بكين: «الشرق الأوسط»
في ظل تسارع المنافسة العالمية على تقنيات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، تتحرك الصين عبر مسارات متعددة لحماية مكانتها التكنولوجية ومصالحها الصناعية. فمن جهة، تنقل شركات التكنولوجيا العملاقة تدريب نماذجها إلى الخارج للالتفاف على القيود الأميركية؛ ومن جهة أخرى تضغط بكين لحل نزاعات تُهدد سلاسل التوريد العالمية، بالتوازي مع خطوات داخلية تهدف إلى طمأنة الشركات الأجنبية وتعزيز بيئة الأعمال.
ووفقاً لصحيفة «فاينانشال تايمز»، اتجهت شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى، وعلى رأسها «علي بابا» و«بايت دانس»، إلى تدريب أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها في مراكز بيانات تقع في جنوب شرق آسيا. وتهدف هذه الخطوة إلى الاستفادة من شرائح «إنفيديا» المتقدمة التي أصبحت خاضعة لقيود أميركية مشددة تمنع تصديرها إلى الصين.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن التدريب الخارجي ازداد منذ قرار الولايات المتحدة في أبريل (نيسان) الماضي تقييد بيع شريحة «إتش 2 أو»؛ ما دفع الشركات إلى الاعتماد على مراكز بيانات مملوكة لجهات غير صينية لتجنّب الرقابة.
وبينما تتجه معظم الشركات إلى الخارج، تُعد شركة «ديب سيك» استثناءً؛ إذ استطاعت تدريب نماذجها داخل الصين بعد شراء مخزون كبير من رقائق «إنفيديا» قبل القيود، كما تتعاون حالياً مع شركات محلية، بينها «هواوي»، لتطوير جيل جديد من رقائق الذكاء الاصطناعي الصينية.
ورفضت «إنفيديا» التعليق على هذه التقارير، كما لم تستجب الشركات الصينية لطلبات التوضيح.
نزاع «نيكسبيريا»
وفي سياق موازٍ، دعت الصين هولندا إلى اتخاذ «إجراءات عملية» لإنهاء الأزمة المتعلقة بشركة«نيكسبيريا»، خلال اتصال جمع وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو بوزيرة الشؤون الاقتصادية والطاقة الألمانية كاثرينا رايشه، وفق بيان رسمي صدر الخميس.
وتعدّ بكين أن التدخل الإداري والقضائي الهولندي في الشركة ألحق ضرراً واضحاً بسلاسل توريد أشباه الموصلات العالمية، التي تصفها بأنها «هشة للغاية». ورغم قرار الحكومة الهولندية الأسبوع الماضي تعليق إجراءات الاستحواذ على الشركة، ترى الصين أن هذا الإجراء غير كافٍ وتطالب بسحب التدخل بالكامل.
ويأتي هذا النزاع في ظل دور هولندا المحوري في تصنيع معدات الرقاقات المتقدمة؛ ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى التوترات التكنولوجية بين الصين والغرب.
اجتماع تنظيمي في بكين
ووسط ضغوط خارجية متزايدة، تعمل الصين على تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب داخل البلاد. فقد أعلنت إدارة الدولة لتنظيم السوق أنها عقدت اجتماعاً موسعاً مع ممثلين عن شركات كبرى تمتد أنشطتها من التكنولوجيا إلى السلع الاستهلاكية، مثل «سامسونغ»، و«بي إم دبليو»، و«جونسون آند جونسون»، و«باير»، و«بروكتر آند غامبل»، و«إيكيا»؛ لمناقشة تعزيز المنافسة العادلة وتحسين بيئة العمل.
وقال نائب رئيس الهيئة منغ يانغ إن الصين ستشدد تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار، وستحسّن مراجعة الاندماجات وتطبيق قواعد المنافسة العادلة، في إطار توجه لبناء بيئة «قائمة على السوق والقانون ومعايير دولية».
وتكشف التطورات الثلاثة عن مشهد واحد تتقاطع فيه المصالح الاقتصادية والتكنولوجية والجيوسياسية، حيث توجد شركات صينية تضطر إلى تدريب نماذجها خارج الحدود لتجاوز القيود الأميركية على الرقائق المتقدمة، وضغوط دبلوماسية تمارسها بكين لحماية سلاسل التوريد الحيوية للرقاقات، وبالتزامن تحركات تنظيمية داخلية تهدف لطمأنة الشركات العالمية وجذب الاستثمارات.
وبينما يستمر الغرب في تشديد القيود على التكنولوجيا المتقدمة؛ تبدو الصين مستعدة للتحرك على أكثر من جبهة - عبر الشركات والدبلوماسية والأنظمة - لتأمين موقعها في قلب سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.