التحول الطاقي.. جمع بين الأثرين الاقتصادي والاجتماعي
الغد-رهام زيدان
لم تعد مشاريع الطاقة في الأردن مجرد استثمار في البنية التحتية، بل تحولت إلى أداة استراتيجية متكاملة لتحقيق التنمية المستدامة، تجمع بين الأثرين الاقتصادي والاجتماعي، وتعمل على خفض الكلف، وخلق فرص عمل، وتمكين المجتمعات المحلية، وتعزيز العدالة في توزيع مكاسب التنمية بين المحافظات.
ويرى خبراء أن الأردن استطاع خلال العقد الأخير، أن يبني نموذجا مميزا في التحول الطاقي، جعل من مشاريع الطاقة المتجددة -خاصة الشمسية والرياح- ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي وتحسين نوعية الحياة، لتغدو الطاقة النظيفة أحد أبرز محركات التغيير في الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء.
ويساهم قطاع الطاقة المتجددة، بما نسبته 27 % من إجمالي إنتاج الكهرباء.
الأثران الاقتصادي والاجتماعي لمشاريع المتجددة
في هذا السياق، قال رئيس مجلس إدارة جمعية "إدامة" للطاقة والبيئة والمياه، الدكتور دريد محاسنة "إن مشاريع الطاقة المتجددة الخاصة لا تقتصر على منطقة جغرافية محددة، بل تمتد لتشمل مختلف أنحاء المملكة، ما يجعل أثرها التنموي شاملا".
وأوضح أن القيمة المضافة لهذه المشاريع تتجلى في ثلاثة محاور رئيسية هي: خفض الكلف الاقتصادية، الحد من التلوث البيئي وخلق فرص عمل محلية كلما أمكن، مؤكدا أن الاستفادة منها يجب أن تكون جماعية وليست فردية، حيث تنعكس نتائجها على المجتمع ككل، من خلال نسب تشغيل وتوظيف تخدم المناطق المحيطة بالمشاريع.
وبلغ عدد الوظائف المرتبطة بالمشاريع التجارية للطاقة الشمسية في الأردن نهاية العام الماضي 28100 وظيفة مباشرة، بحسب تقرير "المراجعة السنوية - الطاقة المتجددة والوظائف للعام 2024"، الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ومقرها أبو ظبي.
وبين محاسنة أن التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة يساهم بصورة مباشرة في تخفيض كلف الإنتاج في القطاعات الحيوية. فمثلا، استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل محطات المياه يؤدي إلى خفض كلف الضخ والتوزيع، كما أن إدخال تقنيات الطاقة المتجددة في القطاع الصناعي يقلل كلف التصنيع، ما يعزز تنافسية المنتجات الأردنية في الأسواق المحلية والخارجية.
وأكد أن الأردن يمتلك فرصة حقيقية لتعظيم الفائدة الاقتصادية والاجتماعية من هذا القطاع، إذا ما تم تبني سياسات واضحة تربط بين مشاريع الطاقة وأهداف التنمية المحلية، حيث تصبح هذه المشاريع، محركا للنمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة في مختلف المحافظات.
يذكر أن من أهم أهداف قطاع الطاقة، وفقا لرؤية التحديث الاقتصادي، السعي للوصول إلى قطاع طاقة يتميز بالموثوقية والاستدامة والاستقرار، وتطوير قطاع طاقة أكثر كفاءة، وتحديث قدرة شبكة الطاقة الذكية على تلبية الطلب المحلي، وبدء تصدير الطاقة إلى المنطقة، إضافة إلى إنشاء شبكة لتوزيع الغاز الطبيعي إلى المجمعات الصناعية.
الطاقة المتجددة كأداة للعدالة المجتمعية
من جهتها، قالت المتخصصة في مجال التحول الطاقي والاستدامة، المهندسة ديانا العثامنة "إن مشاريع الطاقة والطاقة المتجددة ساهمت بفاعلية في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية، خاصة بين الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط".
وبينت أن تجربة الأردن في مجال الطاقة المتجددة تبرز نموذجا رائدا للتكامل بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي، حيث لم تعد الطاقة النظيفة مجرد خيار بيئي، بل أداة لتحقيق العدالة المجتمعية والتنمية المحلية المستدامة عبر شراكات فعالة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وأشارت العثامنة إلى برامج الصندوق الأردني للطاقة المتجددة وترشيد الطاقة (JREEEF) ومشاريع فلس الريف، كأمثلة على ذلك، إذ ساهمت في تخفيف الأعباء المالية عن آلاف الأسر من خلال تمويل وتركيب أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية، ما أدى إلى خفض فواتير الكهرباء بنسبة كبيرة قد تصل إلى الصفر تقريبا، وتوجيه جزء من الدخل نحو احتياجات أساسية كالتعليم والرعاية الصحية.
