أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    07-Dec-2025

"الناقل الوطني".. فتح آفاق استدامة الموارد

 الغد-إيمان الفارس

  يشكل إعلان وزير المياه والري رائد أبو السعود عن قرب استكمال الغلق المالي لمشروع الناقل الوطني، نقطة تحول مفصلية في مسار هذا المشروع الإستراتيجي، إذ يؤشر الانتقال من مرحلة التفاوض والتمويل إلى بدء التنفيذ الفعلي. وهذا التطور ليس مجرد خطوة إجرائية، بل مؤشرا على نضج الشراكات الدولية وثبات البيئة الاستثمارية، خصوصا مع دخول مستثمرين عالميين وتجاوز التحديات الإقليمية التي عطّلت جدول إنجازه الزمني سابقا.
 
 
 
وفي هذا الإطار فـ"الناقل الوطني" بات قادرا على تغيير المشهد المائي في الأردن جذريا، شرط أن يتزامن تنفيذه مع إصلاحات هيكلية في إدارة المياه الجوفية، والحد من الفاقد والاعتداءات.
 
 
ومع اكتمال الغلق المالي، يبدأ الأردن فعليا العدّ التنازلي لمرحلة جديدة من الأمن المائي المستدام، تقوم على مصدر ثابت وطويل الأمد، يقلّل هشاشة النظام المائي، ويرفع من قدرته على تلبية الطلب المتزايد بثبات وموثوقية.
 
