل سورية.
وأشار الجغبير إلى أن اللقاءات الأخيرة ساهمت في رفع مستوى التنسيق بين البلدين وتسهيل حركة الشاحنات وتفعيل الممرات البرية، مؤكدا أن تسريع الإجراءات الجمركية وتحديث البنية التحتية للمعابر وتوحيد المواصفات للسلع الزراعية والغذائية والدوائية تشكل خطوات أساسية لزيادة حجم التبادل التجاري.
مبادرات داعمة تشمل إعداد دليل إجرائي للتصدير إلى سورية
وكشف أن الغرفة تعكف على إطلاق مبادرات داعمة تشمل إعداد دليل إجرائي للتصدير إلى سورية، وتطوير منصات إلكترونية لربط الصناعيين بالفرص المتاحة، وإنشاء معارض قطاعية ومهمات تجارية مشتركة، بما يعزز التواصل المباشر بين المستثمرين ويحسن بيئة الأعمال ويخفض كلف الشحن.
وأوضح الجغبير أن مؤشرات التجارة للعام الحالي تظهر ارتفاعا واضحا في الطلب على المنتجات الأردنية داخل السوق السورية، خصوصا تلك المرتبطة بمرحلة إعادة الإعمار، وفي مقدمتها صناعات مواد البناء والمنتجات الهندسية والكهربائيات والحديد والصلب والأنابيب والتمديدات.
ولفت إلى أن الصناعات الغذائية والأدوية والمنسوجات والمنتجات البلاستيكية والتغليفية تمتلك قدرات إنتاجية جاهزة تلبي احتياجات السوق السوري، إلى جانب الدور المتنامي لقطاع اللوجستيات الذي بدأ يشهد تفاعلا إيجابيا وعودة تدريجية للحركة التجارية عبر المعابر.
الأردن منفتح اقتصاديا
وأكد رئيس جمعية المصدرين الأردنيين العين أحمد الخضري أن الأردن منفتح اقتصاديا ويرتبط باتفاقيات تجارة حرة أسهمت في نمو الصادرات الأردنية، مشددا على أن أي ترتيبات تجارية مع سورية يجب أن تقوم على مبدأ التجارة العادلة والمتوازنة بين الجانبين.
وقال الخضري إن فتح الاستيراد والتصدير بين البلدين لجميع السلع خطوة إيجابية من حيث توسيع نطاق التبادل التجاري، لكنها تحتاج إلى قواعد واضحة تضمن منافسة عادلة، خاصة مع استمرار فرض الجانب السوري رسوما جمركية على معظم السلع المستوردة بالوزن، إلى جانب انخفاض كلف الإنتاج في سورية مقارنة بالأردن.
وأضاف: نرحب بدخول السلع السورية إلى السوق المحلية، كما ندعم دخول السلع الأردنية إلى السوق السورية، لكن ذلك يجب أن يتم بعيدا عن الممارسات الإغراقية أو الدعم غير العادل أو التفاوت الكبير في المتطلبات الفنية، وبما يحافظ على قدرة الصناعة الوطنية والمصدرين الأردنيين على المنافسة.
وأشار الخضري إلى أن المنتج الأردني يلتزم بمعايير جودة ومواصفات عالمية، مؤكدا أهمية مراعاة هذه الجوانب في أي ترتيبات تجارية جديدة.
وأكد الخضري أن أي خطوات لتعزيز التجارة بين البلدين يجب أن تضمن بيئة تنافس منصفة، بحيث لا يتعرض المنتج الأردني لضغط ناتج عن كلف إنتاج أقل أو معايير غير متقاربة، مشددا على أن حماية الصناعة الوطنية تبقى جزءا أساسيا من أي اتفاق يعزز العلاقات الاقتصادية بين الأردن وسورية.
فرص أوسع للقطاعين الخاص والعام
وأكد رئيس جمعية رجال الأعمال الأردنيين، أيمن العلاونة، أن اتفاقية الأردن وسورية لفتح قنوات الاستيراد والتصدير لجميع السلع بين البلدين تمثل خطوة مهمة لتعزيز وتنشيط التبادل التجاري لتوسيع حجم التجارة الثنائية، وتوسيع أطر التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات، بما ينعكس إيجابا على حركة التجارة البينية ويسهم في معالجة أي تحديات تواجهها.
وأضاف العلاونة أن الاتفاقية تفتح فرصا أوسع للقطاعين الخاص والعام في كلا البلدين، وفتح آفاق للاستثمار في مجالات الصناعة والزراعة والطاقة والنقل، بما يسهم في خلق فرص عمل جديدة ودعم النمو الاقتصادي.
وأشار العلاونة إلى أن تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين الأردن وسورية يمثل رافدا مهما للتنمية المستدامة، موضحا أن هذه الشراكة تسهم في تنمية الاقتصادين الوطنيين، وتحسين مستوى المعيشة، وخلق بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والإقليميين.
وشدد على أهمية تطوير البنية التحتية التجارية وتبسيط الإجراءات اللوجستية والجمركية بين البلدين، باعتبارها عوامل أساسية لتعزيز حركة التجارة، وزيادة كفاءة نقل البضائع، وتقليل التكاليف والوقت على التجار والمستثمرين، بما يجعل التجارة البينية أكثر سلاسة وفعالية.
وأكد العلاونة أهمية تنشيط المنطقة الحرة المشتركة وزيادة جاذبيتها الاستثمارية، بالإضافة إلى تفعيل اتفاقية التجارة الحرة السابقة بما يساهم في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين.
