أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    14-Jul-2024

الاقتصاد غير الرسمي.. كشف النقاب وتحسين السياسات*د. عدلي قندح

 الراي 

بداية، دعونا نشير إلى حقيقة مهمة وهي أنه، حتى الآن، لم تُجرِ أية جهة رسمية في الأردن، وخاصة دائرة الإحصاءات العامة وهي الجهة المعنية باحتساب وتقدير حجم الاقتصاد في الأردن، أية دراسة باتباع منهجية عالمية دقيقة لقياس حجم الاقتصاد غير الرسمي في الأردن. وكل الدراسات التي أُجريت كانت من جهات غير محلية واستندت إلى دراسات إحصائية ورياضية تقديرية، أو كانت بمبادرات فردية محلية على شكل دراسات إحصائية أكاديمية.
ومن هذا المنطلق، قامت دائرة الإحصاءات العامة قبل حوالي الأسبوعين بعقد اجتماع في مقر الدائرة لعدد من المختصين والأكاديميين والباحثين وقادة الرأي، ومنهم كاتب هذا العمود، لاطلاعهم على مشروعها الجديد الذي تعمل عليه لتطوير إحصاءات الحسابات القومية للأردن، والذي يهدف إلى تحسين شمولية وتفصيلات تقديرات الناتج المحلي الإجمالي وترابطها مع باقي الإحصاءات والمؤشرات الاقتصادية بما يساعد على تلبية الاحتياجات المتزايدة لمستخدمي البيانات للاستفادة منها كأدلة موثوقة وذات جودة عالية لرسم السياسات الاقتصادية. ومن ضمن ما ستقوم الدائرة القيام به، ولأول مرة بتاريخها حسب علمي، تقدير حجم الاقتصاد غير الرسمي في الأردن باستخدام ثلاث منهجيات عالمية وحسب القطاعات الاقتصادية. لذا، نتطلع بشغف للاطلاع على نتائج تلك المسوحات الرسمية لهذا الجانب من الاقتصاد.
يُعتبر الاقتصاد غير الرسمي جزءًا مهمًا من الاقتصاد الأردني، وله تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على النمو الاقتصادي والتوظيف والعدالة الاجتماعية. العديد من الجهات الدولية والمحلية الخاصة وبعض الأكاديميين قاموا بتقدير حجم الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد. البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مثلاً، قدّرا حجم الاقتصاد غير الرسمي في الأردن بطرق مختلفة وتوصلا إلى أن حجمه يتراوح ما بين 25-30% من الناتج المحلي الإجمالي. دراسات داخلية قام بها باحثون في دائرة الأبحاث في البنك المركزي الأردني أظهرت أن حجم الاقتصاد غير الرسمي في الأردن بلغ بالمتوسط خلال الفترة 2002-2020 حسب منهجية الطلب على العملة Currency Demand Approach (CDA) حوالي 23.8%، وحسب منهجية الأسباب والمؤشرات المتعددة Multiple Indicators Multiple Causes (MIMC) حوالي 22.4% من الناتج المحلي الإجمالي. أما في حال الدمج بين الطريقتين، بلغ حجم الاقتصاد غير الرسمي في الأردن 26.5% من الناتج، بالمتوسط، وهي النسبة التي اعتمدتها هذه الدراسة. ولاحظت الدراسة أن الاقتصاد غير الرسمي يشمل مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة، بما في ذلك التجارة والخدمات والزراعة.
إن الاقتصاد غير الرسمي حقيقة واقعة في كل دول العالم إذ لا يكاد اقتصاد يخلو من وجود جملة من النشاطات الاقتصادية غير المنظمة التي تعمل دون الحصول على التراخيص من السلطات الرسمية. ومصطلح «غير القانونية» لا يعني أن هذه النشاطات غير شرعية، بل هي نشاطات شرعية لا يجرمها القانون إلا أنها غير مسجلة في الحسابات الرسمية للدولة. ويعد الاقتصاد غير الرسمي مصدرًا مهمًا لفرص العمل، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة وعدم كفاية الوظائف الرسمية. ويوفر الاقتصاد غير الرسمي مرونة أكبر للأفراد في اختيار الأنشطة الاقتصادية والعمل في بيئات أقل تقييدًا بالقوانين واللوائح. ويشجع هذا القطاع على الابتكار وريادة الأعمال، حيث يمكن للأفراد بدء أعمالهم الخاصة بسهولة.
من جهة ثانية، يفتقر الاقتصاد غير الرسمي إلى الشفافية، مما يؤدي إلى عدم القدرة على تتبع الأنشطة الاقتصادية بدقة. ويؤدي عدم تسجيل الأنشطة الاقتصادية إلى فقدان الدولة لإيرادات ضريبية مهمة، مما يؤثر على الميزانية العامة. كما أن العمال في القطاع غير الرسمي غالبًا ما يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية والتأمينات الصحية. فما الذي يمكن عمله؟
من أهم السياسات الممكن اتباعها، نذكر تحسين بيئة الأعمال من خلال تسهيل إجراءات التسجيل وتخفيض التكاليف المرتبطة ببدء الأعمال التجارية. وتشجيع العاملين في الاقتصاد غير الرسمي على التسجيل من خلال تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية المؤقتة. وتعزيز الحماية الاجتماعية من خلال توفير شبكات أمان اجتماعي للعاملين في القطاع غير الرسمي لزيادة شعورهم بالأمان والاستقرار. علاوة على ضرورة رفع مستوى الوعي حول فوائد الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي من خلال حملات تثقيفية.
أما عن أبرز منافع وجود الاقتصاد غير الرسمي من ناحية الخزينة، نذكر تخفيض الدعم، حيث يمكن أن يقلل الاقتصاد غير الرسمي من الضغط على برامج الدعم الاجتماعي من خلال توفير فرص العمل، وتخفيض التكاليف على صندوق المعونة الوطنية من خلال تقليل عدد الأشخاص المحتاجين للدعم المالي المباشر. أما أبرز سلبيات وجود قطاع غير رسمي في الاقتصاد، كما ذكرنا أعلاه، فهي فقدان الإيرادات الضريبية، فعدم تسجيل القطاعات غير الرسمية يؤدي إلى خسارة كبيرة في الإيرادات الضريبية، علاوة على غياب الشفافية والمساءلة يمكن أن يؤدي إلى مشكلات اقتصادية على المدى الطويل.
يعد الاقتصاد غير الرسمي جزءًا مهمًا من الاقتصاد الأردني، ولكنه يأتي مع تحديات ومزايا خاصة. من الحكمة أن تقوم السلطات الحكومية الأردنية بتنفيذ سياسات تنظيمية متوازنة لتحويل الأنشطة غير الرسمية إلى الاقتصاد الرسمي، مما سيسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وزيادة الإيرادات الضريبية، مع الحفاظ على توفير فرص العمل والحماية الاجتماعية للعاملين في هذا القطاع.