الغد-عبد الرحمن الخوالدة
مع دخول العام الحالي مراحله الأخيرة، وبعد أن سجل الاقتصاد الوطني خلاله مستوى مرتفعا من الديناميكية مقارنة بالسنوات السابقة، تتصاعد التساؤلات بشأن مدى قابلية هذا الزخم للاستمرار خلال العام المقبل، وما يحتاج من سياسات وإجراءات، خصوصا في ضوء التحديات المتوقعة التي ستواجه الاقتصاد الوطني في عام 2026.
وأكد خبراء اقتصاديون في تصريحات خاصة لـ"الغد"، أن الاقتصاد الوطني يقف على أرضية ثابتة توفر له فرصة حقيقية لمواصلة زخمه خلال عام 2026، مدعوما بتحسن ملحوظ في مؤشرات النمو والاستثمار.
وأوضح الخبراء أن الأداء الاقتصادي خلال عام 2025 شكل نقطة تحول نوعية، عكستها معدلات نمو أفضل، وارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي، وتحسن الصادرات والدخل السياحي، إلى جانب متانة الاحتياطيات الأجنبية وقدرة الحكومة على احتواء عجز الموازنة رغم الضغوط الإقليمية، ما عزز الثقة بقدرة الاقتصاد الأردني على الحفاظ على مسار نمو مستدام.
وفي المقابل، شدد الخبراء على أن استدامة هذا الزخم تبقى مشروطة بمعالجة التحديات الهيكلية المزمنة، وفي مقدمتها ارتفاع معدلات البطالة وضعف نمو الدخل الحقيقي، مؤكدين أن تجاهل هذه التحديات قد يحد من ترجمة التحسن الرقمي في أداء مؤشرات الاقتصاد الوطني إلى مكاسب معيشية ملموسة.
ودعا الخبراء إلى تسريع تنفيذ المشاريع الرأسمالية والمشاريع الكبرى المعلنة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتحسين بيئة الأعمال، واستثمار المتغيرات الإقليمية الإيجابية.
أداء الاقتصاد في 2025
وشهدت مؤشرات الاقتصاد الوطني منذ بداية العام 2025 تحسنا واضحا في أدائها، ما يعكس مستوى مرتفعا من الديناميكية وحالة الزخم التي يعيشها الاقتصاد الأردني. إذ حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا بنسبة 2.8 % خلال الربع الثاني من عام 2025، مقارنة ب2.4 % في الفترة ذاتها من عام 2024.
كما ارتفع الدخل السياحي بنسبة 7 % خلال الأحد عشر شهرا الأولى من عام 2025 ليبلغ نحو 7.16 مليار دولار. وسجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى الأردن خلال النصف الأول من عام 2025 نموا بنسبة 36.4 % ليصل إلى نحو 1.05 مليار دولار. وارتفعت قيمة الصادرات الكلية بنسبة 8.9 %، فيما تجاوزت الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي الأردني مستوى 24.6 مليار دولار حتى نهاية تشرين الثاني الماضي. كما زادت تحويلات العاملين الأردنيين في الخارج بنسبة 4.1 % خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام، لتصل إلى نحو 3.3 مليار دولار.
وعلى صعيد المالية العامة، تمكنت الحكومة من احتواء عجز الموازنة العامة، رغم التحديات الإقليمية الكبيرة، عند المستوى المقدر لعام 2025 والبالغ نحو 5.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، والحفاظ على العجز الأولي عند حدود 1.9 %.
نقلة نوعية في التقدم الاقتصادي
ويرى المدير العام لجمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي أن الاقتصاد الوطني شهد خلال العام الحالي نقلة نوعية في التنمية والتقدم الاقتصادي، مدفوعة بحزمة من الإصلاحات الهيكلية والسياسات الاقتصادية الفاعلة، محققا نموا اقتصاديا بنسبة 2.8 %، مسجلا زيادة نسبية قدرها نحو 17 % في معدل النمو مقارنة بالعام الماضي.
وأضاف حجازي لـ"الغد" أن الاقتصاد شهد تحسنا ملحوظا في مختلف مؤشراته، مما يعكس قدرة الأردن على مواجهة التحديات وتحقيق نمو مستدام، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الأردني يمتلك أساسيات قوية لدعم استمرار هذا الأداء الإيجابي.
وأوضح أن هناك عدة عوامل قد تؤثر سلبا على استمرار الزخم الاقتصادي، منها الضغوط التضخمية العالمية، تقلب أسعار الطاقة، والتحديات الإقليمية التي قد تؤثر على التجارة والاستثمار والسياحة. كما شدد على ضرورة متابعة الوضع الاقتصادي عن كثب واتخاذ سياسات مرنة لمواجهتها. وشدد على أهمية الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، تطوير البنية التحتية، وتحسين بيئة الأعمال بما يعزز قدرة الاقتصاد على النمو المستدام.
وأشار حجازي إلى الدور الحيوي للقطاع الخاص في تعزيز الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة، بما يضمن استمرار الحركة الاقتصادية النشطة. وشدد على أن الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص تلعب دورا محوريا في تعزيز هذا الزخم.
وأكد أن استمرار الزخم الاقتصادي له أهمية كبيرة في تعزيز ثقة المستثمرين، دعم فرص العمل، وتحسين مستوى معيشة المواطنين. كما أنه يمثل مؤشرا إيجابيا على قدرة الاقتصاد الأردني على تحقيق استدامة النمو في المستقبل القريب، بما يرسخ مكانة الأردن كمركز اقتصادي إقليمي مستقر.
