الغد-عبدالرحمن الخوالدة
في ظل محدودية الموارد للحكومة، وتفاقم التحديات الاقتصادية، لا سيما على مستوى الخزينة العامة مع العجز المتواصل وتنامي المديونية، بات من الصعب على الحكومة تدشين مشاريع تنموية وتشغيلية كبرى بتمويل مباشر.
وأمام هذا الواقع، أصبحت الشراكة مع القطاع الخاص ضرورة ملحة وتمثل بوابة عبور نحو تنمية مستدامة تواكب الطموحات وتلبية الاحتياجات. ومن بين النماذج اللافتة لهذا المسار، مشروع مستشفى مادبا الجديد، الذي شهد مؤخرا وضع حجر أساسه، ليشكل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو شراكة تنموية فاعلة.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص خيار إستراتيجي لا بديل عنه لتجاوز حالة الجمود التنموي وتحفيز الاقتصاد الوطني، فضلا عن تحسين تغطية الخدمات والبنى التحتية للمجتمع المحلي.
وأشار هؤلاء الخبراء إلى أن الحكومىة لديها بوادر إيجابية في المضي قدما بتطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص بشكل فعلي ومباشر، معتبرين في ذات الوقت أن القطاع الخاص المحلي قادر على أن يكون شريكا حقيقيا في بناء المستقبل التنموي والاقتصادي الوطني.
وشدد الخبراء على أن من شأن مشاريع الشراكة أن تساهمم في تقليل التكاليف المباشرة على الحكومة، وتوفر فرص عمل، إضافة إلى دفع عجلة الاقتصاد في المحافظات.
وبغية تكريس الشراكة بين القطاعين على أرض الواقع الاقتصادي الأردني طالب الخبراء بتطوير الإطار المؤسسي والتشريعي للشراكة، من خلال توحيد المرجعيات، وإنشاء وحدات تنسيق متخصصة تتابع وتقيم كل مشروع بحسب قطاعه، لضمان الفاعلية وتفادي الانحرافات، إضافة إلى أهيمة تدشين صناديق استثمارية وسيادية على القطاع الخاص في الوصول إلى أسواق المال المحلية.
وكان رئيس الوزراء جعفر حسان وضع، الأسبوع الماضي، حجر الأساس لبناء مستشفى مادبا الجديد، كأول مستشفى حكومي ينفذ بالشراكة مع القطاع الخاص، ليخدم المواطنين في المحافظة والمناطق المجاورة لها، ويعد المستشفى أول المشاريع الخدمية المنفذة من صندوق الاستثمار الأردني، وأول مستشفى حكومي ينفذ بالشراكة مع القطاع الخاص بقيمة إجمالية تصل إلى 88 مليون دينار.
واقع الشراكة بين القطاعين
وتظهر بيانات وحدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص وجود مجموعة من مشاريع الشراكة المسجلة في السجل الوطني للاستثمارات الحكومية، فيما تغيب أي تفاصيل حول الكلفة الإجمالية لهذه المشاريع، وتتمثل المشروعات بإنشاء 41 مدرسة حكومية بأسلوب الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى مشروع إنشاء جسر صويلح ناعور الجديد، إلى جانب مشروع التمويل المستدام للطرق- ممر عمان التنموي (ADC1)، علاوة على مشروع حافلات التردد السريع
ويضاف إلى ذلك مشروع تخزين الطاقة الكهربائية باستخدام ضخ المياه بالقرب من سد الموجب باستطاعة 450 ميجاواط، إضافة إلى مشروع تطوير معبر جابر الحدودي، فضلا عن مشروع التمويل المستدام للطرق- طريق عجلون عمان، وأخيرا مشروع تخفيض الفاقد المائي من 35 مليون متر مكعب سنويا إلى ما يقارب 15 مليون متر مكعب سنويا في المناطق التي تتبع لشركة مياهنا (ماركا، سحاب، أبو علندا، القويسمة، اليادودة، التاج، الجوفة، الحزام، النصر، الأشرفية، القلعة، مرج الحمام، ناعور) والتى تخدم ما يقارب 212000 مشترك وبما يعادل 30 % من العاصمة عمان.
ويشار إلى أن الحكومة أقرت في العام 2024 نظام مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمقتضى المادة رقم 23 من قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لسنة 2023.
