الغد-إبراهيم المبيضين
مع استمرار تواضع معدلات النمو الاقتصادي المحلية خلال السنوات الأخيرة تحت وطأة مجموعة من التغيرات والظروف الاستثنائية يدعو خبراء لاستخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة لزيادة فعالية قطاعات اقتصادية حيوية من شأنها أن تدعم أداء الاقتصاد الكلي.
ويؤكد الخبراء أن الذكاء الاصطناعي بأدواته وتقنياته المتنوعة يمكن أن يقدم مزايا كبيرة منها زيادة الانتاجية واختصار الوقت والجهد، ورفع الكفاءات ما يعني النهوض بقطاعات حيوية على رأسها الصحة والزراعة والطاقة والسياحة وغيرها من القطاعات التي بدأت الحكومة تطبق مشاريع متنوعة فيها ضمن الاستراتيجة الوطنية للذكاء الاصطناعي.
لكن الخبراء شددوا على ضرورة تنفيذ مزيد من المشاريع للذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية، مع اهمية تبني شركات ومؤسسات القطاع الخاص لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والعمل بالتوازي بالتنسيق والتعاون بين الجهات المعنية على جوانب تشريعية وجوانب بناء القدرات والتوعية للشباب وتزويدهم بالمهارات الرقمية في هذه التقنية وتوفير الاستثمار والتمويل للبحث العلمي في هذا المجال وريادة الاعمال حتى تسهم كل المنظومة في تحسين واقع الاقتصاد باستخدام ادوات الذكاء الاصطناعي.
الاستثمار في الاقتصاد الرقمي
وقال الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي وريادة الاعمال م.هاني البطش "في ظل محدودية الموارد الطبيعية، يُعد الاستثمار في الاقتصاد المعرفي والاقتصاد الرقمي خياراً وطنياً حتمياً" مشيرا الى ان الذكاء الاصطناعي يعتبر أحد أبرز أعمدة هذا الاقتصاد.
وأكد البطش ان الذكاء الاصطناعي " يستطيع أن يُحدث تحولاً نوعياً في قطاعات مثل الصحة والتعليم والزراعة والخدمات الحكومية، من خلال الأتمتة الذكية وتحليل البيانات الضخمة، مما يرفع من كفاءة الأداء وجودة الخدمات، كما يمكن أن يسهم في تقليص الفجوة الجغرافية من خلال توفير حلول تقنية للمجتمعات الطرفية، ويعزز من الشمول الاقتصادي والاجتماعي".
واضاف "على المستوى الوطني، فإن بناء بيئة تشريعية مرنة وداعمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتطوير رأس المال البشري، سيمكن الأردن من أن يتحول إلى مركز إقليمي لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي وتصدير الكفاءات التقنية".
ولفت الى ان هذا التوجه يتسق مع رؤية التحديث الاقتصادي، ويعزز من فرص توفير وظائف نوعية للشباب الأردني، وتحفيز الاستثمارات التكنولوجية، وتعزيز مكانة الأردن كمركز إقليمي للابتكار.
ماذا يجب أن تفعل الحكومة؟
قال البطش ان على الحكومة أن تضع استراتيجية وطنية متكاملة للذكاء الاصطناعي، تربط بين أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقدرات التقنية والتعليمية للمملكة وتعمل على تحديث التشريعات والأنظمة لتمكين استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية، مع ضمان الحوكمة الأخلاقية وحماية الخصوصية.
وكذلك تنفيذ "الاستراتيجية الأردنية للذكاء الاصطناعي والخطة التنفيذية 2023-2027" ، وهي تشتمل 68 مشروعا، وتركز على بناء المنظومة الداعمة للذكاء الاصطناعي في الأردن، وتطوير القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية (الخدمات الحكومية الرقمية، الصحة، التعليم، الطاقة، المياه، الزراعة، المدن الذكية، وغيرها)ـ، حيث حققت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة تقدمًا ملموسًا، وقامت بتنفيذ عدد من المشاريع النوعية والعمل على مبادرات استراتيجية تهدف إلى تعزيز منظومة الذكاء الاصطناعي في المملكة، كما اقرت الميثاق الاخلاقي الوطني للذكاء الاصطناعي.
