الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
افتتاحية - (الغارديان) 4/4/2025
بينما يعيد البيت الأبيض تشكيل الإمبريالية الأميركية وتجهيزها من خلال فرض الرسوم الجمركية على الواردات، يجب على الآخرين أن يقاوموا التبعية -من خلال تعميق الروابط الإقليمية وتقليل تعرضهم لنقاط الاختناق.
عندما وقف دونالد ترامب أمام عمال صناعة السيارات في "حديقة الزهور"، أعلن عما أسماه "يوم التحرير"، متعهّدًا بالدفاع عن "الشارع الرئيسي" (الناس العاديين وأصحاب الأعمال الصغيرة). أما إذا كان سيفي بهذا الوعد حقًا، فشيء قابل للنقاش. وسوف يعلن النصر في كل الأحوال. لم يكن ما قدّمه الرئيس الأميركي مجرد برنامج اقتصادي، بل كان مشروعًا إمبرياليًا.
يكمن منطق ترامب -إن وُجد- في التقرير المؤلف من 397 صفحة عن "العوائق أمام التجارة الخارجية" الذي لوّح به يوم الأربعاء، 2 نيسان (أبريل). وكانت رسالته بسيطة، وإنما بالغة القسوة: يمكنك أن تبيع بضائعك لمتسوقي "وولمارت"، ولكن فقط إذا سمحتَ لخدمات الحوسبة السحابية الأميركية بحصد بياناتك؛ وللإعلام الأميركي باجتياح شاشاتك؛ ولشركات التكنولوجيا الاحتكارية الأميركية بالعمل بشروطها هي -وليس بشروطك. وتشكل حالة تطبيق "تيك توك" النموذج التجريبي للقومية الرقمية في عهد ترامب: وحدها الشركات الأميركية يحق لها التنقيب عن البيانات، وجني الأرباح، وحكم الإمبراطورية الرقمية.
تُعرّي مهلة الأسبوع الواحد وحالة الطوارئ الوطنية المفبركة المسرحية التي تقود أجندة ترامب. لا تتعلق التعريفات الجمركية التي اقترحها الرئيس الأميركي والاقتصاد القومي الذي يروج له بتصحيح الاختلالات في ميزان التجارة، وإنما تهدف إلى إجبار الآخرين على قبول الهيمنة الاقتصادية الأميركية -من دون أن يتطلب ذلك من الولايات المتحدة التضحية بامتيازاتها الداخلية.
تستمر الولايات المتحدة في تسجيل عجز تجاري في السلع -ليس لأنها "تقترض" من الخارج، وإنما لأن بقية العالم مستعدة طواعية لمبادلة سلع حقيقية مقابل دولارات لا تستطيع هي إصدارها. والآن، يطالب ترامب بجزية مقابل هذا الامتياز: السيطرة على البنية التحتية الرقمية؛ ووصول قسري لمستثمري التكنولوجيا الاحتكاريين؛ وقمع التقنيات المنافسة. وهنا تقول السياسة الواقعية: يمكنك أن تبيع للمستهلك الأميركي -وإنما فقط إذا قبلتَ بالقواعد، والمنصات، والاعتمادية المالية الأميركية. وعلى الرغم من أن سياسة ترامب الخارجية تقوم على المعاملة بالمثل، إلا أن تأثيرها المحلي سيكون على الأرجح تحويليًا -وليس بطريقة إيجابية. سوف ترفع الرسوم الجمركية الأسعار على الجميع، خاصة على الفقراء، بينما تحمي المنتجين المحليين من المنافسة. وفي الوقت نفسه، وكما أوضح ترامب، فإن الإيرادات لن تُخصَّص للاستثمار العام أو للسياسات الصناعية، وإنما لخفض الضرائب على الأثرياء. في هذا النظام، تعيد التعريفات توزيع الثروة صعودًا من الأسفل إلى الأعلى: الفقراء يدفعون أكثر، حتى يتمكّن المليارديرات من دفع أقل.
ليس هذا معاداة للعولمة بالضبط بقدر ما هو "ما بعد عولمة". وهو لا يسعى إلى انسحاب من العالم، وإنما إلى خلق عالَم يخضع لشروط جديدة. ما تزال الإمبراطورية الأميركية تجني الأرباح -لكنها الآن تطالب بأكثر وتنفق أقل. المساعدات الخارجية يتم تخفيضها، والقواعد متعددة الأطراف يتم استبدالها بصفقات ثنائية يتم إبرامها على عجل. وإذا أراد الحلفاء أن يتاجروا، فإن عليهم أيضًا أن يمنحوا الترخيص لخدمات "غوغل كلاود"، وشراء طائرات "بوينغ"، ومقاومة النفوذ الصيني. إن ما يحدث هو أن التجارة والتكنولوجيا والأمن حُزمت جميعها في حزمة واحدة في شكل سياسة خارجية ساعية إلى الريع.
ومع ذلك، ما تزال الأسواق أقل اقتناعًا -حيث يعكس انهيارها المتواصل، ليس المخاوف من الركود فحسب، بل وعيًا متزايدًا بأن هذا النموذج ليس مجرد تعديل ربع سنوي، وإنما تحوُّل في النموذج بأكمله. وقد يكون الألم، حتى كما يعترف ترامب نفسه، حقيقيًا. لكن الألم، بالنسبة له، تطهيري: إنه يضبط العمل، ويبرر التقشف، ويعيد تشكيل الاقتصاد ليكون على صورة الصفقة.
تُثير الرسوم الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين احتمال اندلاع حرب تجارية خطيرة. لكنَّ بكين تشير إلى أنها إذا لم تتمكن من الفوز ضمن النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، فإنها ستقوم ببناء نظامها الخاص. أما بالنسبة للاقتصادات الكبيرة الأخرى، بما فيها اقتصاد المملكة المتحدة، فإن المهمة ليست تقليد النفوذ الأميركي، وإنما تقليص التبعية له -من خلال تعميق التكامل الإقليمي، والاستثمار في الاستقلال التكنولوجي، وتقليل التعرض لنقاط الاختناق التي تتحكم فيها الولايات المتحدة في مجالات التمويل، والتكنولوجيا، والدفاع. ربما تؤدي المقاومة إلى استدعاء الانتقام، لكن الخضوع يضمن التبعية. على المدى الطويل، سيكون التعاون الإستراتيجي -وليس التنازلات الثنائية- هو الرد الوحيد المستدام على الإمبريالية الجمركية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Guardian view on Donald Trump’s tariff ultimatum: tribute for access to America’s empire