ورش تقييم قطاع التجارة.. مراجعة للتحديات واستثمار للفرص
الغد-طارق الدعجة
في وقت تتزايد فيه الحاجة لإنعاش الاقتصاد وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية، جاءت الورشة القطاعية لقطاع التجارة التي عقدت أمس في الديوان الملكي الهاشمي، كجزء من المرحلة الثانية لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، لتسلط الضوء على أحد أكثر القطاعات حيوية وتأثيراً في المشهد الاقتصادي.
فبعد مرور 3 سنوات على إطلاق الرؤية بتوجيهات ملكية سامية، تشكل هذه الورش فرصا لتقييم سير العمل، ومراجعة ما تحقق من التزامات وما اعترض المسار من تحديات، لتصويب الأداء وتجويد التنفيذ ومواكبة التطورات العالمية في مختلف القطاعات، لتوسيع عملها، وتعويض ما فات من فرص الفترة الماضية، بسبب أوضاع المنطقة، إذ تدرج على البرنامج التنفيذي للرؤية لعمل الحكومة للأعوام الـ3 المقبلة.
وتنعقد الورش في إطار حرص جلالة الملك عبدالله الثاني على متابعة تنفيذ الرؤية، وضمان تسارع النمو الاقتصادي وتحقيق أثر ملموس في حياة المواطنين، وترسيخ التزام الحكومات المتعاقبة بتنفيذها في إطارها الزمني المقرر.
ورشة التجارة التي تندرج تحت محور محرك الخدمات المستقبلية في الرؤية، شهدت مشاركة لممثلين عن القطاعين العام والخاص، وخبراء ومتخصصين في الشأنين الاقتصادي والتجاري، وجاءت في توقيت تحتم فيه على الحكومة تعزيز جاهزيتها الاقتصادية في ظل تقلبات إقليمية ودولية، وسط طموحات بتحقيق نمو شامل ومستدام، في وقت تتزايد فيه الحاجة لتمكين القطاعات الإنتاجية، وأبرزها التجارة، لتكون قاطرة لنمو الاقتصاد وجعله أكثر تنوعا واستدامة، وقدرة على الصمود في وجه التحديات.
مساهمة التجارة بالاقتصاد الوطني
يعتبر قطاع التجارة، من الركائز الأساسية للاقتصاد الأردني، ويسهم بـ7.9 % من الناتج المحلي الإجمالي وفق تقديرات العام الماضي، وبقيمة بلغت 2.4 مليار دينار، وهو يوفر فرص عمل لـ265 ألفا، يشكلون 16.6 % من إجمالي القوى العاملة بالمملكة، بينما بلغت صادراته 300 مليون دينار، أي 3.3 % من الصادرات الكلية.
كما يمثل رافعة أساسية للاقتصاد، لدوره بتحفيز النمو الاقتصادي المستدام، وتوفير فرص عمل جديدة؛ بخاصة للشباب، فيما يعد تمكينه وتطويره فرصة لدفع عجلة النمو الاقتصادي بتطوير البنية التحتية اللوجستية، وتسهيل الإجراءات، وزيادة الصادرات وفتح أسواق جديدة للمنتجات الوطنية، وتعزيز التعاون الإقليمي، وجذب الاستثمارات.
وفي ورشة التجارة، سلط الضوء على أهمية تطوير التشريعات وتحديث البنية التحتية، إذ اقترحت الرؤية، تبسيط اللوائح التنظيمية المتعلقة بالجمارك والضرائب والشحن، لتسهيل التجارة والتجارة بالتجزئة، كجزء من مبادرات إستراتيجية، يمكنها تعزيز كفاءة القطاع وتحفيز استثماراته.
المبادرات الرامية لتطوير القطاع
وتضمنت الرؤية؛ مبادرات لتطوير القطاع، منها: تحديث ميناء العقبة وبنيته التحتية للتخزين، ودعم تمويل التجارة، وتوسيع نطاق الشراكات التجارية واتفاقيات التجارة الحرة، وإنشاء قاعدة بيانات للسلع والخدمات القابلة للتداول التجاري، وكذلك تفعيل التشغيل الآلي للإجراءات الحكومية، وتحديث مراكز التوزيع والخدمات اللوجستية، وتطوير البنية الرقمية للتجارة الإلكترونية، وتحسين بيئة التنافس بين التجارة التقليدية والرقمية.
