الغد
تمثل شركة المساهمة العامة التي قرر مجلس الوزراء تأسيسها، نموذجًا استثماريًا جديدًا في المشهد الاقتصادي المحلي، حيث تأتي كذراع استثمارية إستراتيجية منبثق عن الصندوق الأردني للاستثمار، وهذه الخطوة تعكس توجهًا واضحًا نحو استغلال الأصول الوطنية بشكل أكثر كفاءة، وتوجيهها نحو مشاريع إستراتيجية ذات أثر طويل الأمد على الاقتصاد الوطني.
لكن لماذا نحتاج إلى مثل هذه الشركة اليوم؟ تساؤلات عديدة طرحت، وأعتقد أنها منطقية، لماذا نحتاج إلى هذه الشركة في هذا التوقيت تحديدًا؟ وهل يشكل هذا النموذج الاستثماري الجديد حلًّا عمليًا للتحديات الاقتصادية والتنموية التي تواجه الأردن؟ كيف ستتمكن هذه الشركة من تحقيق أهدافها، وهل ستكون إدارتها على مستوى التطلعات أم ستواجه عقبات بيروقراطية؟ الأهم من ذلك، هل يمكن لهذا النموذج أن يكون مستدامًا، ويحقق عوائد حقيقية على المدى الطويل؟
في ظل الحاجة الملحة إلى مشاريع بنية تحتية متطورة، يبرز التساؤل حول كيفية تمويل هذه المشاريع دون تحميل موازنة الدولة أعباء إضافية، فالشركة الجديدة، وفقًا لما هو معلن، ستعتمد على الأصول المملوكة للدولة، مثل الأراضي، كرأس مال أولي، فهل هذه الإستراتيجية كافية لضمان نجاح المشاريع؟ وهل ستتمكن الشركة من جذب استثمارات أجنبية فعالة في ظل المنافسة الإقليمية القوية؟
سؤال آخر يطرح نفسه: هل سيكون لهذه الشركة صلاحيات كافية لتجاوز التحديات الإدارية والتنظيمية التي غالبًا ما تعرقل تنفيذ المشاريع الكبرى؟ فإذا كانت الإدارة حكومية بالكامل، فهل ستتمتع بالمرونة المطلوبة لاتخاذ قرارات استثمارية سريعة؟ وإذا تم إشراك القطاع الخاص في الإدارة، فما مدى تأثير ذلك على سرعة وكفاءة تنفيذ المشاريع؟
أما فيما يتعلق بالنموذج التشغيلي، فمن الواضح أن الشركة لن تكتفي بتنفيذ مشاريع محددة، بل ستؤسس شركات فرعية متخصصة لإدارة مشاريع كالمدينة الرياضية، ومدينة المعارض وغيرها.
وهنا يبرز تساؤل جوهري: كيف ستتم إدارة هذه الشركات الفرعية؟ وهل سيتم طرح بعضها لاحقًا في البورصة لتعزيز التمويل، كما هو متوقع؟ وإذا كان ذلك صحيحًا، فكيف سيؤثر على ملكية الحكومة لهذه المشاريع؟ الإجابات على هذه التساؤلات ستحدد ما إذا كانت هذه الشركة ستكون نقطة تحول في المشهد الاستثماري الأردني أم مجرد تجربة أخرى قد تواجه تحديات تعيق نجاحها، لكن المؤكد أن نجاحها سيعتمد على وضوح رؤيتها، ومرونة إدارتها، وقدرتها على استقطاب الشراكات الفعالة، وتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والمصلحة العامة.
نظريا، إن التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن تتطلب حلولًا استثمارية غير تقليدية، حيث بات من الضروري وجود كيان متخصص قادر على إدارة المشاريع الكبرى بكفاءة عالية، بعيدًا عن التعقيدات الإدارية التقليدية، فهذه الشركة ستتولى تنفيذ مشاريع إستراتيجية، وبالتالي، فإن وجود شركة ذات هيكل مستقل وصلاحيات واسعة يتيح لها التحرك بمرونة أكبر، وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية ضمن إطار شراكة واضحة المعالم.
أما عن النموذج الإداري لهذه الشركة، فإنه يحمل بعدًا إستراتيجيًا مهمًا، إذ إنها ستكون مملوكة بالكامل للحكومة الأردنية، لكنها ستعمل وفق معايير استثمارية عالمية، مما يضمن لها المرونة اللازمة لتنفيذ المشاريع بكفاءة، دون أن تتقيد بالبيروقراطية التقليدية، كما أن الشراكة مع القطاع الخاص لن تقتصر على الاستثمار فقط، بل ستمتد إلى الإدارة والتشغيل، مما يعزز فرص نجاح هذه المشاريع عبر الاستفادة من الخبرات المتخصصة في إدارة المشاريع الكبرى.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن نموذج الشركة الجديدة يحمل مقومات النجاح، حيث يجمع بين الملكية الحكومية والإدارة المستقلة، مع تبني نهج استثماري حديث يستند إلى معايير الحوكمة العالمية، فهذا النموذج قد يشكل حجر الأساس لنهج جديد في إدارة المشاريع الكبرى، مما يفتح آفاقًا واسعة لتعزيز البيئة الاستثمارية في الأردن.