الغد-إبراهيم المبيضين
مع اتجاه سورية نحو إعادة إعمار ما دمرته سنوات الحرب، لا سيما في مجال البنية التحتية للاتصالات والتحول الرقمي، أكد خبراء أن الأردن يمتلك الخبرات والتجارب الناجحة التي تؤهله لمساعدة جارتها الشمالية في النهوض بهذا القطاع.
وأوضح الخبراء أن نجاح الملتقى الأردني السوري لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي عُقد الجمعة الماضية بتمثيل رسمي رفيع وحضور أكثر من 200 شركة من الجانبين، بالإضافة إلى الزيارات التي قام بها الوفد السوري إلى الأردن في شهر تموز (يوليو) الماضي، يعكس إرادة سياسية واقتصادية متبادلة لفتح صفحة تعاون أعمق وتأسيس شراكة استراتيجية ترتكز على الابتكار.
وعُقد الملتقى الأردني– السوري للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يوم الجمعة الماضي في العاصمة السورية دمشق بتنظيم مشترك بين وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة الأردنية وجمعية إنتاج ووزارة الاتصالات والتقانة السورية، وشهد حضور 240 مشاركا من الشركات الأردنية والسورية.
وقد ضم الملتقى أكبر وفد أردني من نوعه، حيث شاركت فيه 80 شركة من قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وشركاتها المتميزة التي نجحت في تصدير منتجاتها إلى 60 دولة، مما يؤهلها ويدعم قدرتها على مساعدة سورية في مسيرتها الرقمية عبر شراكات ومشاريع تفيد الطرفين.
سميرات: فرص عديدة للشركات الأردنية
صرح وزير الاقتصاد الرقمي والريادة سامي سميرات عقب اختتام الملتقى لوسائل الإعلام: "هناك انفتاح من الجانب السوري لتعزيز العلاقات مع الأردن"، موضحا أن هناك بالفعل ملامح لخطط بدأت التنفيذ، مثل تزويد سورية بخدمات الإنترنت عالية السعة عبر ميناء العقبة، بالإضافة إلى استخدام التقنيات المالية التي بدأت بعض الشركات الأردنية تعقد شراكات بشأنها مع الجانب السوري لتطوير هذا القطاع.
وأوضح أن هناك العديد من الفرص في سورية التي تتطلب دعم القطاع الخاص، لا سيما في قطاعات الاتصالات، والإنترنت الثابت، والعديد من العطاءات التي تقدمها الحكومة السورية.
"إنتاج": حضور كمي ونوعي للشركات الأردنية
خلال اللقاء، أكد رئيس هيئة المديرين في جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات الأردنية "إنتاج" فادي قطيشات أن "اجتماع هذا العدد الكبير من الشركات الأردنية – نحو 80 شركة – في وقت واحد وموجّه نحو التعاون مع دولة واحدة هو من أكبر الوفود القطاعية التي خرجت ضمن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني خلال السنوات الماضية".
وأشار إلى أن هذا الحضور الكمي والنوعي يعكس جدية الشركات الأردنية في بناء شراكات حقيقية مع نظيراتها السورية، مؤكدا أن الطموح المشترك هو تحويل هذا اللقاء إلى خطة عمل واضحة ومشاريع مشتركة مبنية على رؤية بعيدة المدى وتخطيط جاد، بحيث ينعكس أثرها على المواطن في البلدين.
سورية في مرحلة تأسيسية للتحول الرقمي
وقال ممثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غرفة تجارة الأردن هيثم الرواجبة: "سورية اليوم تمر في مرحلة تأسيسية من التحول الرقمي، إذ إن البنية التحتية الرقمية تحتاج إلى استثمارات كبيرة (مراكز بيانات، ألياف ضوئية، سحابة، أمن سيبراني، ...)".
وأشار إلى أن هذا يعني أن هنالك "فراغ رقمي" يمكن للشركات الخارجية (الأردن، ودول أخرى) أن تسهم في تعبئته من خلال تقديم خبرات تقنية، وبناء قدرات، وشراكة في البنية التحتية، وكذلك في الخدمات الحكومية".
