أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    02-Jul-2025

دروس من انقطاع الغاز*سلامة الدرعاوي

 الغد

لماذا لم تنقطع الكهرباء في الأردن رغم توقف إمدادات الغاز الطبيعي؟ وكيف استطاعت شركة الكهرباء الوطنية أن تتعامل مع أزمة مفاجئة بهذا الحجم دون أن يشعر المواطن بأي تأثير مباشر؟ هذه الأسئلة ليست فقط مدخلًا لفهم ما حدث، بل مفتاحًا لاستخلاص دروس عملية من واقعٍ نعيشه في منطقة لا تعرف الاستقرار طويل الأمد.
 
 
الأحداث التي تزامنت مع التصعيد الجيوسياسي بين إسرائيل وإيران، وما تبعها من اضطراب في أسواق النفط والغاز، وضعت المنطقة أمام اختبار قاسٍ، فالأردن، الذي وجد نفسه أمام تحدٍ حقيقي حين تراجع هذا الإمداد الحيوي، لكن ما حدث هو تنفيذ محكم لخطة طوارئ جرى تقييمها بشكل مستمر، وفُعّلت تفاصيلها بدقة في الوقت المناسب.
 
شركة الكهرباء الوطنية أعلنت وقفًا مؤقتًا لإمدادات الغاز عن بعض المصانع المتصلة بشبكة الغاز، في خطوة احترازية لضمان استدامة التزويد للمرافق الحيوية والمستهلك العادي، فهذه الخطوة كانت جزءا من خطة أوسع تراعي أولويات توزيع الطاقة ضمن معايير واضحة ومحسوبة.
التعامل مع الأزمة كشف عن جملة من الإجراءات التي لم تُتخذ وقت الخطر، بل جرى الإعداد لها سلفًا، أول هذه الدروس هو استشراف المخاطر، فالشركة عملت وفق سيناريوهات متعددة، صنّفت من خلالها أنواع التهديدات المحتملة ومدى تأثيرها على استمرارية العمل، في حين لم يُترك شيء للمفاجآت، بل وُضعت آليات واضحة للتعامل مع كل نوع من المخاطر، وتمت مراجعتها دوريًا مع الشركاء المحليين والدوليين، مثل شركة مصفاة البترول الأردنية والشركة اللوجستية لإدارة المرافق النفطية.
الدّرس الثاني، والذي ثبتت أهميته، هو تنويع مصادر الطاقة، فالشبكة الكهربائية الأردنية تعتمد على خمسة أنواع من الوقود: الغاز الطبيعي، والديزل، وزيت الوقود الثقيل (HFO)، والصخر الزيتي، والطاقة المتجددة، فهذا التنوع أتاح مرونة تشغيلية عالية، بحيث لم تتأثر محطات التوليد عند توقف أحد المصادر، إذ إن قدرة الشركة على التحول السريع إلى الوقود البديل لعبت دورًا محوريًا في منع أي انقطاع في الخدمة.
إلى جانب ذلك، جاء تعزيز المخزون الاستراتيجي كركيزة ثالثة في صمود المنظومة، إذ إن محطات التوليد تملك سعات تخزينية تكفي بين 14 إلى 30 يومًا، فيما كان المخزون الفعلي من الوقود يغطي احتياجات المملكة لمدة 20 يومًا على الأقل، وهذا لم يكن حاصل صدفة، بل نتاج تخطيط استباقي ووعي استراتيجي بأهمية تأمين المواد الأساسية في الظروف الصعبة.
أيضًا، لا يمكن إغفال أهمية التواصل الفعّال خلال الأزمات، إذ إن شركة الكهرباء الوطنية والحكومة قدّمتا نموذجًا في الشفافية والهدوء في الخطاب الإعلامي، ما ساهم في طمأنة الناس ومنع انتشار الذعر، حيث تم شرح الوضع بوضوح، وبيان الإجراءات المتخذة دون تهويل أو تقليل من المخاطر.
ما جرى لم يكن مجرد "مرور أزمة"، بل اختبار حقيقي أثبت أن الإدارة السليمة، المبنية على التخطيط طويل الأمد والتعاون المؤسسي، هي السبيل الوحيد للثبات أمام المتغيرات، إذ إن شركة الكهرباء الوطنية قدمت درسًا في كيف تُدار الأزمات، وكيف تُبنى أنظمة طاقة مرنة وقادرة على التكيف.
وتختم هذه التجربة بدروس إضافية بالغة الأهمية، فالدولة اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتفعيل أدواتها نحو زيادة الاعتماد على الموارد الذاتية، والاستثمار فيها قدر الإمكان، مع التقليل التدريجي من الاعتماد على المصادر الخارجية، يؤكد ان الأردن يسير بالاتجاه الصحيح نحو تحقيق أمنه بالطاقة من خلال مشاريع استكشاف الغاز والنفط، والاستثمار المتزايد في مصادر الطاقة المتجددة، ومثل هذه الخطوات تعزز من الأمان الاستراتيجي للطاقة في المملكة، وترسخ مبدأ الاعتماد على الذات في القطاعات الحيوية.