وتهدف الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وفقا لنظام المشروعات وقانون الشراكة بين القطاعين إلى المساهمة في إنشاء البنية التحتية العامة والمرافق العامة أو إعادة تأهيلها أو تشغيلها أو صيانتها أو إدارتها أو تطويرها، وتقديم الخدمات العامة وتوفير تمويل للمشروعات الحكومية، إضافة إلى تنفيذ مشروعات الشراكة التي تحقق القيمة المضافة مقابل المال وجودة الخدمات، والاستفادة من الخبرة والمعرفة الفنية والتقنية الحديثة لدى القطاع الخاص في إنشاء المشروعات وإدارتها.
بوادر إيجابية من الحكومة لتطبيق قانون الشراكة
وأوضح مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي أن الحكومة الحالية أظهرت بوادر فعلية للتطبيق لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والعمل على قطف ثمار إقراره منذ فترة طويلة.
واعتبر حجازي أن العمل على تدشين مشروع مستشفى مادبا الجديد بالشراكة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص، بادرة فعلية من الحكومة للسير في الشراكة الحقيقية بين القطاعين، لافتا إلى أن هذا المشروع يعد نموذجا في اختصار مدة الإنجاز بشكل كبير، وسيعمل على جذب استثمارات جديدة مستقبلا دون استنزاف الاحتياطيات الحكومية، وتحسين كفاءة الخدمات العامة من خلال نقل الخبرات والتكنولوجيا وتحفيز المنافسة عبر تحسين جودة الخدمات.
وأكد حجازي أنه ووفقا للمعايير الدولية فإن مشاريع الشراكة PPP تنفذ أسرع بنسبة 30-50 % مقارنة بالطرق التقليدية في الحد الأدنى وتعمل على توزيع المخاطر فيما بين القطاعين فالحكومة تتحمل المخاطر السياسية والقطاع الخاص يتحمل مخاطر التشغيل، كما أنها تعمل على تحسين تغطية الخدمات في المناطق النائية خاصة مشاريع المدارس والمراكز الصحية وخلق فرص عمل، مبيناً أن دراسات الموازنة العامة للدولة تشير إلى أن مشاريع الشراكة إذا ما نفذت فإن بشكل كامل ستعمل على سد الفجوة التمويلية لمشاريع البنية التحتية بمبلغ 2 مليار دينار سنويا.
وبين أن مشاريع الشراكة لها دور كبير في تحقيق التنمية في المحافظات الأردنية، بداية من الأثر المباشر على التنمية المحلية من خلال خلق فرص عمل خاصة مشاريع الإنشاءات والصيانة، وتحسين البنية التحتية مثل النقل والمواصلات لضمان عدم الهجرة إلى المدن الكبرى، وتحفيز الاقتصادات المحلية، وتقليل الفجوة التنموية بين العاصمة والمحافظات خاصة في مجالات التعليم والصحة والمياه. ونقل هذه التجربة إلى البلديات في المحافظات مع دعم تلك البلديات بإصدار سندات أو صكوك بلدية مدعومة من بنك تنمية المدن والقرى، بدلا من الاقتراض المباشر، وتحفيز المواطنين بالمساهمة في شراء تلك السندات أو الصكوك، فاليوم نحن بحاجة إلى خطة متكاملة لمشاريع الشراكة تراعي الخصائص المحلية لكل محافظة فهي القاطرة الحقيقة لتنمية المحافظات.
الشراكة بين القطاعين أداة ديناميكية
بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن تعاظم التحديات الاقتصادية في الأردن، لا سيما ارتفاع المديونية وعجز الموازنة وتفاوت مستوى الخدمات العامة، يجعل من الشراكة بين القطاعين العام والخاص خيارا إستراتيجيا لا بديل عنه لتجاوز حالة الجمود التنموي وتحفيز الاقتصاد الوطني.
وأوضح أن الأردن يمتلك أطرا قانونية وتنظيمية تحكم هذه الشراكة، إلا أن فاعليتها ما تزال محدودة، مما حال دون توسيع نطاق المشاريع المشتركة بالشكل الذي يواكب حجم التحديات والاحتياجات المتنامية.
ولفت عايش إلى حاجتنا أردنيا لإعادة تعريف هذه الشراكة، ليس كنصوص قانونية، بل كأداة ديناميكية لتوظيف إمكانيات الدولة والقطاع الخاص معً في خدمة التنمية
وشدد عايش على أن الشراكة لا ينبغي أن تفهم على أنها خصخصة أو انسحاب من الدور الحكومي، بل كآلية تكاملية تقوم على توزيع الأدوار وتحقيق المصالح المشتركة، لافتا إلى أن نجاحها يتطلب إرادة سياسية واضحة، وبيئة تشريعية مستقرة، ومهارات تفاوضية لدى القطاع العام، ومناخا محفزا للقطاع الخاص.
