الموقع الاستراتيجي للأردن ومزاياه الاقتصادية*د. أيوب أبودية
الراي
يتميّز الأردن بموقع جغرافي فريد في قلب الشرق الأوسط، محاطاً بدول تعدّ أسواقاً وشركاء استراتيجيين مهمين، وله تحالفات متينة عبر البحار. ورغم أنه بلا موارد نفطية ضخمة مثبتة، على الأقل لغاية الان، باستثناء الصخر الزيتي طبعا، إلا أن المملكة تستغل هذا الموقع لتعزيز اقتصادها الوطني عبر قطاعات رئيسية مثل الزراعة، السياحة الأثرية، والسياحة الدينية، والسياحة العلاجية، والخدمات اللوجستية، والتعليم العالي، والاستثمار، والاستقرار السياسي والأمني.
في عام 2024، شهد القطاع الزراعي نمواً قوياً بنحو 6.9%، مدفوعاً بإنتاج الخضار والفواكه عالية الجودة، خاصة من منطقة الأغوار، وارتفعت صادرات القطاع الزراعية والغذائية بقوة لتصل إلى نحو 1.5 مليار دينار أردني.
ازدادت أوجه الإنتاج الزراعي وتنوعها بمرور الوقت، فغدت تساهم الزراعة بما يقارب 23.5% من النشاط الاقتصادي الوطني. وهذا يشمل تأثيرها المباشر وغير المباشر على القطاعات الأخرى، وفقًا لدراسة أُجريت بواسطة دائرة الإحصاءات العامة، وذلك عند الأخذ بعين الاعتبار السلاسل الإنتاجية المرتبطة بها، فمنطقة الأغوار، بمناخها الدافئ، وتربتها الخصبة وموقعها المنخفض – إلى أكثر من 400 متر تحت سطح البحر – تسمح بالزراعة طوال العام، وأيضا تصدير سريع نحو الأسواق الإقليمية برا وبحرا وجوا.
ولكن رغم النجاحات، تواجه الزراعة تحديات جسيمة منها ندرة المياه، وارتفاع تكاليف الإنتاج، والعمالة، ما يجعل استدامة النمو بحاجة مستمرة إلى تقنيات حديثة وتعاون دولي وتمويل محلي. وهناك اعتراضات على زراعة المحاصيل التي تصل نسبة المياه فيها إلى أكثر من ٩٠% من وزنها، مثل البندورة والخيار، الأمر الذي يعده البعض تصديرا للمياه لبلد من أفقر دول العالم بالمياه.
وتعدّ السياحة الأثرية أو التاريخية اليوم من الركائز الاقتصادية، حيث تمثل حوالي 14–15% من الناتج المحلي الإجمالي, اذ تستقطب مدينة البتراء وحدها ما يقارب المليون زائر سنوياً قابلة للزيادة، فيما يتم التخطيط لتعزيز التجربة السياحية من خلال إنشاء قرية ثقافية، جولات منطاد، مرافق لوجستية، وتشجيع الاستثمارات الفندقية والسياحة والفعاليات الإبداعية؛ فعلى سبيل المثال، استضافت البتراء والمناطق المجاورة مهرجان Medaina للموسيقى الإلكترونية من 21 إلى 26 أيار 2025، الذي جذب قرابة 1,500 مشارك دولي. ولكن ذلك لا يكفي، فعدد زوار مدينة ماتشو بيتشو في بيرو تقريبا ضعف هذا الرقم، كذلك أهرامات مصر يزورها أكثر من ثلاث مرات هذا الرقم من السياح، علما ان البتراء لا تقل أهميةكونها من عجائب الدنيا السبع المعاصرة، لذا ينبغي التخطيط بشكل أفضل لاستقطاب السياح.
وبفضل الاستقرار الأمني النسبي، رغم الأحداث العنيفة في المنطقة من حولنا، يتشوق السياح لزيارة المعالم الدينية والتاريخية مثل البتراء، وجرش، وأم قيس، وجبل نيبو، والبحر الميت، والمغطس، ومراقد الصحابة، ووادي رم، وغيرها، بل ويتوقون إلى تعلم اللغة العربية في الأردن كونها لهجة بلاد الشام قاطبة تقريبا.
وهناك شبكة الاتفاقيات التجارية التي تشمل اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول العربية، مما يتيح دخول منتجات الأردن إلى أسواق ضخمة. وقد استمرّ تأسيس المبادرات التنموية بدعم دولي مثل مشروع USAID للتنمية المستدامة للسياحة منذ 2005، ومشروعات لتعزيز البنية التحتية السياحية والتعليم والتدريب والتأهيل.
أما بشأن البنية التحتية والخدمات اللوجستية، فيربط الأردن قارة آسيا، بأفريقيا، وأوروبا؛ ويمتلك منفذًا حيويًا على البحر الأحمر من خلال ميناء العقبة. وهناك مشاريع مستقبلية تشمل: الربط البري العربي، وربط سكك حديد بين الأردن ودول الجوار، والربط الكهربائي، وأنابيب نفط وغاز، وغيرها من مشروعات.
في قطاع الخدمات، يبرز أهمية الأردن كمركز للرعاية الطبية والسياحة العلاجية والتعليم العالي، مستفيداً من الثقة الدولية في جودة خدماته ومستوى استقراره. وفيما كان الأردن يصدر المعلمين والمهنيين والحرفيين إلى دول الخليج منذ ستينيات القرن الماضي، فانه ما زال يفعل ذلك. وعائدات العمالة الأردنية المغتربة لم تنقطع وتشكل مصدر دخل مهم للاردنيين والدولة معا من حيث العملة الصعب.
خلاصة القول ان الزراعة قوة متنامية تعتمد على تصدير منتجات ذات قيمة عالية (فواكه وخضار) ولكنها تحتاج الى تنظيم أكبر ودعم أوسع ومراعاة شح المياه الحلوة. أما السياحة بأنواعها فتعتمد على استثمار الموقع الجغرافي والاستقرار الأمني، مع ضرورة التطلع لمعالجة تداعيات الأزمات الإقليمية ودعم الاستثمارات السياحية بشتى الطرائق، علما بأن الاستقرار يظل عاملا أساسيا لجذب الاستثمار وتحقيق عوائد على المدى المتوسط والطويل. ويسير الاردن صوب التكامل الاقتصادي بفضل الاتفاقيات التجارية ومشاريع النقل الاقليمية، بحيث بات يتم تحويل الأردن إلى مركز إقليمي بعد تراجع دور لبنان وسوريا، إذ نأمل أن يؤدي ذلك الى خلق فرص عمل أكبر، ورفع مستوى الدخل، والتوسع في تطوير وسائل النقل العام وزيادة الحدائق العامة واتساع الرقعة الخضراء كي ينسجم هذا التقدم الاقتصادي للأردن بيئيا مع خطط الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.