إتفاق الأردن وصندوق النقد الدولي*د. رعد محمود التل
الراي
يشكّل الاتفاق الذي توصّلت إليه الحكومة الأردنية وصندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء، ضمن المراجعة الرابعة لبرنامج “تسهيل الصندوق الممدد” والمراجعة الأولى لإطار "تسهيل الصلابة والاستدامة”، خطوة مهمة في مسيرة الإصلاح الاقتصادي الأردني. فبعد نحو عامين من بدء البرنامج، تظهر المؤشرات الاقتصادية تقدماً ملموساً على صعيد الاستقرار المالي والنقدي، مما يعزز الثقة بقدرة الاقتصاد الأردني على الحفاظ على مناعته رغم التحديات الإقليمية والمالية المتراكمة.
بلغ النمو الاقتصادي في النصف الأول من عام 2025 نحو 2.7% مقارنة بـ2.4% في العام السابق، وهو تحسن واضح يعكس تعافي عدد من القطاعات المنتجة، خاصة السياحة والخدمات. كما حافظ التضخم على استقراره عند حدود 2%، وهو معدل آمن يعزز القوة الشرائية ويحدّ من الضغوط المعيشية. ويُحسب للبنك المركزي قدرته على إدارة السياسة النقدية بكفاءة، مستندًا إلى احتياطيات أجنبية قوية قاربت ٢٣ مليار دولار، تكفي لتغطية نحو ثمانية أشهر من الواردات، ما يؤكد متانة الجهاز المصرفي واستقرار الدينار الأردني.
على صعيد المالية العامة، يواصل الأردن ضبط العجز ضمن المسار المستهدف، إذ يُتوقع أن ينخفض إلى نحو 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، نزولاً من 3.3% في عام 2024. كما ارتفعت الإيرادات المحلية بنحو 6% نتيجة تحسين التحصيل الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية. وفي المقابل، تعمل الحكومة على حماية الإنفاق الاجتماعي والإنمائي ذي الأولوية، في توازن دقيق بين الانضباط المالي ومتطلبات النمو. وتبقى خطة خفض الدين العام إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028 هدفاً محورياً يتطلب استمرارية الالتزام وتفعيل الإصلاحات.
وفي جانب القطاع الخارجي، تشير التقديرات إلى تراجع عجز الحساب الجاري إلى نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي، بدعم من ارتفاع عائدات السياحة التي تجاوزت 6 مليارات دولار، ونمو الصادرات بنسبة 5%. كما يُنتظر أن تسهم المشاريع الاستراتيجية الكبرى، مثل مشروع الناقل الوطني للمياه، في رفع معدلات الاستثمار وتحفيز النمو خلال السنوات المقبلة، خاصة مع اتساع التعاون الاقتصادي الإقليمي.
ويمثل إطار “تسهيل الصلابة والاستدامة” الاقتصادية (RSF) الذي تمت الموافقة عليه في حزيران 2025 بقيمة 744 مليون دولار، نقلة نوعية في مسار الشراكة مع الصندوق، إذ يركّز على إصلاح قطاعي المياه والكهرباء وتعزيز الجاهزية للأزمات الصحية. وقد بدأت الحكومة تنفيذ التدابير الإصلاحية المرتبطة بالمراجعة الأولى، خاصة في مجال تقليل الفاقد المائي الذي تجاوز 45% في بعض المناطق، وتحسين كفاءة الإنفاق في قطاع الطاقة. هذه الجهود تشكل ركيزة أساسية لتعزيز استدامة المالية العامة والحد من الضغوط المستقبلية على الموازنة.
ومع هذا التقدم، من المفيد أن تركز المرحلة المقبلة على تعميق الإصلاحات الهيكلية في بيئة الأعمال، وتشجيع الاستثمار الإنتاجي، خصوصاً في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية مثل الصناعة والتكنولوجيا والزراعة الحديثة. فرفع النمو إلى أكثر من 3% خلال الأعوام 2026–2027 ممكن، لكنه يتطلب استمرار العمل الحقيقي بين القطاعين العام والخاص، وتحسين كفاءة الإدارة الحكومية، وربط سياسات الاستدامة بمشاريع تنموية ملموسة تُسهم في خفض البطالة التي ما تزال عند حدود 21%.
إن استمرار التعاون مع صندوق النقد الدولي يوفّر للأردن مظلة دعم مالي وفني مهمة، لكنه في جوهره وسيلة لتعزيز السياسات الوطنية لا بديلاً عنها. ومن هنا، فإن النجاح الحقيقي لا يقاس بالأرقام وحدها، بل بقدرة هذه البرامج على تمكين الاقتصاد من الاعتماد على ذاته تدريجيًا، وبناء قاعدة إنتاجية تولّد فرص عمل وتحسّن مستوى المعيشة.
وبينما يواصل الأردن التقدم في مسار الإصلاح، يبقى التحدي الأهم هو تحويل هذا الاستقرار إلى نموٍ أكثر شمولاً واستدامة. فالمعادلة واضحة: كلما زادت كفاءة التنفيذ واتسعت قاعدة المشاركة الاقتصادية، ازدادت قوة المنعة الوطنية وقدرة الاقتصاد على مواجهة تقلبات المستقبل بثقة وثبات.