بطالة الأردنيين ضعـــــــــــــــف الوافدين*د. رعد محمود التل
الراي
تُشكّل معدلات البطالة بين الأردنيين إحدى أكثر التحديات الاقتصادية والاجتماعية إلحاحاً، وهي المحرك الرئيسي لجهود رؤية التحديث الاقتصادي التي تهدف إلى دفع النمو وزيادة تنافسية القطاعات الأكثر قدرة على توليد فرص العمل للأردنيين. لكن خلف الأرقام المألوفة، هناك مؤشرات أخرى تستحق التوقف عندها، وتحديداً تلك المتعلقة بالبطالة بين غير الأردنيين المقيمين في المملكة (العمالة الوافدة)، والتي تكشف جانباً مهماً من طبيعة سوق العمل المحلي واختلالاته الهيكلية
تشير الأرقام إلى أن معدل البطالة بين غير الأردنيين في الربع الثالث من عام 2025 بلغ 9.2% بانخفاض طفيف قدره 0.3 نقطة مئوية مقارنة بالربع الثاني من العام نفسه. هذا المعدل يقل بأكثر من النصف عن معدل البطالة بين الأردنيين الذي بلغ 21.4% خلال الفترة ذاتها. الفارق البالغ 12.2 نقطة مئوية ليس رقماً عابراً، بل يعكس فجوة حقيقية بين المطلوب والمعروض من فرص العمل فالاقتصاد يولد فرص عمل لكنها لا تستقطب العمالة المحلية
وتُظهر البيانات أيضاً أن بطالة "الذكور غير الأردنيين" بلغت 8.1%، مقابل 18.0% "للذكور الأردنيين". أما لدى الإناث، فتتسع الفجوة بشكل أكبر، حيث تبلغ البطالة بين "غير الأردنيات" 14.7%، بينما تصل بين الأردنيات إلى 33.9%. هذا الفرق البالغ 19.2 نقطة مئوية يسلّط الضوء على التحديات الإضافية التي تواجه المرأة الأردنية في دخول سوق العمل والبقاء فيه.
أما عند النظر إلى الفئة العمرية 24 سنة فأكثر(وهي الفئة التي يجب التركيز عليها دوماً في التحليل)، فإن الفجوة تبقى واضحة أيضاً وهي أكثر من الضعف أيضاً. فقد بلغ معدل البطالة بين غير الأردنيين في هذه الفئة 7.1% (6.4% للذكور و11.5% للإناث)، مقابل 17.2% للأردنيين (13.5% للذكور و30.1% للإناث). وهذا يعني أن انخفاض البطالة لدى غير الأردنيين ليس مرتبطاً فقط بوجود عمالة شابة وافدة، بل هو نمط مستمر عبر الفئات العمرية.
الاتجاهات الزمنية لمعدل البطالة بين الأردنيين تشكف انخفاضاً محدوداً مقارنة بالربع الثالث من عام 2024 (0.1 نقطة مئوية)، لكنه سجّل ارتفاعاً بالنسبة للربع الثاني من عام 2025 (0.1 نقطة مئوية). كما انخفضت بطالة الذكور الأردنيين بمعدل 4.4 نقاط مئوية منذ عام 2021، في حين استمرت بطالة الإناث الأردنيات بالارتفاع خلال العام الأخير. هذا يعكس أن فرص التشغيل التي تحققت كانت محصورة إلى حد كبير في جانب الذكور.
هذه المؤشرات تؤشر على حقيقة أساسية، الاقتصاد الأردني ينتج فرص عمل، وربما بوتيرة أعلى مما تعكسه أرقام البطالة بين الأردنيين، لكن هذه الفرص ليست جاذبة أو مناسبة للأردنيين من حيث الأجور، أو بيئة العمل، أو طبيعة الوظائف أو بسبب عزوفهم نفسهم عن العمل بتلك الفرص لأسباب موضوعوية أو غير موضوعية في المقابل، تجد العمالة الوافدة قابلية أكبر للعمل في هذه القطاعات، خصوصاً القطاعات كثيفة العمل ومنخفضة الأجور كالبناء والزراعة والخدمات.
بلا شك أن استمرار هذه الفجوة يمثل تحدياً مزدوجاً لصانع القرار، فمن جهة، يضغط ارتفاع البطالة بين الأردنيين على الاستقرار الاجتماعي ويحد من الاستفادة من الطاقات المحلية، ومن جهة أخرى، يعكس انخفاض بطالة غير الأردنيين وجود طلب فعّال على العمل لا يُستثمر لصالح الأردنيين بالشكل الكافي. وبذلك، يصبح إصلاح سوق العمل ضرورة ذات أولوية موازية لدفع النمو الاقتصادي.
ويستدعي هذا الواقع تطوير مسارين متوازيين: الأول يركز على رفع جودة فرص العمل المتاحة وتوفير شروط عمل لائقة في القطاعات التي تعتمد على العمالة الوافدة، بحيث تصبح أكثر جذباً للأردنيين، خاصة النساء. أما المسار الثاني فيتمثل في تعزيز المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، عبر برامج تدريب متخصصة وموجهة للقطاعات ذات الطلب المرتفع، مع تحسين خدمات النقل العام وتوسيع خيارات رعاية الأطفال، بما يدعم مشاركة المرأة الاقتصادية.
إن قراءة أرقام البطالة من زاوية المقارنة بين الأردنيين وغير الأردنيين ليست مجرد مقاربة إحصائية، بل هي مدخل لفهم أعمق لطبيعة التشوهات التي تعيق قدرة الشباب الأردني على الوصول إلى فرص العمل المتاحة فعلياً في السوق وتحديد هل هي البطالة هيكيكلة أم دورية! وعليه، فإن خفض البطالة لن يتحقق فقط عبر زيادة عدد الوظائف، بل عبر "إعادة هندسة سوق العمل" ليصبح قادراً على احتضان العمالة الاردنية! فالمشكلة ليست دائماً في نقص فرص العمل بل في نوعها أيضاً وقبولنا بها!