وأكد العلاونة الدور الحيوي للقطاع الخاص في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الأردن وسورية، مشيرا إلى أهمية الشراكات بين الشركات الأردنية والسورية لتنفيذ مشاريع مشتركة واستثمار الإمكانيات المتاحة لتحقيق منافع اقتصادية مستدامة للطرفين.
وشدد على الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الأردن في إعادة إعمار سورية، وإمكانية اعتباره مركزا إقليميا للمشاريع الاستثمارية والتنموية، مستفيدا من موقعه الجغرافي وبنيته التحتية المتطورة لدعم الاستقرار الاقتصادي والتنمية المشتركة في المنطقة، مؤكدا في الوقت ذاته على ضرورة التعاون بين القطاعين العام والخاص لتعظيم الفوائد الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات المشتركة.
مبدأ المعاملة بالمثل
بدوره، أكد نقيب شركات التخليص ونقل البضائع الدكتور ضيف الله أبو عاقولة أهمية الاتفاق بين الجانبين الأردني والسوري على فتح قنوات الاستيراد والتصدير بين البلدين لجميع السلع، اعتمادا على مبدأ المعاملة بالمثل اعتبارا من بداية العام المقبل، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستعزز التجارة البينية بشكل مباشر وتوسع الفرص أمام القطاعين العام والخاص في البلدين.
وقال أبو عاقولة إن استئناف حركة الاستيراد والتصدير دون قيود بين الأردن وسورية يمثل تطورا مهما، نظرا لدوره في زيادة انسياب السلع ورفع وتيرة النشاط التجاري، مؤكدا أن ذلك سينعكس إيجابا على الشركات العاملة في التخليص والنقل وعلى القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالتجارة الخارجية.
وأشار إلى أن تنشيط التجارة البينية بين البلدين سيمنح القطاع اللوجستي دفعة قوية، خاصة وأن عمليات التخليص والنقل ترتبط بشكل مباشر بحجم الحركة التجارية.
وبيّن أبو عاقولة أن زيادة الطلب على خدمات التخليص والنقل ستسهم في رفع نسب التشغيل وزيادة حجم العمل في المراكز الجمركية.
وبيّن أن تفعيل اتفاقية التجارة الحرة وتنشيط المنطقة الحرة المشتركة وتسهيل الإجراءات الجمركية سيشكل دعما مهما للمرحلة المقبلة، داعيا إلى استمرار تحسين بيئة العمل اللوجستية ورفع جاهزية البنية التحتية لضمان الاستفادة المثلى من هذا الانفتاح التجاري.
ولفت إلى أن الأردن قدم خلال السنوات الماضية كل أشكال الدعم الممكن لتسهيل مرور البضائع والشاحنات السورية، مبينا أن قطاع التخليص والنقل في المملكة يمتلك الإمكانيات والقدرة على تعزيز دوره ليكون مركزا لوجستيا أساسيا في عمليات إعادة الإعمار في سورية.
وأكد أبو عاقولة على أن تعزيز التجارة البينية بين الأردن وسورية يشكل فرصة مهمة للنهوض بالقطاع اللوجستي ورفع تنافسيته، مشددا على ضرورة تذليل العقبات وتسهيل الإجراءات بما يخدم مصالح الاقتصادين في كلا البلدين.
واستنادا إلى أرقام التجارة الخارجية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، شهدت الصادرات الوطنية إلى سورية، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، زيادة بنسبة تجاوزت 383 %، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وبلغت قيمة الصادرات الوطنية إلى سورية، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، 174 مليون دينار، مقابل 36 مليون دينار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ويُصدِّر الأردن إلى سورية منتجات عدة، أهمها: المواد الإنشائية (كالإسمنت والخشب والبلاط والدهانات والخزانات) ومواد لاصقة وأقمشة ومواد تنظيف ومواد تعليب ومصنوعات زجاجية وألواح شمسية ومواد غذائية.
وفيما يخص المستوردات، تظهر أرقام التجارة الخارجية أن مستوردات المملكة من سورية شهدت أيضا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي ارتفاعا بنسبة 71 % لتصل إلى 72 مليون دينار، مقابل 42 مليون دينار، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ويستورد الأردن من سورية العديد من السلع، منها أصناف من الفواكه والأجهزة الكهربائية ومواد غذائية، وأجهزة تعقيم طبية أو جراحية أو مخبرية.
واستنادا إلى الأرقام الرسمية، حقق الميزان التجاري (الفرق بين الصادرات والواردات)، فائضا لصالح الأردن بقيمة 102 مليون دينار.
يُشار إلى أن التبادل التجاري بين البلدين كان يتجاوز 800 مليون دينار قبل اندلاع الأزمة السورية العام 2011، لكنه تراجع بشكل حاد ليصل إلى 56 مليون دينار فقط العام 2020، بعد دخول "قانون قيصر" حيز التنفيذ.
يُذكر أن الولايات المتحدة بدأت منذ العام 2020، بفرض سلسلة من العقوبات على سورية تحت اسم "قانون قيصر"، واستهدفت هذه العقوبات الشركات والشخصيات السورية والأجنبية كافة، التي تتعامل مع الحكومة السورية في مجالات عسكرية أو نفطية أو تتعلق بإعادة الإعمار، وهو ما شكل تحديا كبيرا أمام الشركات الأردنية الراغبة في التعامل مع نظيرتها السورية.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية أعلنت، الشهر الماضي، في بيان، عن تعليق العقوبات المفروضة على سورية ضمن "قانون قيصر" لمدة 180 يوما.