أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    04-Nov-2019

سوق الأسهم والمليون خبير
أرقام -  "برأيك، إلى أين سيتجه سوق الأسهم خلال الفترة القادمة؟".. يدور السؤال السابق في أذهان كل المشاركين في سوق الأسهم دائما. والطريف أنه هو نفس السؤال الذي يعتقد الجميع أنه يعرف إجابته بغض النظر عن الاتجاه المستقبلي للسوق والأسباب الكامنة وراءه.
 
إذا رجعنا إلى النقاشات والتحليلات التي أعقبت انهيار فبراير/شباط 2006 فسيخرج أغلبنا بانطباع مفاده أن أغلب المشاركين في السوق كانوا يتوقعون ما حدث، وسنلاحظ ظهور عبارات على ألسنة الخبراء والمستثمرين من نوعية "لقد توقعت ذلك منذ البداية" أو "لقد كان واضحاً أن السوق يعاني من فقاعة" أو "كنت أعرف، كيف لم تلاحظه أنت أيضاً؟".
 
فقبل أن تبرد نيران الأزمة بدأ الكل يتنافس في سرد العوامل والأسباب التي تدعم وتؤسس لفكرة أن الفقاعة كانت واضحة منذ البداية وأن انفجارها كان منطقيا جداً.غير أن الحقيقة هي أن فقاعة 2006 مثلها مثل كل الفقاعات الشبيهة التي شهدتها أسواق الأسهم العالمية لم يتوقعها فعلاً سوى قلة قليلة جداً جداً، وأن أغلب من ادعى بعد انفجار الأزمة أنه كان يتوقعها إما كاذب أو مخادع لنفسه.
 
الكثير من المشاركين في السوق في ذلك الوقت سيطر عليهم بعد انفجار الفقاعة شعور بأنهم كانوا يتوقعون ما حدث، لأنهم حينما نظروا إلى الوراء في تلك اللحظة شاهدوا بالفعل كل الدلائل التي توضح أن السوق كان يعاني من فقاعة، ولكنهم في نفس الوقت قاموا بنسيان أسباب عدم وضوح تلك الدلائل قبل الأزمة.
 
 
 
الوهم!
 
 
 
الادعاء بأننا كنا نعرف بأن ما حدث كان سيحدث هو شعور مرضي ونوع من أنواع المغالطات أو التحيزات النفسية. فبمجرد أن يقع أي حدث يسهل علينا جميعاً سرد الأسباب التي تدعم فكرة أن هذا الحدث كان متوقعاً وقابلاً للتنبؤ وذلك من خلال جمع المعلومات من الماضي وإعادة تشكيلها وتطويعها لكي تلائم ما حدث وتظهره كما لو أنه شيء حتمي أو منطقي جداً حتى لو أنه في الحقيقة لم يكن كذلك.
 
 
 
ولماذا نذهب بعيداً، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بعد أن فاز "دونالد ترامب" بانتخابات الرئاسة الأمريكية خرج علينا نفس الخبراء الذين كانوا يؤكدون قبل الانتخابات على ضعف حظوظ الملياردير الأمريكي أمام منافسته "هيلاري كلينتون" ليوضحوا للعامة كيف أن النتيجة كانت منطقية ومتوقعة وواضحة جداً منذ البداية.
 
 
 
هذا الشكل من أشكال التحيز يسميه علماء النفس "تحيز الإدراك المتأخر" (Hindsight bias)، وهو شعورك بعد وقوع حدث معين بأنك كنت تعرف أنه سيحدث، وأن النتيجة الحاصلة هي النتيجة الوحيدة التي كانت ممكنة. وهذا يحدث بسبب أنه يسهل علينا فهم واستيعاب النتائج والأحداث التي وقعت بالفعل أكثر من الاحتمالات العديدة التي لم تتحقق. وهو ما يدفعنا إلى المبالغة في تقديرنا لدقة توقعاتنا.
 
 
 
 
 
في بيئة معقدة تتسم بعدم اليقين كالتي نعيش فيها هذه الأيام، يوفر لنا "تحيز الإدراك المتأخر" شكلاً من أشكال الراحة لأنه يشعرنا كما لو أننا نسيطر سيطرة كاملة على الأشياء، وهو ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه يمكننا التنبؤ بمسار الأحداث المستقبلية. وهذا في الحقيقة هو خطر اختيار البيانات بشكل انتقائي من الماضي لتفسير نتيجة أو حدث معين.
 