اهتمام رسمي مشترك
وأكد الرواجبة أن هناك اهتماما مشتركا لتوطيد العلاقات بين البلدين، وخصوصا في قطاع التقنية والاتصالات؛ إذ زار وفد سوري رسمي خلال شهر تموز (يوليو) الماضي الأردن لبحث التعاون في مجالات الاتصالات، والتحول الرقمي، والتعليم التقني، والأمن السيبراني.
وجاء هذا الملتقى الأخير في دمشق ليعزز هذه العلاقات، مما يدلل على أن هناك نية سياسية وكذلك رغبة على المستوى الحكومي لتطوير التعاون التقني.
قدرات تقنية أردنية مؤهلة
ويرى الرواجبة أن قطاع التكنولوجيا الأردني، بخبرته ومشاريعه السابقة، لديه ما يقدمه لسورية في الرقمنة، والبنية التحتية للاتصالات، والحكومة الرقمية، والأمن السيبراني، والتعليم الرقمي، والخدمات المالية الرقمية، وغيرها من المجالات.
ولفت إلى أن التشابه الجغرافي والثقافي بين الأردن وسورية قد يسهل الشراكات، وكذلك فهم السوق المحلي السوري واحتياجاته.
حاجة سورية لدعم إعادة الإعمار
أو المشاريع التنموية
وأشار الرواجبة إلى أنه مع الحاجة الكبيرة في سورية لإعادة بناء البنية التحتية (بما في ذلك البنية الرقمية)، فالتعاون التقني يمكن أن يدخل ضمن إطار إعادة الإعمار أو المشاريع التنموية كجزء من استثمارات استراتيجية طويلة الأجل، فضلا عن إمكانيات دعم البنية التحتية الرقمية والتي يمكن أن تكون جزءا من دمج سورية في الاقتصاد الرقمي الإقليمي.
الملتقى الأردني السوري التقني فرصة
وعن أهمية الملتقى والبناء عليه، قال الرواجبة: "هذه الفعالية تمثل فرصة قوية جدا لعدة أسباب، كونها تعد منصة رسمية للتواصل تجمع صناع قرار من الجانبين (حكوميين وتقنيين) في وقت واحد، مما يسهل إطلاق مبادرات مشتركة أو توقيع مذكرات تفاهم".
وأكد أهميته لبناء الثقة، إذ إن التعاون التقني يتطلب ثقة، خصوصا في البنية التحتية الحساسة (اتصالات، أمن، بيانات).
وبين أن اللقاءات الرسمية تعزز هذه الثقة، فضلا عن أهميتها في تبادل الخبرات، فالجانب الأردني يمكنه عرض تجاربه الناجحة، والشركات الأردنية التقنية يمكنها تقديم خدمات أو حلول جاهزة لسورية.
وقال: "الملتقى يسهم في تحديد أولويات المشاريع التقنية وما يحتاجه الجانب السوري (تعليم، بنية تحتية، إدارة حكومية... إلخ) وما تستطيع الشركات الأردنية تحقيقه بسرعة، فضلا عن أهميته لوضع إطار تشريعي وتنظيمي؛ لأن مثل هذه اللقاءات يمكن أن تساعد في التنسيق التشريعي أو التنظيمي، خاصة في مجالات مثل الأمان السيبراني أو الدفع الإلكتروني".
تمهيد لبناء شراكات بين الأردن وسورية
وقال مدير تطوير الأعمال في شركة المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا "إي تي جي" زيد تحبسم إن "مشاركة الشركة في الملتقى جاءت في إطار تعزيز التعاون التقني بين الأردن وسورية، ودعم مسارات التحول الرقمي، واستكشاف فرص جديدة في مجالات التكنولوجيا والتعليم الرقمي".
