المساعدات الأميركية.. وقانون تناقص الغلة*حسام عايش
الدستور
ليس جديدا، ان تهدد الولايات المتحدة بوقف المساعدات التي تقدمها للدول الاخرى؛ في اطار سعيها لتحقيق اهداف جيو سياسية أو اقتصادية أو تجارية أو عسكرية.
فعلى امتداد تاريخها، كانت الولايات المتحدة تستخدم التجارة والغذاء والمال والدولار والمساعدات وغيرها، اسلحة لتحقيق مآربها، ولن يكون مفاجئا، ان تهدد بوقف المساعدات التي تقدمها لدول مثل الاردن ومصر، رغم ان غاية تلك المساعدات تحقيق الاستقرار الذي يخدم المصالح الاميركية الهائلة في المنطقة، وتقديم اميركا كدولة صديقة، ووسيطا «نزيها» لاحلال السلام، ودمج اسرائيل في الشرق الاوسط، على وقع اتفاقيات السلام معها، وهو الهدف المستتر.
وعليه، تحقق المساعدات مكاسب اقتصادية وجيو سياسية للولايات الاميركية؛ وان تحققت مكاسب منها للدول المتلقية لها، وعند توقيفها او تهدد بذلك فهي تخسر ايضا وهو ما يبينه علميا واقتصاديا قانون تناقص الغلة -والذي يبين انه ومع استمرار زيادة مدخلات الإنتاج مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة، فإن العائد الإضافي الناتج عن تلك الزيادة في المدخلات يصبح أقل مع مرور الوقت- اذ كلما زادت اميركا استخدام ادوات الضغوط أو العقوبات ومنها وقف المساعدات لتحقيق مكاسب لها، يبدأ تأثير تلك الضغوط في التناقص وتقل فعاليتها بمرور الوقت، لأن الدول المتأثرة ستبدأ في اتخاذ تدابير تحوطية ومنها الاستغناء عن تلك المساعدات او العلاقات في نهاية المطاف، او اللجوء الى دول وتكتلات اقتصادية وسياسية عالمية اخرى للتعاون معها.
كانت دول مجموعة السبع الكبار، قد وافقت على اقتراح تقدم به الرئيس السابق بايدن، بتخصيص 40 تريليون دولار، لاستثمارها في البنية التحتية في الدول النامية، والمقصود بالطبع الدول المنضمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، لمحاصرة المبادرة، وتحويل الدول عن المشاركة فيها، لكن اليوم ومع الغاء ترامب وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية USAID ومراجعته للمساعدات الخارجية بنية وقفها -فانه يوجه رسالة –غبية – للعالم اجمع ان ثقوا بالصين ومبادرتها وتجارتها، ما يعني ان مصداقية التعهدات الاميركية اصبحت تماما؛ كشراء سمك في البحر.
وعليه، قرار وقف المساعدات للاردن ومصر وهما اقرب الحلفاء للولايات المتحدة ان تم، يعني بالتجربة العملية، ان العلاقات مع الولايات المتحدة خطرة في اوقات السلم او في اوقات الحرب الباردة والساخنة.
وقف المساعدات عن الاردن او التهديد بذلك ورغم انه سيكون مؤلما، الا انه يعني ان الاردن على الطريق الصحيح سياسيا وامنيا وانسانيا، وانه لن يقايض مواقف مبدئية بمساعدات اميركية، وان تتطلب ذلك تكيفا مؤلما، وجهدا كبيرا، وابداعا ضروريا في ادارة شؤونه الاقتصادية والمالية، وتكثيفا في علاقاته الخارجية مع الاتحاد الاوروبي، والدول الخليجية.
صحيح ان المساعدات الاميركية مهمة للاردن، وان العلاقات الجيدة معها من متطلبات الحصافة السياسية والاقتصادية.
لكن الصحيح ايضا- سواء اوقفت تلك المساعدات او استمرت- ان نعمل على خطة نقلل بموجبها اعتمادنا عليها حتى لو ظلت مستمرة، خطة تكون باكورتها اعادة هيكلة النفقات الراسمالية في الموازنة البالغة نحو 1.5 مليار دينار، والغاء ثلاثة ارباع المؤسسات المستقلة على الاقل، والتي تبلغ نفقاتها جميعها نحو 1.8 مليار دينار، لتخفيض عجز الموازنة سريعا بنحو مليار دولار على الاقل، وهو عجز كانت المساعدات تخصص له نحو 850 مليون دولار، فيما يمكن تدبر المساعدات المخصصة للشؤون العسكرية بالتعاون مع دول شقيقة وصديقة، وتدبر مخصصات للانفاق على انشطة كانت تشرف عليها USAID من مخصصات المحافظات بعد اعادة مراجعتها، او عبر مخصصات الحماية الاجتماعية بعد اعادة تدويرها، وغيرهما.