واعتبر أن القطاع الخاص قادر على أن يكون شريكا حقيقيا في بناء المستقبل، لكن على الدولة أن تهيئ له بيئة محفزة، وأن تؤمن بأن التنمية لم تعد ممكنة بالاعتماد فقط على الموارد العامة المحدودة.
وأكد أن الأردن أمام فرصة كبيرة لتوسيع نطاق الشراكات في قطاعات حيوية مثل الصحة، التعليم، المياه، النقل، الطاقة، الزراعة، والبنية التحتية، مشيرا إلى أن إقامة مجمعات تعليمية متطورة، محطات معالجة مياه، شبكات نقل حضري وإقليمي، أو مشاريع طاقة متجددة بالشراكة، يمكن أن يحدث تحولا حقيقيًا في التنمية المحلية، ويحد من الهجرة نحو العاصمة.
وبين عايش أن مشاريع الشراكة لا تساهم فقط في تحسين نوعية الخدمات، بل تقلل التكاليف المباشرة على الحكومة، وتوفر فرص عمل، وتدفع عجلة الاقتصاد في المحافظات.
لكن رغم أهمية الشراكة، يرى عايش أنها ما تزال تواجه عوائق حقيقية، منها البيروقراطية، تشتت المسؤوليات، ضعف الكفاءات الحكومية في التفاوض والإدارة، إضافة إلى غياب أطر رقابية واضحة تضمن التزام المشاريع المشتركة بالمصلحة العامة.
ودعا إلى تطوير الإطار المؤسسي والتشريعي للشراكة، من خلال توحيد المرجعيات، وإنشاء وحدات تنسيق متخصصة تتابع وتقيّم كل مشروع بحسب قطاعه، لضمان الفاعلية وتفادي الانحرافات.
تحديات الشراكة في الأردن
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي منير دية إن الأردن اليوم بحاجة ماسة إلى تنفيذ مشاريع تنموية في قطاعات حيوية مثل التعليم، الصحة، البنية التحتية من طرق وجسور، وغيرها من القطاعات الأساسية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر.
وأوضح دية أن الحكومة تواجه تحديات كبيرة تتمثل في تراجع الإيرادات المالية، فضلا عن انخفاض الدعم الخارجي والمنح والقروض، خصوصاً انخفاض المنح بنسب تجاوزت 90 % منذ بداية العام الحالي. وأكد أن هذه المعطيات تفرض على الأردن البحث عن حلول عملية لتنفيذ هذه المشاريع التنموية التي تسهم في تطوير المجتمع وتحسين الخدمات.
ولفت إلى أن القطاع الخاص الأردني يمتلك سيولة نقدية كبيرة، يتضح ذلك من حجم الودائع المصرفية التي تجاوزت 47 مليار دينار، إلى جانب استثمارات الأردنيين في الخارج بمليارات الدولارات، ما يجعل الشراكة مع القطاع الخاص خياراً واقعياً ومهماً. وأشار إلى أن إشراك القطاع الخاص في بناء وتشغيل هذه المشاريع من خلال آليات مثل الشراكة أو نظام "البي أو تي" (Build-Operate-Transfer) سيعود بالنفع على جميع الأطراف. حيث يمكن للحكومة من خلال هذه الآليات التوسع في بناء المدارس الحكومية والمستشفيات والمراكز الصحية وشبكات الطرق والبنية التحتية، ما يخفف العبء المالي عليها ويؤمن خدمات أفضل للمواطنين.
وأكد أن من خلال هذه الشراكة، يمكن للحكومة استئجار هذه المشاريع لفترات زمنية طويلة (مثلا 20 عاما) بعقود واضحة تتيح تقسيط تكلفة البناء، ما يضمن حل أزمة التمويل الحالية دون تحمل دفع فوري، بينما يستفيد المستثمر من تشغيل هذه المشاريع لمدة محددة قبل إعادة ملكيتها للحكومة.
ويرى دية أن غياب الصناديق السيادية الضخمة في الأردن، ما عدا صندوق الضمان الاجتماعي، يجعل من هذه الشراكة مع القطاع الخاص أحد الحلول العملية والممكنة لتعزيز تنفيذ المشاريع التنموية المطلوبة.