تغيير معادلة الأمن المائي
ويرتبط هذا التقدّم، مباشرة بقدرة المشروع على تغيير معادلة الأمن المائي في الأردن. فـ"الناقل الوطني" بما يوفره من نحو 300 مليون م3 مياه سنويا، هو إضافة تعادل ربع الموازنة المائية الحالية، وقفزة نوعية في كميات المياه المخصصة للشرب، بما يصل لأكثر من نصف الاحتياجات السنوية لهذه الغاية. ما يعني تخفيف الضغط عن المصادر الجوفية المنهكة، ورفع مستوى الاعتمادية على مصدر مائي ثابت ومستدام، قائم على التحلية والطاقة المتجددة.
في المقابل، أشار تحليل وزير المياه والري الأسبق د. حازم الناصر، إلى أن نجاح أثر المشروع، لا يكتمل دون إجراءات موازية، أبرزها ضبط استنزاف المياه الجوفية، التي ما تزال هي العمود الفقري للتزويد بنسبة تفوق الـ50 %، بالإضافة لاستمرار مكافحة الاعتداءات وخفض الفاقد المائي وتحديث البنية التحتية.
تحسين انتظام التزويد
والناصر، في تصريحاته لـ"الغد"، أوضح بأن المياه المنتجة من المشروع برغم أهميتها، ستكون مرتفعة الكلفة، مقارنة بالمصادر التقليدية، ما يستدعي إعادة تنظيم الضخ الجوفي، وتشجيع الزراعات ذات القيمة العالية، مع توسيع استخدام التكنولوجيا الذكية في الزراعة وإدارة الشبكات.
أما على مستوى التزويد الأسبوعي للمواطنين، فإن اكتمال الغلق المالي وبدء التنفيذ، يضعان الأردن على مسار زمني واضح لتحسين انتظام التزويد وتقليص الفجوة بين العرض والطلب في السنوات المقبلة. كما ستنعكس زيادة كميات المياه المعالجة لاحقا، على دعم قطاع الري في وادي الأردن.
وأضاف الناصر إن "الناقل الوطني" مشروع وطني ضخم عالي الكلفة، مقارنة بمشاريع سابقة، وهو أكبر مشروع مائي بعد جر مياه الديسي، سواء من حيث حجم التمويل، أو حجم المياه التي سيجري إنتاجها. مضيفا بأن المشاريع الكبرى بطبيعتها تحتاج لوقت، وقد تتعرض لتأخير لأسباب خارجة عن إرادة الجهات المنفذة أو الحكومة، بخاصة وان المشروع ممول من أكثر من 25 جهة، ما يفرض تعقيدات متعددة في متطلبات التمويل ومعايير الجهات الممولة وجوانبه البيئية.
وبين الناصر، أن اعتماد المشروع على الطاقة المتجددة في تشغيله، كان عاملا أساسيا بجعله قابلا للتنفيذ وجاذبا للاستثمار الأجنبي، مشيرا إلى أن الدعم الأخير الذي قدمه الصندوق الأخضر للمناخ بقيمة تقارب 275 مليون دولار، شكل دفعة قوية للمشروع، ورسالة للممولين العالميين وللقطاع الخاص، بانه متوافق مع معايير الاستدامة والاقتصاد الأخضر، وقادر على إحداث تنمية مستدامة في الأردن.
وأشار إلى أن المشروع سيضيف 300 مليون م3 مياه سنويا، ما يعادل ربع الموازنة المائية الحالية التي تبلغ 1.200 مليار م3 مخصصة للشرب والصناعة والزراعة.
وبين أن هذه الكميات المضافة، ستشكل تحولا نوعيا في قطاع الشرب، فالاستهلاك الوطني لمياه الشرب يقارب 525 مليون م3 سنويا، ما يعني أن "الناقل الوطني" سيغطي 55 % من احتياجات القطاع، وهو ارتفاع كبير سينعكس على تحسين التزويد المائي في المحافظات.
استدامة الزراعة المروية
وأوضح الناصر أن المشروع سيرفع أيضا كميات المياه المخصصة للري، إذ تبلغ حاليا 625 مليون م3، وذلك بنسبة تقارب 20 %، لافتا إلى أن الزيادة لن تكون مباشرة، بل ستأتي عبر ارتفاع كميات المياه العادمة المعالجة الناتجة عن محطات التنقية كالخربة السمرا وجنوب عمان ومحطات اربد، إذ ستوفر هذه المحطات نحو 120 مليون م3 مياه معالجة تستخدم في الزراعات المقيدة بوادي الأردن.
وقال إن هذه الزيادة ذات أثر كبير، ستسهم بتعزيز استدامة الزراعة المروية في وادي الأردن لسنوات طويلة، وهو ما كان جزءا أساسيا من التخطيط للمشروع منذ العام 2015 وتحديدا في العامين 2016 و2017.
وأكد الناصر، أن مياه "الناقل الوطني" ثمينة وعالية الكلفة، ما يتطلب اتخاذ إجراءات موازية قبل بدء ضخها للمحافظات، موضحا بأن وزارة المياه تطور البنية التحتية لاستقبال هذه الكميات في شبكات عمان ومحافظات الوسط والجنوب بكلفة تقدر بـ800 مليون دولار.
ودعا لضرورة تنفيذ إجراءات أخرى بالتوازي مع المشروع، مشددا على أن المياه الجوفية في الأردن تبقى المورد الطبيعي الأهم إستراتيجيا، إذ تشكل 57 % من إجمالي المياه المستخدمة حاليا، ولا يمكن استبدالها بأي مصدر آخر. مشيرا إلى أن الاستنزاف الجوفي يمثل تحديا كبيرا، بخاصة وان الضخ الحالي من الأحواض الجوفية يبلغ 600 مليون م3 سنويا، ما يعادل ضعف ما سينتجه "الناقل الوطني".
وقال الناصر، إنه ومع التوجه الحكومي لترخيص الآبار المخالفة، ومع ارتفاع كلفة مياه "الناقل الوطني" مقارنة بالمياه الجوفية منخفضة الكلفة التي لا يتجاوز ثمن المتر المكعب على سلطة المياه نصف دولار، يصبح من الضروري تبني إجراءات جديدة. داعيا لتعديل نظام مراقبة المياه الجوفية لخفض كميات الضخ المجاني فورا، وتقليصها من 150 ألف م3 لـ75 ألفا، لخفض الضغط على المخزون الجوفي، ولتوجيه المزارعين إلى زراعات ذات قيمة اقتصادية أعلى.
ولفت إلى أن هذا التحول، انعكس بالفعل في السنوات الأخيرة عبر نمو القطاع الزراعي، بعد الانتقال لزراعات جديدة لم تكن موجودة سابقا، مضيفا أن تقليص كميات الضخ المجاني، سيحفز انتشار الزراعات الذكية التي ما تزال محدودة وتشكل 5 % من إجمالي الحيازات الزراعية في المملكة. واعتبر أن هذا التحول ضرورة وطنية لرفع القيمة الاقتصادية للمياه الجوفية ولتقليل الهدر.
كما شدد الناصر على أهمية خفض الفاقد، واستمرار حملات مكافحة الاعتداءات على مصادر المياه والآبار المخالفة، داعيا لإنشاء هيئة أو وحدة مشتركة بين وزارة الداخلية والمياه والأمن العام  لتعزيز الإنفاذ. مؤكدا أن إدخال التكنولوجيا الذكية في شبكات التوزيع خطوة نوعية، بخاصة مع إمكانية التعاون مع القطاع الخاص، متابعا أن تعديل قانون سلطة المياه العام 2015 وتضمينه عقوبات رادعة بما فيها الحبس، يوفر قاعدة قانونية قوية، لكنها تحتاج لتفعيل أوسع.
وبين أنه إذا نجحت المملكة بخفض الضخ الجوفي وتطبيق منظومة الإجراءات الهيكلية المطلوبة، فلن يحتاج الأردن مستقبلا لتنفيذ مشروع جديد بحجم وكلفة "الناقل الوطني"، مؤكدا أن هذه الإصلاحات ضمانة لاستدامة الموارد المائية.