أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    21-Apr-2024

تونس: نسبة نمو ضعيفة رغم التحسن في المؤشرات الاقتصادية

 القدس العربي-روعة قاسم

حقق الاقتصاد التونسي بعض المؤشرات الجيدة خلال السنة المنقضية، ومن ذلك ارتفاع عائدات صادرات القطاعين الصناعي والفلاحي، وعائدات صادرات القطاع المنجمي، بالإضافة إلى ارتفاع عائدات القطاع السياحي وتحويلات التونسيين بالخارج. وتراجعت أيضا خلال العام الماضي الواردات التونسية من الخارج بشكل لافت وهي التي كانت تستنزف رصيد البلاد من العملة الصعبة، وهو ما قلص من عجز الميزان التجاري لأول مرة منذ فترة طويلة.
 
كما تراجع المعدل السنوي للتضخم إلى 7.8 في المئة في شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام وذلك بالمقارنة مع 8.1 في المئة في شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 2023. وأبقى البنك المركزي التونسي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 8 في المئة حتى يتباطأ التضخم خلال الفترة المقبلة حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن.
 
ديون متراكمة
 
ورغم هذه المؤشرات الجيدة التي تؤكدها أرقام المعهد الوطني للإحصاء، إلا أن نسبة النمو المسجلة كانت سيئة ودون المستوى المأمول وأصابت أغلب التونسيين بالإحباط. ذلك أنها لم تتجاوز 0.4 في المئة وهي نسبة لا يمكنها أن تحل المشاكل الاجتماعية على غرار الفقر والبطالة، بل أنها ستفاقمها ما لم تجد الحكومة حلولا لمشكلة التنمية.
وبالفعل فقد أظهرت أرقام المعهد الوطني للإحصاء في تونس ارتفاع معدل البطالة إلى 16.4 في المئة خلال الربع الأخير من سنة 2023 مقارنة مع 15 في المئة التي تم تسجيلها في نفس الفترة من السنة الماضية. وبالتالي، وحسب بيانات المعهد، فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 667 ألفا و500 شخص خلال الثلاثية الأخيرة من سنة 2023 بعد أن كان 638 ألفا و100 خلال الثلاثية الثالثة من نفس السنة.
كما أن تراجع معدل التضخم، وإبقاء البنك المركزي على سعر الفائدة الرئيسي بدون تغيير لم يمنعا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 12.1 في المئة. ويرجح أن هذا الارتفاع سببه الزيادة في أسعار بعض المواد مثل القهوة التي ارتفع سعرها بـ 35 في المئة، ولحم الخروف الذي ارتفع سعره بـ 22.9 في المئة في الفترة الأخيرة.
ولا يخفى على أي متابع للشأن التونسي أن على البلاد ديون كبيرة من مخلفات العشرية السابقة تقوم بسدادها بصورة منتظمة، وسداد أقساط هذه الديون هو الذي يستحوذ على غالبية العائدات المالية المتأتية من القطاعات المذكورة. ولعل هذا السداد في الآجال المحددة هو الذي دفع وكالة موديز للتصنيف الائتماني إلى تعديل نظرتها المستقبلية لتونس من سلبية إلى مستقرة. ومن أسباب هذا التعديل أيضا هو أن الضغوط التي تواجهها الحكومة لن تزيد بشكل كبير خلال الفترة المقبلة وستبقى هي نفسها.
وتتوقع الحكومة أن يصل الدين العام المتراكم سنة 2024 إلى قرابة 140 مليار دينار تونسي أي قرابة 79.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 127 مليار دينار. وكانت هناك توقعات بتقليص عجز الميزانية إلى 6.6 في المئة من الناتج الداخلي الخام خلال هذا العام، ثم 3.9 في المئة مع نهاية سنة 2026 لكن تحقيق هذه الأرقام يبدو صعبا بالنظر إلى المؤشرات المسجلة.
 
