أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    24-Nov-2025

ما بعد النفط والأمن*د. عبد الله الردادي

 الشرق الاوسط

في واحدة من أكثر اللحظات السياسية والاقتصادية كثافة، جاءت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة، محمّلة بالأرقام الثقيلة والرسائل العميقة. لم تكن هذه الزيارة بروتوكولية، ولا محطة عابرة في جدول العلاقات الثنائية، بل نتج عنها التزامات استثمارية تقترب من تريليون دولار، وحزم اتفاقيات تمتد من الطاقة النووية والمعادن الحرجة والدفاع والذكاء الاصطناعي أعلن عنها خلال المنتدى الاستثماري بقيمة تربو على 270 مليار دولار. واشتملت على اجتماعات مكثفة مع البيت الأبيض والكونغرس وكبريات الشركات الأميركية. وخلال أيام قليلة، بدا المشهد وكأن صفحة جديدة فتحت بين الرياض وواشنطن؛ صفحة تتجاوز لغة التحالف التقليدي بين البلدين، وتتجه نحو صياغة علاقة مختلفة جذرياً.
 
ومن أوضح ما لوحظ خلال هذه الزيارة، النبرة الأميركية التي خرجت بها التصريحات الرسمية، فقد عكست هذه التصريحات تحولاً في النظرة إلى المملكة، وبدا التناغم بين المؤسسات الأميركية واضحاً في وصف العلاقة بأنها شراكة محورية في ملفات الدفاع والطاقة والمعادن والذكاء الاصطناعي. وبدا أن الزيارة أزالت آخر بقايا التردد التقليدي في واشنطن، وأحلت مكانه يقيناً أن السعودية عنصر لا غنى عنه في الأمن القومي الأميركي، وشريك أساسي في بناء اقتصاد المستقبل.
 
وحملت الزيارة دلالات كثيرة، منها تجاوز العلاقة الثنائية المبنية على الأمن والنفط، والتركيز على ملفات استراتيجية أخرى، مثل سلاسل الإمداد في المعادن الحرجة والنادرة، التي أصبحت حديث العالم في السنوات الأخيرة. كما شملت ملف الرقائق الإلكترونية، وهو الملف الأكثر حساسية في المنافسة العالمية، فقد حصلت شركات سعودية، بدعم من صندوق الاستثمارات العامة، على تراخيص لشراء معالجات متقدمة ذات استخدامات استراتيجية، في خطوة عُدّت مؤشراً على ثقة واشنطن بالدور السعودي في تأمين مستقبل هذه التقنية، هذا التطور يعني أن السعودية تدخل رسمياً في سلاسل توريد التقنية الأكثر تقدماً في العالم، وأن قدراتها في البنية التحتية للحوسبة لن تعتمد على حلول متوسطة، بل على أحدث البرمجيات والعتاد المتقدم الذي لا يُتاح إلا لحلفاء محددين للغاية.
 
وفي الذكاء الاصطناعي، نشأ وصف للعلاقة بين البلدين سُمي بـ«ممر الذكاء الاصطناعي السعودي - الأميركي»، وهو ما يعني أن السعودية في الذكاء الاصطناعي لم تعد مستهلكاً، بل شريك استراتيجي في صياغة قواعد الاقتصاد العالمي، وهو استمرار لنجاح المساعي السعودية في جعلها ركيزة من ركائز الذكاء الاصطناعي في العالم، وهذه المرة بالشراكة مع الولايات المتحدة، التي تقدم البنية التحتية التقنية الأساسية، من الرقائق المتقدمة، والنماذج الذكية، ومعايير الحوكمة، بينما تقدم السعودية البيئة الاستثمارية الجاذبة، ومصادر الطاقة الموثوقة، والبنى التحتية الهائلة لمراكز البيانات، ورأس المال الاستثماري، والسوق القادر على احتضان تطبيقات واسعة في الطاقة والصناعة والمدن الذكية والحكومة الرقمية، وبوجود هذه العناصر معاً، تولد منظومة يمكنها أن تجعل من السعودية أحد أكبر مواقع الحوسبة والذكاء الاصطناعي في العالم خلال السنوات المقبلة، فيما تستفيد الشركات الأميركية من قوة التطبيق والاختبار والاستثمار.
 
والمتتبع لجهود المملكة في جميع القطاعات التي أعلن عنها، يجد توافقاً بين هذه الجهود وجميع ما أعلن عنه خلال هذه الزيارة الاستثنائية. ففي الذكاء الاصطناعي، كانت شركة «هيوماين» حاضرة في الزيارة وهي تمثل مستقبل السعودية في الذكاء الاصطناعي، وقد سبق هذه الزيارة الإعلان عن استثمارات ترتبط بالذكاء الاصطناعي من مصادر الطاقة إلى البنى التحتية «وفي اتفاقيات المعادن استمرارية للتوجه السعودي في الاستثمار طويل الأمد في قطاع التعدين» وفي الطاقة النووية، فقد سبق للمملكة التصريح عدة مرات بتوجهها للاستثمار في الطاقة النووية مستفيدة مما لديها من ممكنات، وجاءت الولايات المتحدة لتكون شريكاً عالمياً قادراً على تسريع الاستثمار في هذه القطاعات، وتوفير أدواتها، وفتح أسواقها.
 
إن زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة هي الحدث الأبرز هذه الفترة على المستوى الدولي، وقد تجاوز أثرها حدود العلاقات الثنائية. في أوروبا، رُصدت الزيارة كإعادة تموضع سعودي على الخريطة الجيوسياسية وصياغة جديدة للعلاقات مع الغرب. وفي الصين، أصبح يُنظر للمملكة على أنها باتت قادرة على لعب دور الجسر بين التقنية الأميركية والتصنيع الآسيوي، بينما حللت العديد من المصادر في الهند أن هذه الزيارة بوابة لفرص ثلاثية في الطاقة والذكاء الاصطناعي، وبكل تأكيد فإن هذه الزيارة هي معلم استثنائي من معالم العلاقات بين البلدين، التي ابتدأت قبل نحو ثمانية عقود.