الى ذلك، قال البطش ان على الحكومة ايضا العمل على تحفيز الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، خاصة مراكز البيانات، الحوسبة عالية الأداء، وربط المدن والمناطق النائية بشبكات إنترنت عالية السرعة، ودعم البحث والتطوير وتمويل مشاريع الذكاء الاصطناعي المحلية من خلال برامج وطنية وتشجيع الشراكات مع القطاع الخاص والجامعات.
أدوار المؤسسات والشركات
وعن الادوار المطلوبة من المؤسسات، قال البطش "يجب ان تتبنى التحول الرقمي القائم على الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة التشغيلية وتطوير الخدمات والمنتجات، والعمل على بناء القدرات الداخلية من خلال تدريب الموظفين وتأهيل فرق تحليل البيانات وتطوير النماذج الذكية، واطلاق مختبرات ابتكار ومراكز تجريبية لاختبار استخدامات الذكاء الاصطناعي في بيئة محكومة قبل التوسع بها، فضلا عن اهمية تعزيز التعاون مع الجامعات ومراكز البحوث لاستقطاب الكفاءات وتحويل البحث العلمي إلى حلول تطبيقية".
وعن الادوار المطلوبة من الافراد لإدماج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد والمساهمة في تمتينه، قال البطش "يجب العمل مع الافراد والشباب على تعزيز الوعي الرقمي ومهارات الذكاء الاصطناعي من خلال التعليم المدرسي والجامعي، والمنصات التدريبية الرقمية، كما يجب العمل على تشجيع ريادة الأعمال في مجالات الذكاء الاصطناعي من خلال حاضنات أعمال ومسابقات وطنية للابتكار".
وأكد أهمية الانخراط في مشاريع مفتوحة المصدر أو المشاركة في تحديات عالمية لتطوير القدرات والمنافسة عالميا، وتبني عقلية التعلم المستمر، نظراً للتطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.
وأكد البطش أن نجاح الأردن في تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة الاقتصاد يعتمد على هذا التكامل في الأدوار، ضمن رؤية وطنية واضحة، تقودها الدولة وتنفذها بالتعاون مع الجميع.
الذكاء الاصطناعي ضرورة تنموية
ومن جانبه، قال الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي والميتافيرس رامي الدماطي "الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفاً تقنياً، بل أصبح أداة استراتيجية لتحسين كفاءة الخدمات الحكومية، وتعزيز الإنتاجية في القطاعات الصناعية والزراعية، وتطوير التعليم والرعاية الصحية".
وبين ان إدخاله في هذه القطاعات يعني تقليل التكاليف، ورفع مستوى الجودة، واتخاذ قرارات مدعومة بالبيانات كذلك، فإن امتلاك القدرة على بناء وتطويع هذه التقنيات محلياً يعزز من سيادة القرار الرقمي ويحمي الاقتصاد الوطني من التبعية التكنولوجية.
ويرى الدماطي ان من ابرز القطاعات التي يمكن ان تستفيد من الذكاء الاصطناعي هو القطاع الصحي حيث يمكن استخدامه وتطويعه لاغراض التشخيص، الروبوتات الجراحية، التحليلات الطبية، والقطاع المالي حيث يمكن استخدامه لكشف الاحتيال، والتنبؤ بالأسواق.
وقال "الذكاء الاصطناعي يمكن ان يطوع اليوم في مجال الأمن السيبراني في مجال الاستجابة التلقائية، ومراقبة الشبكات، كما يمكن تطويعه في قطاع التعليم والتعلم الذكي والتصحيح والتحليل الاكاديمي، وفي المجال الصناعي ايضا حيث يمكن ان يستفاد منه في عمليات الأتمتة، الصيانة التنبؤية، التحكم في الجودة
وشدد الدماطي على اهمية تزويد الشباب اليوم بمهارات المستقبل لا سيما الذكاء الاصطناعي لان هؤلاء الشباب هم من سيقودون المستقبل، في مختلف القطاعات كما ان امتلاك مهارات استحخدام الذكاء الاصطناعي سيعزز فرصهم في الحصول على اعمال ووظائف او انشاء مشاريع ريادية في هذا الاطار.
