الغد-عبدالرحمن الخوالدة
في الوقت الذي تظهر فيه الأرقام الرسمية أن التضخم في الأردن ما يزال يسير ضمن حدود "آمنة" يعلو صوت مواطنين وهم يتساءلون.. لماذا لا تعكس المؤشرات الشعور اليومي المتنامي بغلاء الأسعار؟
في الربع الأول من عام 2025، سجل معدل التضخم في الأردن نحو 2.1 %، بحسب آخر المعطيات الإحصائية، إلا أن تفاصيل هذه الأرقام تروي قصة أكثر تعقيدا، فالتضخم يتركز في سلع غير أساسية، وأسعار بعض المواد الغذائية الأساسية تشهد تراجعا، لكن المواطن لا يشعر بذلك الانخفاض، بل يشعر بضيق متزايد بتراجع قدرته الشرائية، وفق خبراء اقتصاديين.
ويرى هؤلاء الخبراء أن هناك إشكاليات عميقة تتعلق بمنهجية قياس التضخم، وتركيبة سلة المستهلك، وتوزيع التضخم جغرافيا، فضلا عن الفجوة بين ما تعلنه الحكومة وما يلمسه الناس على أرض الواقع.
ودعا الخبراء، إلى أهمية توسيع سلة السلع المستخدمة في قياس معدل التضخم محليا، لتكون مؤشرات التضخم قريبة من الواقع المعاش، لأنها تُبنى عليها قرارات مهمة تتعلق بالأجور والدعم والرواتب والضرائب، وأي خلل في دقتها يؤثر على حياة الناس بشكل مباشر.
وكانت أصدرت دائرة الإحصاءات العامة أخيرا تقريرها الشهري حول الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك لشهر آذار (مارس) من عام 2025 والذي رصد ارتفاعاً بنسبة 1.64 % مقارنة مع الشهر المقابل من عام 2024، وارتفاعا طفيفا نسبته 0.06 % (أقل من نقطة مئوية واحدة) قياسا مع شهر شباط (فبراير) الذي سبقه من العام نفسه.
أما على المستوى التراكمي فقد ارتفع الرقم القياسي للأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام بنسبة 2.02 % مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024.
وبمقارنة الرقم القياسي التراكمي لأسعار المستهلك للأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 مع نفس الفترة من عام 2024، فقد ارتفع الرقم القياسي لمجموعة "الأمتعة الشخصية" بنسبة 17.98 %، و"التبغ والسجائر" بنسبة 12.68 %، و"اللحوم والدواجن" بنسبة 6.56 %، و"التوابل ومحسنات الطعام والمأكولات الأخرى" بنسبة 5.33 %، و"الثقافة والترفية" بنسبة 5.14 %.
التضخم فجوة بين الأرقام والشعور العام
قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن "معدل التضخم في الأردن خلال الربع الأول من العام الجاري بلغ نحو 2.1 %، وهو رقم يعتبر ضمن المستويات المعتدلة، إلا أن الاتجاه التصاعدي الذي تعكسه هذه الأرقام يشير إلى ضرورة الحذر والمتابعة الدقيقة".
وأضاف "رغم أن هذه النسبة لا تعد مرتفعة مقارنة ببعض الدول، إلا أنها تظهر أن هناك مؤشرات على زيادة تدريجية في الأسعار، وهو ما يستدعي الانتباه، خصوصا مع استقرار نسبي في بعض أسعار السلع الأساسية".
وأوضح أن الزيادة الأكبر في معدل التضخم تركزت في سلع غير أساسية مثل التبغ والسجائر، الأمتعة الشخصية، والثقافة والترفيه، وهي مجموعات لا تعد ضمن ضروريات الحياة اليومية لمعظم المواطنين.
وأشار إلى أن بعض السلع الأساسية شهدت انخفاضا ملحوظا في أسعارها مثل الخبز، البقوليات، الألبان، البيض، والأدوات المنزلية، وهو ما يعكس تغيرا في أولويات الإنفاق لدى الأسر الأردنية، نتيجة تراجع القدرة الشرائية.
وشدد على أن الارتفاع في أسعار السلع الكمالية لا يدل بالضرورة على تحول في سلوك المستهلكين نحو الرفاهية، وإنما يعود في معظمه إلى ارتفاع التكاليف والأسعار، ما يعني أن المستهلك ينفق أكثر للحصول على نفس الكمية من المنتجات.
واعتبر أنه من الصعب القول إن "الأسر الأردنية أصبحت تنفق أكثر على الثقافة أو الترفيه، خاصة وأن متوسط الإنفاق على هذه البنود لا يتجاوز 2.6 % من دخل الأسرة، وهو ما يجعل تأثيرها على التضخم العام محدودا".
