أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    15-Jul-2024

اقتصاد العمل الحر.. إلى أين؟*د. أيوب أبودية

 الراي 

الدولة لا تستطيع توفير وظائف للجميع، وخاصة في ظل ظروف اقتصادية صعبة وحروب مستعرة تجتاح العالم، لذا فقد بات ضروريا اللجوء إلى «اقتصاد العمل الحر» أو «اقتصاد الوظائف المؤقتة» (Gig Economy)، فما هي فوائد هذا النوع من الاقتصاد، وما هي مشكلاته، وحلولها؟.
 
في أيامنا هذه تتطور طبيعة العمل بسرعة استجابة للتقدم التكنولوجي والمخاوف البيئية والأولويات المجتمعية المتغيرة. وفيما نواجه تحديات القرن الحادي والعشرين، يصبح من الأهمية المتزايدة للحكومات والشركات والأفراد التخطيط لوظائف مستقبلية مستدامة ومرنة. إن عالم العمل في حالة تغير مستمر، ويتأثر بعوامل مختلفة تشمل الأتمتة، والذكاء الاصطناعي، وتغير المناخ، وتغير طلبات المستهلكين، وما إلى ذلك.
 
إن فهم هذا المشهد الديناميكي أمر ضروري لواضعي السياسات أثناء تخطيطهم لوظائف مستدامة في المستقبل. إذ تعمل الأتمتة والذكاء الاصطناعي في يومنا هذا على إحداث تحول في الصناعات في جميع المجالات، حيث تعمل على أتمتة المهام الروتينية وزيادة القدرات البشرية ورفع كفاءتها. وفي حين أن هذا قد يحل محل بعض الوظائف، فإنه يخلق أيضًا فرصًا جديدة في مجالات مثل: تطوير الذكاء الاصطناعي، وصيانة الروبوتات، وتحليل البيانات، والاقتصاد الأخضر، وغيرها.
 
إن اقتصاد العمل الحر هو نظام اقتصادي يعتمد بشكل كبير على الوظائف المؤقتة والمستقلة بدلاً من الوظائف الدائمة، سواء رعته الدولة أم القطاع الخاص. وفي هذا النوع من الاقتصاد، يتم توظيف الأفراد للقيام بمهام قصيرة الأجل أو عقود مؤقتة، وغالباً ما يتم ذلك عبر منصات إلكترونية تربط بين مقدمي الخدمات والزبائن.
 
ويمكن تقسيم العمالة في اقتصاد العمل الحر إلى نوعين رئيسيين: المستقلون، وهم هؤلاء الأفراد الذين يقدمون خدماتهم مباشرةً للعملاء، مثل الكتّاب المستقلين، والمصممين، والاستشاريين، والمطورين. وثانيا، هناك عمال المنصات، وهم هؤلاء الأفراد الذين يعملون عبر منصات رقمية تربطهم بأصحاب العمل أو العملاء، مثل سائقي خدمات الركوب التشاركي، والمستقلين.
 
إن أحد مزايا اقتصاد العمل الحر هو المرونة، حيث يتيح للعاملين اختيار ساعات عملهم ومكان عملهم، مما يمنحهم الحرية في التوازن بين العمل والحياة الشخصية، كما يتيح لهم تنوع الفرص، حيث يوفر العديد من الفرص للأفراد لتقديم خدمات متنوعة والعمل على مشاريع مختلفة. ولكن، هناك عيوب أيضا يجب أيضا التذكير بها.
 
فعيوب اقتصاد العمل الحر تتمثل في عدم الاستقرار، أي عدم وجود عقود دائمة، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى نقص في الأمان الوظيفي والدخل المستقر، فضلا عن عدم وجود مزايا وظيفية، إذ غالباً ما يفتقد العاملون في هذا الاقتصاد إلى المزايا التقليدية مثل التأمين الصحي والإجازات المدفوعة، فضلا عن ضغوط العمل المتزايدة بزيادة تكلفة المعيشة، حيث يمكن أن يواجه الأفراد ضغوطاً كبيرة للعثور على عمل مستمر، وإدارة عدة عقود في الوقت نفسه.
 
إن اقتصاد العمل الحر يتنامى بسرعة في العديد من البلدان، وبذلك يغير بشكل كبير من الطريقة التي ننظر بها إلى العمل والوظائف المتاحة وقيمتها المادية. إنه يمثل تحولاً كبيراً في سوق العمل في عصرنا هذا، ويتطلب تطوير سياسات جديدة وتنظيمات متطورة لضمان حقوق العاملين في هذا النوع من الاقتصاد في تغيره الدائم والمتسارع.
 
إن التطور السريع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وزيادة الاعتماد على الإنترنت، أدى إلى تسريع وتيرة النمو في اقتصاد العمل الحر. وبفضل المنصات الرقمية، أصبح من الممكن لأي شخص تقريباً تقديم خدماته إلى سوق عالمي من العملاء، مما يفتح أبوابًا جديدة للفرص المهنية والتنوع الاقتصادي. هذا التحول يتجاوز الحدود التقليدية للعمل، حيث يمكن للأفراد الآن العمل من أي مكان وفي أي وقت ومكان، مما يعزز من مرونة سوق العمل.
 
لكن هذا النمو السريع يأتي مع تحديات جديدة. فعدم الاستقرار في الدخل، وغياب الأمان الوظيفي، والافتقار إلى المزايا التقليدية مثل التأمين الصحي والإجازات المدفوعة، هي بعض من القضايا التي تواجه العاملين في اقتصاد العمل الحر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي المنافسة الشديدة بين العمال المستقلين إلى تخفيض الأجور، مما يجعل من الصعب تأمين معيشة كريمة.
 
فللتعامل مع هذه التحديات، يجب أن تتبنى الحكومات سياسات جديدة وتنظيمات متطورة كي تضمن حقوق العاملين في هذا الاقتصاد. وقد يشمل ذلك وضع حد أدنى لأجور العاملين المستقلين لضمان دخل معيشة كريمة، وتوفير التأمين الصحي، والإجازات المدفوعة للعاملين المستقلين عبر صناديق تأمين أو برامج حكومية، وتنظيم ساعات العمل لحماية العاملين من الإجهاد والإرهاق. كذلك تشجيع التفاوض الجماعي بين العاملين المستقلين والمنصات الرقمية لضمان عقود عادلة وظروف عمل ملائمة، وتوفير التدريب والتطوير المهني لمساعدة العاملين في تطوير مهاراتهم ومواكبة التغيرات في متطلبات سوق العمل.
 
وفي الختام، يمثل اقتصاد العمل الحر فرصة عظيمة لتنويع مصادر الدخل وتعزيز المرونة في سوق العمل. ومع ذلك، لضمان أن تكون هذه الفرصة متاحة بشكل عادل ومستدام، يجب على الحكومات وأصحاب العمل والمنصات الرقمية العمل معًا لوضع سياسات وتنظيمات تحمي حقوق العاملين، وتضمن ظروف عمل عادلة ومستدامة، كي ينعكس ذلك ايجابا على صحة الاقتصاد الوطني بمجمله.