الغد
الأعمال اليومية من خدمات قنصلية تخدم الجاليات الأردنية يتولاها القناصل ضمن الإمكانيات، في ظل بيئة ما يزال يسودها الدفع النقدي والتعاملات الورقية؛ وتبقى للسفراء المشاركة في احتفالات الدول الصديقة واستقبال ووداع الوفود والتواصل الاجتماعي.
ورغم أهمية هذه الأدوار البروتوكولية، فإنها بحاجة ماسّة لأن يُضاف إليها الانخراط في قضايا الوطن الحيوية، وفي مقدمتها الاستثمار، والسياحة، والتشغيل، والتطوير الرقمي التي تحتاج لقفزه نوعية أراها ممكنة وقريبة في ظل نشاط دولة الرئيس، ووزير الخارجية الذي يحقق نجاحات دبلوماسية لافتة.
ويمكن لهذا الحراك أن يتوَّج بإنجازات عملية واستراتيجية نوعية، شريطة أن يُسند تنفيذها إلى السفراء بجهود ميدانية فاعلة، تحت رقابة حثيثة من مركز الوزارة تضمن المتابعة، والإنجاز، والإفصاح المنتظم عن الأداء والنتائج.
الوقت مناسب للتحرك السياسي والاقتصادي على حدّ سواء. فعلى الصعيد السياسي، تشير المستجدات إلى تراجع نسبي في التوترات الإقليمية، من وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن، إلى الغزل السياسي مع إيران، مرورًا برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، وصولاً إلى الفتور الذي أصاب العلاقة بين ترامب ونتنياهو؛ وكلها عوامل تهيئ بيئة أكثر استقرارًا وانفتاحًا يمكن للأردن أن يستثمرها بذكاء.
اقتصاديًا، يشهد العالم تحولات جذرية في سلاسل الإمداد، وطفرة في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، وهي تغيّرات تعيد رسم المشهد الصناعي وفرص العمل. هذا إلى جانب تراجع الرسوم الجمركية الأميركية الصينية، وتحسن ملحوظ في أداء القطاع السياحي الأردني، وهي كلها فرص متاحة يجب اغتنامها لفتح أسواق جديدة للعمالة الأردنية، وتعزيز الاستثمار وجذب السياح.
وفي القطاع السياحي تحديدًا، بات الأردن أكثر جاذبية من ذي قبل. ومن واجب السفارات الترويج للمواقع السياحية والعلاجية والأثرية، ولسياحة المغامرة والطعام، عبر استحداث منصات رقمية مبتكرة، تتيح التواصل مع منظمي الرحلات السياحية ووسائل الإعلام المتخصصة والجمهور في دول الاعتماد، بما يُبرز المقومات الفريدة التي تميز المملكة.
أما في ملف التشغيل الخارجي، فما تزال الآليات المؤسسية غائبة، وتعتمد على جهود فردية مبعثرة، وعلى العلاقات السياسية والسمعة الطيبة والكفاءة المشهودة للعمالة الأردنية. المطلوب اليوم أن تزخر سجلات السفارات ومواقعها الإلكترونية بفرص العمل المتاحة، مع تحديث دوري وشفافية عالية. كما يجب تفعيل قنوات الاتصال مع وزارات العمل والتجارة في الدول المضيفة، والنقابات، والنقابات، ومجالس الأعمال، والشركات الكبرى، بما يحول السفارات إلى منصات تشغيل حقيقية، تُقدّم إرشادات واضحة، وتدير برامج تدريب وتأهيل للعمالة.
وهذا بدوره يستدعي تأهيل السفراء وكوادر السفارات في مجالات الاقتصاد، وآليات تسويق العمالة الحديثة، ليكونوا قادرين على تقديم الأردن كوجهة استثمارية واعدة، وكشريك موثوق يوفر كفاءات بشرية مدرّبة تلبي متطلبات الأسواق الدولية.
باختصار، تتطلب المرحلة الحالية سفراء تكنوقراطيين، أو بالأحرى «مديري مبيعات» للاقتصاد الأردني، يعملون على جذب الاستثمارات، وتعزيز الصادرات، وتسويق الكفاءات الأردنية، والمساهمة في تحويل أثرياء المغتربين من مجرد مرسلين للتحويلات الفردية إلى مستثمرين فاعلين في مشاريع حيوية داخل الوطن. فمثل هذا الاستثمار لا يرفد الخزينة بالعملات الصعبة فحسب، بل يساهم أيضاً في تحقيق تنمية مستدامة حقيقية، تُمكّن الأردن من مواجهة تحدياته الاقتصادية بثقة واقتدار.