وأضافت أن التحول الكامل نحو الطاقة النظيفة، لا يمكن أن يتحقق من دون شراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص على مستوى التخطيط والإدارة والتنفيذ، فالقطاع الخاص يعد ركيزة أساسية في التوظيف وتحسين القدرة التنافسية، إذ ترتبط أسعار الطاقة مباشرة بمستوى النشاط الاقتصادي وفرص النمو.
وأوضحت أن الأردن خطا خطوات كبيرة في هذا المجال، إلا أن هناك حاجة لتوسيع نطاق الشراكات، حيث يشارك القطاع الخاص منذ المراحل الأولى في صياغة السياسات العامة، ويمنح مرونة أكبر في تصميم وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة المجتمعية، بما يتيح توسيع الاستثمار المحلي وخلق فرص عمل جديدة في المحافظات.
كما شددت على أن مشاريع الطاقة النظيفة تشكل محفزا رئيسيا لخلق فرص عمل لائقة وطويلة الأمد، خصوصا للشباب والنساء في المحافظات. فكلما توسع نطاق المشاريع، زادت فرص العمل وبنيت قاعدة اقتصادية محلية مستدامة. وأشارت إلى ضرورة تضمين سياسات تدريب وتمكين تستهدف الشباب والنساء لتأهيلهم لشغل الوظائف الجديدة في قطاع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
وأكدت العثامنة كذلك، أهمية إشراك المنظمات الأهلية والمجتمعية في تنفيذ البرامج، لما لها من دور في الوصول إلى الفئات الهشة وبناء الثقة بين المواطنين والجهات الحكومية. فهذه المؤسسات يمكن أن تكون محركا رئيسيا في رفع الوعي بفوائد الطاقة النظيفة، وإدارة عمليات الدعم، وقيادة حملات التثقيف المجتمعي، حول الاستخدام الأمثل للتقنيات المستدامة.
ووفقا لوزارة الاستثمار ووحدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فقد تم تنفيذ أكثر من 30 مشروع شراكة في قطاع الطاقة بأساليب متنوعة، حيث بلغت القيمة الإجمالية للاتفاقيات ما يزيد على 3.4 مليار دينار، خلال الـ20 سنة الماضية. ومن أبرز هذه المشاريع "مشروع أنبوب الغاز الطبيعي من العقبة إلى شمال المملكة (المرحلة الثانية لخط الغاز العربي)"، "محطتا شرق عمان والقطرانة"، إضافة إلى "مشروع شركة رياح الأردن في الطفيلة".
كما تضمنت هذه المشاريع، مشروع شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر/ بينونة) في الموقر، ومشاريع الخلايا الشمسية لتوليد الكهرباء في مرحلتيها الأولى والثانية، إلى جانب مشاريع الرياح لتوليد الكهرباء في المرحلة الأولى.
مشاريع الطاقة رافعة للنمو والتكامل المجتمعي
بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور قاسم الحموري "إن مشاريع الطاقة تعد إحدى الركائز الرئيسة في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته، إذ تساهم في خفض كلف الإنتاج على القطاعات الصناعية والخدمية المختلفة، ما ينعكس إيجابا على كفاءة الاقتصاد الأردني وجاذبيته للاستثمار".
وأضاف أن هذه المشاريع تمثل أداة استراتيجية لتحقيق التنمية الشاملة، ما يستدعي من الدولة مواصلة دعمها وتشجيع التوسع فيها، عبر حوافز واضحة وتشريعات محفزة للقطاعين العام والخاص.
وأشار الحموري إلى أن تنفيذ مشاريع الطاقة في مناطق مختلفة من المملكة، يتيح توسيع أثرها التنموي ليشمل المجتمعات المحلية المحيطة من خلال مبادرات المسؤولية المجتمعية التي تتبناها الشركات المنفذة، إذ تستطيع تلك الشركات، ضمن أطر قانونية ومؤسسية واضحة، تزويد الأسر ذات الدخل المحدود بالطاقة الكهربائية أو بأنظمة طاقة شمسية صغيرة على سبيل التبرع، بما يخفف من الأعباء المعيشية عن تلك الفئات، ويدعم العدالة الطاقية في المناطق النائية.
كما بين أن مشاريع الطاقة، يمكن أن تساهم في تحسين بيئة التعليم والخدمات العامة، عبر تزويد المدارس الأساسية ومرافق المجتمع المحلي بالطاقة المتجددة، ما يوفر نفقات تشغيلية ويساهم في خلق بيئة تعليمية أكثر استدامة. وبهذا المعنى، تصبح مشاريع الطاقة وسيلة مزدوجة لتحقيق الكفاءة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية في آن واحد.