وأكد عايش ضرورة إعادة النظر في سلة المستهلك المعتمدة في قياس التضخم، إذ لم تعد تعكس بشكل دقيق واقع الحياة اليومية للمواطن الأردني، خصوصًا في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة.
ويرى عايش أنه من غير المعقول أن تظل بعض السلع مثل الأمتعة الشخصية والفواكه والمكسرات هي التي تقود معدل التضخم، في حين يتم تجاهل التغيرات الحقيقية في أسعار السلع والخدمات الأساسية."
ولفت إلى أن معدل التضخم يجب أن يقاس أيضا على مستوى المحافظات والمناطق، لأن هناك فروقات واضحة في الأسعار وتكاليف المعيشة بين مدينة وأخرى، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على قدرة المواطنين في مختلف المناطق.
وأشار إلى أن الكثير من المواطنين يشعرون بأن الأسعار ترتفع بشكل أسرع مما تظهره المؤشرات الرسمية وهذا يعني أن هناك فجوة بين الأرقام والشعور العام، ما يؤثر على مصداقية السياسات الاقتصادية.
وبين عايش، أن الاعتماد على سلة مستهلك قديمة لا تتماشى مع تغيرات الواقع الاقتصادي قد يكون محاولة غير مباشرة لتقليل حجم التضخم الظاهر، وبالتالي تأجيل قرارات مالية ضرورية تخص الرواتب والأجور والسياسات الاقتصادية المختلفة.
توسعة سلة السلع الاستهلاكية المستخدمة في احتساب التضخم
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري إن "ارتفاع معدل التضخم في مجموعة السلع غير الأساسية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام "يحمل أكثر من تفسير؛ الأول أن ارتفاع التضخم بالنسبة للحقائب والأمتعة الشخصية، إضافة إلى السلع الترفيهية والثقافية، يعود إلى زيادة الطلب عليها من الطبقة الاجتماعية ذات الدخل المرتفع، فضلا عن التأثر بارتفاعات الأسعار عالميا".
وأضاف الحموري أن التفسير الثاني يشير إلى وجود خلل في سلة السلع التي يعتمد عليها محليا في قياس مستويات التضخم، حيث إنها تشتمل على سلع لا تدخل دائما في خانة الإنفاق والاستهلاك الأسري المعتاد.
وأشار إلى أن هذا الاختلال يؤدي في بعض الأحيان إلى أن تأتي معدلات التضخم أقل من مستوى الشعور الملموس بارتفاع الأسعار لدى المواطنين.
ولفت إلى أن الرقم التراكمي للتضخم خلال الأشهر الثلاثة الأولى يشير بشكل عام إلى استقرار معدلات التضخم محليا، وأنها تتوافق مع تقديرات الموازنة العامة.
لكنه حذر من التراخي، داعيا إلى أهمية توسيع سلة السلع التي تقاس من خلالها معدلات التضخم، لتشمل على الأقل 40 سلعة دائمة الاستخدام من المواطنين، كي تكون المؤشرات أكثر واقعية وتمثيلا للاحتياجات الفعلية.
سياسات البنك المركزي ركن أساسي لاستقرار التضخم محليا
أما الخبير الاقتصادي زيان زوانة، فاعتبر أن معدل التضخم في الأردن ما يزال ضمن النسب المنخفضة والمستقرة، دون أن يشهد قفزات مفاجئة كتلك التي شهدتها بعض الدول مؤخرًا، مما يُعدّ عنصرا إيجابيا يساهم في استقرار حياة المواطنين اليومية والأساسية.
وأضاف أن الارتفاع الطفيف في معدل بعض المجموعات السلعية المنتقاة خصوصا تلك المرتبطة بعادات استهلاكية شبه إدمانية مثل مجموعة التبغ والسجائر – لا يُعدّ مبعث قلق، طالما لم يترافق مع زيادة في أسعار السلع الأساسية.
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار مجموعات مثل الثقافة والترفيه والأمتعة الشخصية يمكن تفسيره بطبيعة الشريحة المستهلكة لتلك السلع، وربطه بحركة توزيعات أرباح بعض الشركات خلال هذه الفترة.
وأوضح أن هذا الارتفاع موسمي، ومن المتوقع أن تتضح معالمه بشكل أدق في الربع الثاني من العام، سواء بالاستمرار أو بالعودة إلى مستوياتها الطبيعية.
واختتم زوانة بالتأكيد على أن سياسة البنك المركزي الأردني كانت واضحة في الحفاظ على نسق مستقر للأسعار خلال السنوات الماضية، بالرغم من الضغوط التضخمية الداخلية والخارجية، مما يعزز الثقة في قدرة السياسة النقدية الأردنية على حماية الاقتصاد الوطني.