وأشار مشاركون إلى أن تحقيق الرؤية، يتطلب تجاوز ما يواجه القطاع من تحديات، كمحدودية التشريعات الخاصة بالتجارة الإلكترونية، وضعف منظومة الجمارك والشحن، وصعوبة الحصول على التمويل، والمنافسة غير العادلة، واعتماد القطاع الكبير على الاستيراد.
مراد: الاستقرار التشريعي حجر الأساس للتطوير
عضو هيئة المديرين في الشركة القيادية للتسوق حيدر مراد، أكد أن هذه الورشة، فرصة لبحث التعديلات اللازمة لمواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية، ومناقشة تطوير الأداء وفقاً لمتطلبات المرحلة المقبلة، مشددا على أهمية استثمار نقاط القوة التي يتمتع بها الأردن المتمثلة بالموقع الإستراتيجي للمملكة الذي يربط المنطقة بالعالم، وتوفر كفاءات بشرية تصدر للخارج، ويجب الحفاظ على هذه الكفاءات، والاستفادة منها لخدمة الاقتصاد المحلي، بخاصة في ظل الحاجة لرفع الجاهزية وتعزيز الإنتاجية في القطاع.
وبشأن المرحلة المقبلة، أشار مراد إلى أن الأولوية يجب أن تمنح لتثبيت التشريعات وتوفير بيئة مستقرة لجذب الاستثمارات، مبينا أن الاستقرار التشريعي، حجر الأساس لأي تطوير ويجب أن تكون هناك تشريعات واضحة، يلتزم بها وتنفيذها، ضمن أطر زمنية محددة، لضمان استمرارية المشاريع وتحقيق الأهداف التي طُرحت في الرؤية.
خوري: تنظيم التجارة الإلكترونية
وأشار عضو هيئة المديرين في الشركة الوطنية للتجارة والتوزيع زياد خوري، إلى أن التجارة الإلكترونية، تعد من أبرز ما طرح من قضايا للنقاش، مؤكدا ضرورة تنظيم القطاع لضمان عدالة المنافسة، مضيفا “لا يمكننا اعتبار التجارة الإلكترونية إيجابية أو سلبية بالمطلق، فهي تحمل مزايا كبيرة للمستهلك، لكنها في الوقت ذاته، تشكل تحديا للتجارة التقليدية، بخاصة في ظل غياب المساواة في التكاليف التي يتحملها التاجر المحلي من ضرائب ومصاريف تشغيلية”.
وأكد خوري أن غياب التنظيم قد يؤدي لمظاهر من الغش التجاري والإضرار بالمستهلك، موضحا انه من دون وجود جهة رقابية واضحة على المنتجات الإلكترونية، قد يتعرض المستهلك للغش من حيث المواصفات والجودة، بخلاف الشراء من متجر محلي، يخضع لمعايير المواصفات والمقاييس. لذا، يجب وضع تشريعات تحمي المستهلك، وفي الوقت نفسه، لا تظلم التاجر الذي يلتزم بالقوانين ويدفع التزاماته كاملة.
وقال خوري إن الحل يكمن في تنظيم التجارة الإلكترونية تدريجياً، ولا يمكننا الوقوف بوجه التطور، ولكن يمكننا السير معه بخطوات مدروسة، ما يتطلب تنظيم القطاع على نحو يحفظ التوازن.
الكيلاني: توفير بيئة داعمة للشباب والتحول الرقمي
من جانبه، أشاد نقيب الصيادلة د. زيد الكيلاني، بانعقاد الورشة ومواصلة مراحل تنفيذ الرؤية، معتبرا ذلك “دليلا على وجود نية مؤسسية حقيقية لإحداث التغيير”، مضيفا أن “استمرار الورش يعكس رغبة جادة في بناء اقتصاد حديث ومتوازن، قائم على تقييم التجربة ومراجعة التشريعات، وتفعيل دور القطاع الخاص، خصوصاً في ظل ما نواجهه من تحديات متنوعة، تتعلق بالضرائب والجمارك والأنظمة التنظيمية”.
