أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    22-Jun-2025

تمويل مستدام لعلاج السرطان*سلامة الدرعاوي

 الغد

أخيراً، وبعد أكثر من عشرين سنة من المطالبات والمفاوضات، أعلنت الحكومة عن تخصيص 124 مليون دينار من الموازنة العامة لتأمين "4.1 مليون أردني بشكل عام" ومعالجة من يصاب منهم في مركز الحسين للسرطان، بدءًا من 1 كانون الثاني 2026، إذ إن قرار كهذا لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، ليس فقط لأنه يعالج مرضاً خبيثاً ومؤلماً، بل لأنه أيضاً يعيد الاعتبار لمفهوم العدالة الصحية في الأردن.
 
 
هذه الاتفاقية تحول جذري في طريقة التعامل مع المرض الأشد خطورة وكلفة في حياة أي إنسان، لكن هل يُعقل أننا انتظرنا عقدين لنصل إلى لحظة يصبح فيها مريض السرطان مؤمّناً دون الحاجة لإعفاء طبي؟ ومن غير المقبول أن يحتاج الطفل أو المسن أو الفقير إلى واسطة حتى يدخل باب العلاج، ومن غير الطبيعي أن يتحول المرض إلى حلقة ضمن بيروقراطية، فلماذا تأخرنا كل هذا الوقت؟ وماذا كنا ننتظر؟
 
وبحسب الاتفاقية، سيتم شمول: جميع الأطفال الأردنيين المصابين بالعلاج المباشر في مركز الحسين للسرطان، وكبار السن فوق 60 عاماً، إذ يشكلون نحو 42 % من الفئة المؤمنة، ومنتفعي صندوق المعونة الوطنية، بغض النظر عن أعمارهم.
وكل هذه الفئات لن تحتاج إلى تقديم طلب إعفاء، ولا مراجعة أي جهة حكومية، حيث سيتم إصدار بطاقة تأمين إلكترونية اسمها "شفائي" عبر تطبيق "سند" قبل نهاية عام 2025، وتفعل تلقائياً في بداية 2026.
أما باقي الفئات – أي غير المؤمنين من عمر 20 إلى 60 عاماً – فستتم معالجتهم في مستشفيات القطاع العام، مع إمكانية تحويل الحالات التي لا يتوفر لها علاج إلى مركز الحسين، ضمن مخصصات وزارة الصحة ومخصصات الإعفاءات الطبية. الفئات المستثناة تشمل العسكريين ومن لديهم بوليصة تأمين خاص تغطي علاج السرطان.
والسؤال أيضا، هل تأمين الأطفال وكبار السن هو خطوة ذكية؟ طبعاً، لأن هذه الفئات هم الأكثر ضعفاً واحتياجاً للرعاية الفورية، ومن المهم أنهم لن يضطروا الآن إلى الدخول في دوامة المعاملات والموافقات، فقط تشخيص... ثم علاج.
مركز الحسين للسرطان يمتاز بجودة عالية، لا فقط في المعدات بل في البروتوكولات والبنية التحتية وحتى الجو النفسي العام، وهنا السؤال، هل المبلغ كافٍ؟ كلفة البرنامج بالكامل تبلغ 132 مليون دينار، تتحمل الحكومة منها 124 مليوناً، ويتبقى نحو 8 ملايين دينار تُدفع عبر مؤسسة الحسين للسرطان، وهذا الرقم، بحسب مركز الحسين، يغطي علاج الحالات المتوقعة ضمن الفئات المؤمنة بالكامل، إذ إن متوسط كلفة علاج مريض السرطان في المركز يُقدر بـين 50 و 60 ألف دينار طوال فترة العلاج.
سنوياً، تُسجّل بين 400 إلى 500 حالة إصابة بالسرطان بين الأطفال، وأكثر من 3,000 حالة بين من هم فوق الستين، ومع التغطية الجديدة، هذه الحالات ستكون مؤمّنة بالكامل دون عوائق، وهو ما يُعد نقلة نوعية في النهج الصحي الرسمي.
مستقبلا، نحن بحاجة إلى توسعة هذا النموذج ليشمل كل فئات المجتمع، خصوصاً من هم بين سن العشرين والستين من غير المؤمنين، والذين سيكون علاجهم في مستشفيات القطاع العام مع إمكانية التحويل إلى مركز الحسين إذا لم تتوفر الإمكانات.
أخيراً، هذا هو النموذج الذي نريده للرعاية الصحية في الأردن، نموذج التأمين، لا الإعفاءات، ونموذج الاستباق، لا ردّ الفعل، ونموذج العدالة، لا الاستثناءات.
هذا القرار لا يتعلق فقط بالسرطان، بل بمفهوم الدولة ودورها في حماية مواطنيها، ويجب أن نملك الإرادة للاستمرار بهذا النهج وتوسيعه، وتجذير هذه العدالة في كل ملف صحي، لا فقط في السرطان.