فوائد الذكاء الاصطناعي للاقتصاد
يرى الخبير الاقتصادي والاستثماري وجدي المخامرة أن الذكاء الاصطناعي يُسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي من خلال العديد من المزايا التي يوفرها ومنها زيادة الإنتاجية إذ تعتمد العديد من الشركات والمؤسسات في الأردن على نماذج عمل تقليدية، لكن إدخال الذكاء الاصطناعي في العمليات الصناعية والخدمية يمكن أن يقلل التكاليف، ويزيد سرعة الإنجاز، ويقلل من الأخطاء البشرية.
واشار الى ان الذكاء الاصطناعي يسهم في تحفيز الابتكار إذ يدفع الشركات الناشئة والمبتكرين الأردنيين إلى تطوير حلول ذكية في مجالات مثل الزراعة الدقيقة، الصحة الرقمية، والخدمات المالية، فضلا عن الدور الذي يمكن ان يلعبه في فتح أسواق جديدة حيث يتيح الذكاء الاصطناعي فرصًا للتوسع في مجالات مثل تحليل البيانات الضخمة، الأمن السيبراني، وخدمات التعلم الآلي، ما يُعزز من التنويع الاقتصادي.
القطاعات المتأثرة إيجابًا في الأردن
وعن ابرز القطاعات التي يمكن ان تتأثر ايجابا بالذكاء الاصطناعي في المملكة، اكد المخامرة انها تشمل قطاعات الصحة إذ يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التشخيص المبكر للأمراض، وتحليل الصور الطبية، أن ترفع جودة الرعاية الصحية وتقلل الكلفة، وقطاع التعليم حيث تسهم منصات التعليم الذكية في تحسين جودة المحتوى وتوفير تعليم شخصي للطلبة، ما يعزز رأس المال البشري على المدى الطويل.
وبين المخامرة ان من القطاعات التي يمكن ان تتاثر ايجابا بالذكاء الاصطناعي قطاع الزراعة حيث تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاج الزراعي عبر مراقبة التربة والري والتنبؤ بالمحاصيل، وقطاع الخدمات الحكومية حيث بدأت الحكومة الأردنية باستخدام الروبوتات والدردشة الآلية " التشات بوت" وتحسين تجربة المواطن وتبسيط الإجراءات، الى جانب عملها على مشاريع تطبيقية بدات بها في اربع قطاعات حيوية.
التحديات التي تواجه الأردن في تبني الذكاء الاصطناعي
وتحدث المخامرة عن تحديات يمكن ان تواجه الأردن في ادخال الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد، رغم الإمكانيات الهائلة، منها تحدي البنية التحتية الرقمية إذ ما تزال بعض المناطق تعاني من ضعف الإنترنت ونقص في مراكز البيانات.
وأشار المخامرة الى تحدي نقص الكفاءات البشرية حيث توجد فجوة في عدد المختصين في مجالات الذكاء الاصطناعي والبرمجة وتحليل البيانات، فضلا عن تحدي الاطار التشريعي والتنظيمي حيث ما تزال الحاجة قائمة لوضع سياسات واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وتحمي الخصوصية والبيانات.
وأكد أن هنالك تحدي التمويل والاستثمار اذ تحتاج الشركات الناشئة والمبتكرون إلى مزيد من الدعم الحكومي والتمويلي لتطوير مشاريعهم.
توصيات لتعزيز الأثر الاقتصادي الإيجابي للذكاء الاصطناعي
ودعا المخامرة الى وضع استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تُركز على البحث والتطوير، وتطبيق الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية، كما دعا الى دمج الذكاء الاصطناعي في مناهج التعليم العالي والتقني، وتوسيع برامج التدريب المهني في هذا المجال، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي في الشركات التكنولوجية، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتسريع تنفيذ الحلول الذكية، وتطوير تشريعات ذكية مرنة توازن بين الابتكار وحماية البيانات والأمن.