الأجور والطاقة
 
يرى الخبير الاقتصادي عماد بالرابح في حديثه لـ«القدس العربي» أن ارتفاع أعداد موظفي القطاع العمومي خلال العشرية الماضية جعل جزءا كبيرا من النفقات يذهب إلى أجور موظفي هذا القطاع رغم التخفيض المستمر في أعداد الموظفين من خلال غلق باب المناظرات والامتناع عن الانتداب. كما أن قطاع الطاقة يستنزف الكثير من موارد الدولة، حسب بالرابح، وذلك بعد تراجع إنتاج المحروقات في العشريتين الأخيرتين واضطرار البلاد إلى تغطية عجزها الاستهلاكي الذي وصل إلى أكثر من 50 في المئة من خلال التوريد.
ويضيف الخبير الاقتصادي قائلا: «إن ما يلومه البعض على الحكومة هو عجزها عن إيجاد الحلول لهذه المشاكل، وإصرارها فقط على الترفيع في الجباية والاقتراض اللذين قد يساهمان في انتعاشة خزينة الدولة لكنهما لا يزيدان معيشة المواطن إلا صعوبة. ويتعارض هذا التوجه مع فكرة إنشاء الحكومات التي جاءت تاريخيا لتحقيق رفاه المواطن وليس فقط لإيجاد الحلول لعجز ميزانية الدولة، والثورات قامت في تونس عبر التاريخ من أجل تحسين المعيشة وليس لملء خزائن الدول بالمداخيل لسداد الديون.
إن سداد الديون ولئن كان أمرا إيجابيا ويعطي انطباعا جيدا عن الدولة الملتزمة بالسداد في المواعيد المحددة إلا أنه يكون على حساب التنمية التي تخلق وحدها الثروة ومواطن الشغل وتساهم في القضاء على البطالة وتجعل البلد يتجاوز نسبة النمو السيئة التي تم تسجيلها. فما ضر الحكومة مثلا لو ذهبت للتفاوض مع دائنيها الغربيين والخليجيين والصناديق المالية الدولية والأوروبية والعربية والأفريقية من أجل إعادة جدولة هذه الديون أو تحويلها إلى استثمارات ينتفع منها الجميع، أي الدائن والمدين على حد سواء».
لقد تراءى للحكومات التونسية في الأعوام الأخيرة، حسب محدثنا، أن أفضل الحلول للتخفيض من كتلة الأجور لموظفي الدولة هو التوقف عن الانتدابات وعدم إجراء المناظرات استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي. ولئن كان هذا الحل ناجعا، حسب الخبير الاقتصادي، بسبب قدرته على التخفيف من كتلة الأجور وعلى توفير موارد إضافية لميزانية الدولة، إلا أن مساوئه كبيرة من الناحية الاجتماعية، فهو يحرم الشباب المتخرج حديثا من الجامعة، من حقه في العمل ويساهم في ارتفاع البطالة، وبالتالي فقد فكرت الحكومة في تغطية عجز الميزانية بما أمكن جمعه من مداخيل على حساب المسألة الاجتماعية.
 
أسباب مجهولة
 
وفيما يتعلق بمسألة الطاقة يرى أستاذ الاقتصاد رضوان حسني في حديثه لـ«القدس العربي» أن هناك حيرة في صفوف المواطنين تتعلق بالأسباب التي تجعل الحكومة لا تتحرك باتجاه تكثيف الانتقال نحو الطاقات البديلة بنسق سريع في ظل العجز الطاقي الذي تعيشه البلاد والمكلف على خزينة الدولة. فقد توقف نشاط التنقيب عن النفط والغاز، حسب محدثنا، وتراجع إنتاج المحروقات في الحقول التونسية، والعجز الطاقي يتفاقم سنة بعد سنة والتوريد يتزايد ويكلف حزينة الدولة مبالغ طائلة ورغم ذلك تتعطل مشاريع إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية ولا أحد يعرف ما السبب.
ويتساءل محدثنا هل أن السبب في تعطل الانتقال نحو الطاقات البديلة هو اللجوء الحكومي إلى الحل السهل والمريح، وهو استيراد الطاقة، الذي يبدو أنه أقعد المسؤولين عن الاستثمار بنسق سريع في الطاقات البديلة وتوفير أموال استيراد الطاقة لاستثماره في التنمية لخلق الثروة والنهوض بالمناطق الداخلية والحد من البطالة؟ أم أن هناك أياد خارجية اخترقت الدولة التونسية خلال العشرية السابقة التي عانت فيها الدولة من الوهن، ومن مصلحة هذه الجهة أن لا يحصل الانتقال نحو الطاقات البديلة وتبقى تونس موردة للغاز لإنتاج الكهرباء؟
ويضيف محدثنا قائلا: «لقد كان مبرمجا أن تنتج الخضراء 30 في المئة من حاجياتها الطاقية من الطاقات البديلة في موفى سنة 2025 لكنها اليوم لا تنتج إلا 3 في المئة فقط من حاجياتها وسنة 2025 على الأبواب ولم يبق لها الكثير، رغم أن الـ30 في المئة تعتبر ضعيفة لبلد يعاني عجزا طاقيا منذ بداية الألفية. لقد كان من المفروض، حسب الخبراء، أن تسعى تونس إلى تغطية كامل عجزها الطاقي والمقدر بأكثر من 50 في المئة وذلك من الطاقات البديلة.
فما يتم تحصيله من عملة صعبة من عرق وجهد التونسيين وعملهم الدؤوب طيلة العام في كافة القطاعات يتم التفويت فيه بسهولة في توريد الغاز، رغم أن الحلول موجودة ومتوفرة ويعرفها القاصي والداني. فمشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا يشجع على التحول الطاقي باعتباره سيتيح إمكانية تصدير الكهرباء الذي يتم إنتاجه من الطاقة الشمسية إلى قلب أوروبا وذلك بالنظر إلى موقع تونس الواقع في وسط أفريقيا قبالة قلب أوروبا وليس أطرافها».
لعل خيار الدولة في الذهاب باتجاه شركاء جدد مثل الصين، التي بدأت بعد في إنجاز جملة من المشاريع التنموية، يعتبر جيدا، بنظر محدثنا، إلا أنه كان من الأفضل برأيه لو تم البحث عن حلول أخرى لمشكلة الديون ولكتلة الأجور، ولو تم الاستثمار أكثر في الطاقات البديلة لتوفير الموارد للقيام بالمشاريع التنموية. ويرى حسني أن خيار الحكومة في تشجيع البنوك الوطنية في المساهمة في التنمية يعتبر حلا من الحلول لإيجاد الموارد لتحسين معيشة المواطن.