2026.. فرصة اقتصادية حقيقية إن أحسنا استثمارها
بدوره، بين الخبير الاقتصادي منير دية أن فرص محافظة الاقتصاد الوطني على زخمه خلال العام المقبل تبقى قائمة بقوة، في ضوء التحسن الملحوظ في معظم المؤشرات الاقتصادية منذ مطلع عام 2025.
وأكد دية أن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب جهدا حكوميا متواصلا، خصوصا مع بدء المشاريع الرأسمالية المدرجة في موازنة العام المقبل، والمقدرة بنحو 1.6 مليار دولار.
وأوضح أن الاستمرار بتنفيذ المشاريع الكبرى التي أعلنت عنها الحكومة خلال العامين الماضيين، مثل مشروع الناقل الوطني للمياه، وسكك الحديد، ومدينة عمان الجديدة، واستثمار الغاز من حقل الريشة، يمثل عاملا حاسما في تعزيز الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب، شريطة الانتقال من مرحلة الإعلان إلى التنفيذ الفعلي وتأمين التمويل اللازم لها.
وفي المقابل، حذر دية من تحديات قد تحد من استدامة الزخم، أبرزها استمرار ارتفاع معدلات البطالة وضعف نمو الدخل الحقيقي للمواطن، الذي لم يتجاوز 1 % منذ عام 2023، مؤكدا أن تحقيق أثر ملموس على معيشة المواطنين يتطلب رفع معدل نمو الدخل الحقيقي إلى أكثر من 3 %، انسجاما مع مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي.
كما شدد على أهمية استثمار المتغيرات الإقليمية، لا سيما رفع العقوبات عن سورية وإلغاء قانون قيصر، عبر تعزيز جاهزية الموانئ والمطارات الأردنية، والانخراط بفاعلية في مشاريع إعادة الإعمار، بما ينعكس إيجابا على مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويرى دية أن أي تهدئة مستدامة في المنطقة، سواء في غزة أو جنوب لبنان أو على الجبهة السورية، ستفتح المجال أمام انتعاش السياحة وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي، ما يستدعي تكثيف الجهود لتسويق الأردن كوجهة آمنة وجاذبة للاستثمار والسياحة.
عوامل إيجابية
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة إن المؤشرات كافة تؤكد أن الاقتصاد الأردني سيحافظ على زخمه في 2026، مع فرص جيدة للنمو المستدام إذا استمرت الإصلاحات والعوامل الإيجابية. فوفقا لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 2.9 % في 2026، مدعوما بمشاريع استثمارية كبرى أعلنتها الحكومة مؤخرا، إضافة إلى تعميق التكامل الإقليمي، إلى جانب استمرار الإصلاحات الهيكلية والذي من شأنه أن يعزز النمو القائم على القطاع الخاص وخلق فرص العمل.
ولفت المخامرة إلى توفر عدد من العوامل الإيجابية التي تدلل على أن الاقتصاد الوطني سيواصل العام المقبل تحسنه في الأداء، وتتمثل تلك العوامل بما يلي: التفاؤل الشعبي والاستثماري حيث تشير استطلاعات مثل تلك من Ipsos إلى أن 3 من كل 5 أردنيين يتوقعون اقتصادا أقوى في 2026، مدعوما بتحسن في البيئة الاستثمارية، إضافة إلى ارتكاز موازنة 2026 على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي، مع إنفاق رأسمالي يقدر ب1.6 مليار دينار أردني، بما في ذلك 400 مليون دينار لمشاريع رؤية التحديث الاقتصادي، ويضاف إلى ذلك التوقعات الإيجابية من وكالات التصنيف مثل Fitch Solutions، التي تتوقع تحسنا في معدل النمو في 2026، بالإضافة إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 56.54 مليار دولار.
تحديات قائمة
وأضاف "مع ذلك يواجه الاقتصاد الأردني تحديات قد تعيق الزخم، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والمشكلات الاقتصادية المحلية، ما قد يحول دون الحفاظ على الزخم إذا لم تُدرْ بشكل فعّال". وبين أن من أبرز هذه التحديات هشاشة الاستقرار الاقليمي، ما قد يؤثر على السياحة والاستثمار، ما يبطئ النمو، ويقلل الثقة لدى المستثمرين.
أما المشكلات الداخلية، فتتقدمها البطالة التي تعد أكبر المخاطر التي تحيط بالاقتصاد الوطني، بحسب مخامرة، الذي أشار إلى أن الأردن يواجه ضغوطا من ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض القوة الشرائية، إضافة إلى ضغوط ارتفاع حجم الدين العام.
الطريق إلى الزخم الاقتصادي في 2026
وحول المطلوب لاستدامة هذا الزخم، أكد المخامرة الحاجة إلى جهود متكاملة في السياسات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية، وذلك من خلال العمل على التوصيات التالية: تسريع الإصلاحات الهيكلية من خلال تحسين بيئة الأعمال، تعزيز المنافسة، وزيادة مرونة سوق العمل لمعالجة بطالة الشباب وانخفاض مشاركة النساء، مع جذب الاستثمارات الخاصة إضافة إلى تعزيز القطاع الخاص والنمو الشامل وتطوير قطاع خاص موجه نحو التصدير لخلق فرص عمل أكثر، مع الحفاظ على شبكة أمان اجتماعي قوية لحماية الفئات الضعيفة.