الغد- د. حمزة العكاليك
يشكل غياب القوانين واللوائح الواضحة لعمال المنصات الرقمية في الأردن تحديا كبيرا، مما يضع هذه الفئة من العمال في وضع هش من دون حماية كافية ويدفع الشركات العاملة في هذا المجال إلى منطقة قانونية رمادية. هذا الفراغ التشريعي لا يؤثر سلبا على المنافسة العادلة فحسب، بل يعوق أيضا النمو المسؤول والمستدام للاقتصاد الرقمي في المملكة.
ويكمن التحدي الأساسي الذي يواجه عمال المنصات في الأردن في معيار "التبعية" ضمن تعريف "العامل" في القانون الأردني. فإذا صُنف عمال المنصات كمقاولين مستقلين بدلا من موظفين، فإنهم يخرجون تماما من مظلة قانون العمل وأحكام الضمان الاجتماعي الإلزامية. هذا النقص في التصنيف يحرمهم من حقوق أساسية، مثل الحد الأدنى للأجور، تحديد ساعات العمل، حقوق إنهاء الخدمة والسلامة المهنية. علاوة على ذلك، يستبعدون من مزايا الضمان الاجتماعي الحيوية كالتأمين على الأمومة، التعطل عن العمل، إصابات العمل ومعاشات الشيخوخة. فغياب الأطر التشريعية الناظمة لهذه العلاقة يسبب أثرا سلبيا لغياب هذه الحقوق على حياة آلاف العمال وعائلاتهم.
إن الإطار القانوني الأردني الحالي، المصمم لنماذج التوظيف التقليدية لا يعالج بشكل كاف مفهوم "الإدارة الخوارزمية" و"التحكم اللامركزي" المتأصل في نماذج اقتصاد العمل الحر (Gig Economy). فعلى الرغم من ادعاء المنصات أن عمالها مستقلون، إلا أنها غالبا ما تمارس أحد أشكال السيطرة غير المباشرة عبر الخوارزميات وأنظمة التقييم. فقضية أوبر في فرنسا العام 2020 خير دليل على ذلك؛ فالمحكمة الفرنسية اعتبرت أن حرية السائق في الاتصال بالتطبيق لا تستبعد رابطة التبعية بمجرد اتصاله بالمنصة، مما يعكس فهما متطورا للتبعية يتجاوز الإشراف المباشر. فالعمال المصنفون كمستقلين عبر المنصات يواجهون نقصا حادا في الحماية الاجتماعية، فهم غالبا ما يحرمون من حقوق أساسية، مثل التأمين على البطالة والعطلات مدفوعة الأجر والتأمين على المخاطر الاجتماعية. هذا الوضع يدفع العديد منهم للجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم من أصحاب المنصات.
ولقد شهدت العديد من الدول تحركات تشريعية وقضائية لمعالجة هذه المعضلة، مما يعكس توجها عالميا نحو إعادة تصنيف عمال المنصات أو منحهم حماية معززة. فعلى سبيل المثال، أصدرت إسبانيا قانون الركاب الذي يفترض وجود علاقة عمل لعمال التوصيل، كما فرضت الشفافية الخوارزمية. وفي فرنسا، أنشأت مركز الخبرة للتنظيم الرقمي وأسهمت الأحكام القضائية، مثل قرار محكمة النقض الفرنسية، في قضية أوبر التي كيفت علاقة العامل بالمنصة الرقمية كعلاقة عمل لوجود عناصر التبعية. أما في المملكة المتحدة، فقد أكدت الأحكام القضائية أن التبعية القانونية متوفرة في علاقة عمال المنصات بأصحابها، مما أدى إلى منحهم حقوقا أساسية، مثل أجر الإجازة والحد الأدنى للأجور. يشير هذا التوجه العالمي إلى اعتراف متزايد بالسيطرة أو التبعية الكامنة التي تمارسها المنصات، حتى لو كانت خوارزمية. إن الاستجابات التشريعية والقضائية الدولية، ولا سيما التركيز على الشفافية الخوارزمية وحق التنظيم والمفاوضة الجماعية لعمال المنصات، تسلط الضوء على غياب مثل هذه الأحكام الصريحة في الأردن، ما قد يعوق النمو الأخلاقي والمستدام لاقتصاده الرقمي.
إن استمرار الأردن في افتقاره إلى لوائح محددة في هذه المجالات الحيوية يواجه مخاطر كبيرة عدة. فقد يؤدي ذلك إلى استغلال العمال، مما يخلق بيئة يكونون فيها عرضة للاستغلال ويؤدي إلى عدم الرضا ونزاعات العمل. كما قد يردع العمال المهرة عن دخول اقتصاد المنصات أو البقاء فيه بسبب غياب الأمن والحماية الكافيين. فالاعتماد الحالي على قوانين العمل العامة في الأردن مع النقص الصريح في اللوائح المحددة يخلق تحديا كبيرا في الإنفاذ. فآليات التفتيش التقليدية غير مجهزة للتعامل مع الطبيعة اللامركزية والخوارزمية لعمل المنصات. وهذا يؤدي إلى نقص فعلي في الحماية حتى في الحالات التي قد تنطبق فيها القوانين العامة نظريا، ويؤكد أن البنية التحتية القانونية والتنفيذية في الأردن لا تواكب التطور السريع لطبيعة العمل في العصر الرقمي.
ولضمان تنظيم فعال وعادل للعمل عبر المنصات الرقمية في الأردن، يوصى بالاستفادة من التوجهات والمعايير الدولية لمنظمة العمل الدولية (ILO) التي تركز على تعديل قانون العمل لإعادة تعريف العامل ليشمل أشكال التبعية الجديدة، بما في ذلك التبعية الخوارزمية وإدخال افتراض قانوني للتبعية لعمال المنصات. كما يجب توسيع مظلة الضمان الاجتماعي لتشمل عمال المنصات بشكل كامل وإلزام المنصات بتوفير الشفافية الخوارزمية وحماية البيانات حول كيفية عمل الخوارزميات التي تؤثر على شروط عمل العمال وضمان حق العمال في الوصول إلى بياناتهم وحمايتها.
إن الإصلاح التشريعي في الأردن ليس فقط ضرورة لحماية العمال، بل هو ضرورة استراتيجية لتعزيز اقتصاد رقمي عادل وتنافسي ومستدام يجذب المواهب. فإذا كان الأردن يهدف إلى ترسيخ مكانته كمركز تقدمي وجذاب للاقتصاد الرقمي، فلا يمكنه تجاهل البعد العمالي لهذا التحول. فتطبيق لوائح قوية وواضحة لن يفي بالمسؤولية الاجتماعية بحماية العمال فحسب، بل سيوفر أيضا يقينا قانونيا حاسما للشركات، مما قد يجذب مشغلي المنصات المسؤولين والعمال المهرة الذين يبحثون عن ظروف عمل مستقرة وعادلة وشبكات أمان اجتماعي قوية.
فهل الأردن مستعد للمضي قدما في هذه الإصلاحات التشريعية لضمان مستقبل عادل لعمال المنصات واقتصاد رقمي مزدهر؟