الغد
يثبت الاقتصاد الأردني أنه ليس هشًا كما يحاول البعض تصويره، الدين العام مرتفع؟ نعم، لكن الأهم أنه مستقر ويتم سداده في مواعيده دون انزلاق أو تهرب، وهذا ليس تبريرًا، بل قراءة واقعية، فالأردن واجه أزمات غير مسبوقة: من جائحة كورونا، وحتى تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية، ومن ثم ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا، وتداعيات حرب الإبادة على الاشقاء في قطاع في غزة، ومع ذلك واصل الاقتصاد الوطني التماسك.
دخل المواطن بقي مستقرًا، والتضخم عند حدود آمنة، والدعم الأساسي – كهرباء، ماء، خبز، علاج – ما يزال قائمًا، رغم كلفته الباهظة على المالية العامة، لكن لا يمكن الاستمرار في هذا النهج العشوائي بدعم الجميع، الغني قبل الفقير، والمقيم قبل المواطن، فهذا استنزاف غير مبرر، وآن الأوان لوضع حد له.
ولا يمكن لدولة تعاني من عجز متزايد أن تواصل دعم الجميع بلا تمييز، فهذا أمر غير عادل وغير منطقي، وهو باب مفتوح لهدر المال العام، فلا مبرر لاستمرار الدعم للفئات غير المحتاجة، سواء كانوا من الأغنياء أو من غير المواطنين، فالتحول إلى إيصال الدعم لمستحقيه فقط ليس مجرد إجراء تقشفي، بل خطوة ضرورية لتحقيق العدالة المالية والاجتماعية.
وعلى صعيد المؤشرات، تشير توقعات البنك المركزي إلى نمو الاقتصاد بنسبة 2.7 % في 2025، مع احتمالات بالوصول إلى 3.5 % على المدى المتوسط، وقد بلغ معدل التضخم 2.2 % خلال أول شهرين من العام الحالي، مع توقعات باستقراره عند 2 % في العام المقبل، مما يحافظ على القوة الشرائية ويعزز تنافسية الاقتصاد، كما انخفض معدل الدولرة إلى 18.4 %، وهو مؤشر على تنامي الثقة بالدينار الأردني والقطاع المصرفي.
أما من حيث الأداء الفعلي، فقد نمت الصادرات بنسبة 4.1 % لتصل إلى 12.1 مليار دولار، وارتفع الدخل السياحي بنسبة 22 %، وتحسنت تحويلات المغتربين بنسبة 2.8 %، كما جذبت المملكة استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 1.3 مليار دولار، رغم الأوضاع الإقليمية غير المستقرة، مما دعم الاحتياطات الأجنبية وحفّز الطلب المحلي.
البنك المركزي الأردني، بسياساته النقدية الحذرة، يمثل حجر الأساس في هذا الاستقرار، إذ إن التزامه الواضح بتحقيق الاستقرار النقدي، وتعزيز منعة النظام المصرفي، هو ما يضمن أن يبقى الأردن واقفًا على قدميه، حتى وسط الأزمات، فالبنك المركزي لا يُطلق تصريحات إنشائية، بل ينفذ سياسة نقدية صارمة وواعية، تثبّت أركان الاستقرار وتمنع الانزلاق نحو فوضى اقتصادية.
نعم، هناك تحديات، وهناك أخطاء، لكن من الإنصاف أن نقول إن الاقتصاد الأردني يُدار بحذر ومهنية، فالواقع واضح ان الأردن ينجح في البقاء واقفًا وسط العواصف، ومن لا يرى ذلك، لا ينقصه التحليل، بل الإنصاف.