وأكد أهمية المتابعة والبناء على نتائج هذا الملتقى والمناقشات والحوارات التي أُجريت في الملتقى بين الطرفين على مستوى الحكومتين وعلى مستوى الشركات.
وبيّن تحبسم أن الهدف من هذا التجمع هو تعزيز التشبيك المباشر بين أصحاب القرار، وتوفير صورة واضحة عن واقع قطاع الاتصالات والاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال في الأردن وسورية، بما يمهد لبناء شراكات عملية بين الشركات الأردنية ونظيراتها السورية.
وقال: "العلاقة بين الأردن وسورية ليست مجرد روابط جغرافية أو ثقافية؛ بل علاقة ممتدة بجذورها وتاريخها، تقوم على رؤية مشتركة لمستقبل رقمي أكثر تكاملا واستقرارا".
وتزامنت أعمال الملتقى مع افتتاح الدورة الحادية عشرة من معرض تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في دمشق، حيث خُصّص جناح أردني موسّع ضمّ الشركات الأردنية المشاركة في الملتقى، ضمن مشاركة تجاوزت 250 شركة عربية ودولية من السعودية والإمارات وقطر ولبنان، فضلا عن شركات عالمية عاملة في مجالات التكنولوجيا والاتصالات والتحول الرقمي.
نقاش حول مختلف التقنيات الحديثة
وأكدت الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا في شركة "جو أكاديمي" آمال هشام السعدي أهمية الملتقى وما شهده من بحث فرص التعاون بين البلدين في مجالات التحول الرقمي والقطاعات التقنية الواعدة.
وبيّنت أنه تناول عددا من المحاور المشتركة، شملت السياحة وسبل الاستفادة من الحلول التكنولوجية في تطوير الخدمات المقدمة، إضافة إلى قطاع التأمين وإمكانات دعم التحول الرقمي فيه عبر منصّات موحّدة وخدمات مالية مؤتمتة.
ولفتت إلى أن الجانبين ناقشا فرص التعاون في مجال التكنولوجيا المالية، ولا سيما ما يتعلق بأنظمة الدفع الإلكتروني والمحافظ الرقمية والخدمات المالية المبتكرة، إلى جانب قطاع التعليم التقني من خلال تطوير المحتوى التعليمي الرقمي وبرامج تدريب المهارات للشباب.
وقالت: "اتفق الطرفان في ختام اللقاء على حرصهما على مواصلة التنسيق المشترك وفتح آفاق جديدة للتعاون، بما يسهم في دعم مسيرة التحديث الرقمي وتمكين الابتكار في البلدين".
نموذج إقليمي
لدعم الاقتصاد الرقمي
ويرى الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال م. هاني البطش أن التعاون الأردني-السوري في مجال التقنية "يشهد زخما ملحوظا"، وهو يمثل رافعة لتعزيز التكامل الإقليمي وتبادل الخبرات بين البلدين.
وقال: "الأردن، بخبراته المتقدمة في التحول الرقمي والخدمات الصحية والتعليمية الإلكترونية، قادر على تقديم حلول متكاملة تساهم في تطوير البنية التحتية الرقمية السورية وإطلاق مشاريع التحول الرقمي الحكومي".
ومن جانبها، توفر سورية قاعدة واسعة من الكوادر التقنية المؤهلة، ما يتيح فرص شراكة استراتيجية للشركات الأردنية لتوسيع نطاق خدماتها، بما يشمل التعليم عن بُعد، وأنظمة إدارة المستشفيات، وخدمات المدن الذكية".
وأضاف البطش: "هذا التعاون يفتح أبوابا واسعة للأردن للاستفادة من السوق السورية وتبادل الخبرات، بينما يتيح لسورية الاستفادة من الحلول الرقمية المتقدمة لتعزيز التحول الرقمي في القطاعات الحكومية، والتعليمية، والصحية، والبنية التحتية".
ولخّص: "بذلك، يتحول التعاون بين البلدين إلى نموذج إقليمي يحتذى به في دعم الابتكار الرقمي وتنمية الاقتصاد المعرفي".