الغد
مما لا شك فيه أن اقتصاديات الدول الإسلامية وخاصة العربية منها، وكما هي بقية اقتصاديات الدول النامية أو تلك التي هي في طريق التنمية، أكثر ما تكون بحاجة إلى مصادر تمويل قادرة على تلبية حاجات خطط التنمية الاقتصادية. فإما أن تلجأ هذه الدول إلى الاقتراض الخارجي وما يترتب عليه من أعباء وتكاليف مرتفعة تمس أحياناً سيادة هذه الدول، أو تبحث عن تعبئة مواردها المحلية والمتمثلة في مدخرات الأفراد والمجتمع ثم تعيد توظيفها في المشاريع التنموية المرجوة، وهنا يأتي دور القطاع المصرفي للقيام بهذه المهمة، من خلال وظيفته كوسيط مالي ينظم انسياب رؤوس الأموال من الوحدات الاقتصادية ذات الفائض إلى الوحدات الاقتصادية ذات العجز، فالمشكلة أحياناً تكمن في شحة الموارد المحلية لبعض المجتمعات وعدم قدرتها على الاستجابة لحاجة الخطط التنموية من التمويل اللازم لها، ففي هذه الحالة تكمن وظيفة الجهاز المصرفي في الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة والحفاظ عليها من التشتت والضياع، والتوجه إلى تقديم التمويل للمشاريع الاقتصادية التي من شأنها أن تحدث تنمية اقتصادية وتساهم في توظيف الايدي العاملة والتقليل من حدة الفقر من منطلق المسؤولية الوطنية، فعندما يساهم هذا القطاع في خلق بيئة اقتصادية سليمةـ فإنه ومما لا شك فيه سيجد أي قطاع البنوك فرص استثمار افضل يسعى من خلالها لزيادة حصته من الأرباح ويحقق اهدافه التي وجد من أجلها، وهنا الحديث يشمل كافة مكونات القطاع المصرفي وبشقيه الإسلامي والتقليدي، ولهذا نجد أن الجهاز المصرفي أو قطاع البنوك إن جاز التعبير وعلى سبيل المثال هو المسؤول عن التقدم الاقتصادي في اليابان والعديد من الدول الأوروبية والصين، والحفاظ على قطاع الإنتاج ان ينمو بشكل متواصل ويحافظ على المكانة الاقتصادية لهذه الدول وغيرها من الدول، التي حققت تقدما ونموا اقتصادي، وفي الوقت نفسه، فإنه هو نفسه المسؤول عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي اندلعت في العام 2008 وما تزال إرهاصاتها إلى يومنا هذا في العديد من دول العالم، عندما تجرد هذا القطاع من المسؤولية الأخلاقية بهدف تعظيم أرباحه بشتى الوسائل، فكانت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة وما تلاها من انهيارات في أكبر المجموعات المصرفية في العالم وخاصة الأميركية منها، وقد عزا العديد من خبراء الاقتصاد والمال ذلك، إلى سلوك الجشع في جني الارباح الطائلة من ارتفاع معدلات الفائدة وعدم قدرة المقترضين سواء الصغار منهم ممن اقترضوا لتأمين مأوى لهم، وتسوية حاجاتهم الاستهلاكية أو على مستوى كبرى المجموعات الاستثمارية التي تراجع لديها الطلب ولم تعد قادرة على تسديد التزاماتها تجاه البنوك، وكانت بداية الازمة، وهنا اتجهت الانظار إلى الصناعة المصرفية الإسلامية، وخاصة بعد نجاحها النسبي في تجاوز آثار الأزمة المالية العالمية وما رافق ذلك من زيادة في الطلب على منتجاتها المالية، مما أوجد لديها حالة من التحدي لكسب المزيد من الحصة السوقية في الاسواق المالية العالمية وتسابق المصارف في دول عدة، لفتح نوافذ مالية إسلامية لديها لغرض المنافسة مما فرض على مصارفنا الإسلامية، التمسك بقوة برسالتها الاخلاقية الملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية.
فالمبادئ التي قامت عليها المصارف الإسلامية ومنحتها القوة والثقة لتصبح منافساً حقيقياً في السوق المصرفي العالمي، بُنيت على مبدأ التمويل الأخلاقي الذي يفرض عليها عدم تقديم أي نوع من التمويل للمشاريع التي تنتج أي سلعة محرمة، يمكن أن تلحق الضرر بالمجتمع، وعليه فإنها ملزمة بنهج السلوك الاخلاقي، والمقصود هنا الالتزام بكل المعايير الأخلاقية التي وردت في الشريعة الإسلامية، وأقرها القرآن الكريم والسنة النبوية؛ مثل عدم الاحتكار واستغلال حاجيات الناس وضروريات المجتمع، ونهى عن التبذير والإسراف وعدم حبس النقود حتى تساهم في النشاط الاقتصادي، وبالتالي زيادة الثروة للأفراد والمجتمع.