وأكد أن الصناعات الدوائية الأردنية، نموذج للتميز والتصدير ويجب دعمها بتشريعات مستقرة وأسواق جديدة، مشددا على توفير بيئة داعمة للشباب والتحول الرقمي، مبينا أنه “من المهم تحفيز ريادة الأعمال في القطاعات التجارية والصناعية، وخلق بيئة تشريعية مستقرة تسهم بجذب الاستثمارات وتعزيز دور الشباب في التحول الرقمي”.
كما ناقشت الورشة الإمكانيات الإستراتيجية للقطاع، وعلى رأسها تحويل الأردن لمركز إقليمي للتجارة في المنطقة، واستقطاب الشركات العالمية، عبر تطوير بيئة الأعمال الرقمية والتقليدية، وتحفيز المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتبني التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز المهارات البرمجية لرفع الجاهزية الرقمية في السوق المحلي.
وأكدت الورشة أن التنفيذ الفعال للرؤية سينعكس بوضوح على مؤشرات الأداء الاقتصادي للقطاع، إذ يتوقع بأن ترتفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لـ3.8 مليار دينار بحلول عام 2033، ويصل عدد العاملين فيه لـ400 ألف عامل، مع زيادة في الصادرات لتبلغ 1.5 مليار دينار.
نقاط القوة للقطاع
وتتمثل نقاط القوة للقطاع، بأن السوق الأردني يتميز بالحيوية والتوجه لاستكشاف المنتجات والتجارب الجديدة، ما يدعم نمو القطاع؛ إذ يشكل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة ما نسبته 60 % من السكان، بالإضافة لزيادة وعي المستهلك والبحث عن الأفضل، بشأن خدمات العملاء والدراية بالحقوق وحماية المستهلك.
كما تتمثل نقاط القوة للقطاع بتميز المنتجات المحلية بمعايير الجودة، ما يعزز فرص زيادة ثقة المستهلك وتحفيز الطلب على المنتجات، بالإضافة لإمكانية تطبيق المهارات الحديثة لإدارة سلسلة التوريد، بما يُحسن مستويات الخدمة والكلفة، عدا عن تمتع الأردن بموقع إستراتيجي يؤهله لأن يصبح مركزاً تجارياً إقليمياً، وممراً للشحن بين الشرق والغرب، أو الشمال والجنوب.
وفي هذا النطاق، يسهم انتشار المحافظ الإلكترونية، إلى جانب وجود قوي لمنصات الدفع الإلكترونية، بتسهيل تجربة التسوق الإلكتروني للمستهلكين، والجاهزية الرقمية المدعومة بوجود منصات قوية لخدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والمهارات البرمجية المحفزة لتطوير التجارة الإلكترونية، كما أن وجود ميناء العقبة، يعزز فرص تسريع النمو المستقبلي للقطاع جراء نقاط القوة للتجارة في الأردن.
وتهدف الرؤية لتحويل الأردن إلى مركز إقليمي للتجارة بتعزيز التجارة التقليدية والرقمية عبر استعادة الأسواق المفتوحة، وتخفيض تكاليف التشغيل وتحديث التجارة التقليدية بالابتكار، وتقديم تجارب عملاء متميزين، ودفع التجارة الإلكترونية عن طريق تسريع النمو لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز المنافسة العادلة، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وتحسين البيئة التجارية بحماية المستهلك، وتحديث القوانين الجمركية ولوائح الشحن وتطوير البنية التحتية للموانئ والمستودعات، وتوسيع الشراكات التجارية الدولية.
أما أبرز مبادرات القطاع في المرحلة الأولى، فتتمثل بتطوير التشريعات المتعلقة بحماية المستهلك، وتوسيع نطاق شراكات التجارة واتفاقيات التجارة الحرة، وإنشاء قاعدة بيانات للسلع القابلة للتداول التجاري والخدمات، وتحسين البيئة التمكينية للتجارة الإلكترونية، وتحقيق عدالة المنافسة مع التجارة التقليدية.
منجزات القطاع بالمرحلة الأولى
وتتمثل أبرز منجزات القطاع– المرحلة الأولى، بإقرار إستراتيجية تطوير التجارة الإلكترونية (2023-2025)، وكذلك التعليمات المعدلة لتعليمات حماية المستهلك، وإعداد وتنفيذ بوابة دليل الأردن الإلكترونية لإجراءات التسجيل والترخيص، وإقرار القانون المعدل لقانون المنافسة رقم (12) لسنة 2023.