 
 
يؤثر تحيز الإدراك المتأخر بشكل أساسي على كيفية رؤية الناس للأحداث غير المتوقعة مثل الهجمات الإرهابية والأزمات المالية والكوارث الطبيعية. ففي التقرير الذي أعدته اللجنة المشتركة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول عملية الإعداد والاستجابة لإعصار "كاترينا" الذي ضرب السواحل الأمريكية في عام 2005، تم ذكر عبارة "كان يجب" 42 مرة.
 
 
 
كان معدو التقرير واقعين بشكل واضح تحت تأثير "تحيز الإدراك المتأخر" وهو ما بدا واضحاً حين لم يستطع أعضاء اللجنة الإجابة عن أكثر الأسئلة الموجهة إليهم أهمية وهو: لماذا لم تتوقع السلطات الفيدرالية عواقب الإعصار الذي ضرب سواحل نيو أورلينز؟ ببساطة لأن العوامل التي تراها اللجنة واضحة الآن لم تكن كذلك قبل سنوات.
 
 
 
هل أخطأ أخصائي الأشعة؟
 
 
 
كجزء من عملية فحص بدني روتينية خضع رجل أمريكي يبلغ من العمر 66 عاماً لفحص بالأشعة في أحد المستشفيات المحلية بالولايات المتحدة. وحينها أشار أخصائي الأشعة إلى أن الصور الأمامية والخلفية للأشعة توضح أن الوضع الصحي للرجل طبيعي جداً.
 
 
 
على هذا الأساس لم يقم الرجل الذي ذكرت قصته مجلة الأشعة الأمريكية "إيه جي آر" عام 2000 بزيارة الطبيب مرة أخرى إلا بعد مرور 3 أعوام ونصف العام عندما كان يعاني من السعال ويشعر بآلام بالصدر.  
 
 
وحينها كشفت الأشعة التي تم إجراؤها أن هناك ورما خبيثا في الصدر. وخضع الرجل للعلاج ولكنه توفي بعد 16 شهراً، قبل أن يرفع أهله دعوى قضائية ضد أخصائي الأشعة واتهامه بالتقصير في عمله وسوء ممارسة المهنة بسبب فشله في تشخيص الورم من البداية.
 
 
 
عندما ذهبت القضية إلى المحكمة، طلب محامي الدفاع من الخبراء الذين تم استدعاؤهم من قبل المحكمة للاستشارة الفنية النظر في صور الأشعة التي تم إجراؤها قبل ثلاث سنوات ونصف السنة وتحديد ما إذا كان هناك شيء غير طبيعي بها. ولم يستطع الخبراء التعرف على الورم – الذي كان موجوداً بالفعل ولكنه صغير جداً – وأكدوا على أن الأشعة سليمة وأن تفسير الأخصائي المتهم صحيح.
 
 
 
 
 
لكن الطريف هو أن رأي الخبراء تغير بعد أن تم إطلاعهم من قبل محامي الادعاء على أحدث الأشعة والتي يظهر فيها الورم كبيراً وواضحاً. وحينها تمكنوا جميعاً بسهولة من تحديد مكان الورم الصغير –  طوله 3 سم –  في الأشعة القديمة، وادعوا أن الورم كان واضحاً وأنه كان يجب على الأخصائي المتهم التعرف عليه وأن إخفاقه في ذلك يعد إهمالاً.
 
 
 
هل كان يجب على أخصائي الأشعة المتهم التعرف على الورم الصغير؟ كان هذا هو السؤال الأساسي للقضية.
 
 
 
وحاول محامي الدفاع جاهداً شرح تواتر الأخطاء الإدراكية للخبراء المستشارين ووقوعهم تحت تأثير تحيز الإدراك المتأخر لهيئة المحلفين ولكن دون جدوى، حيث إن الهيئة نفسها كانت واقعة تحت نفس التأثير بعد اطلاعها على الأشعة الأحدث.
 
 
 
بعد 3 ساعات من المداولات قررت هيئة المحلفين بمحكمة ولاية ويسكونسن بأغلبية 10 مقابل 2 إدانة أخصائي الأشعة بالإهمال، ومنح عائلة المريض تعويضاً قدره 872 ألف دولار. وأصبحت لاحقاً هذه القضية يستشهد بها من قبل خبراء علم النفس على تأثير تحيز الإدراك المتأخر على قدرة الناس على الحكم.
 
 
 
المستثمرون في سوق الأسهم .. كيف يخدعون أنفسهم؟
 
 
 
الاستثمار ليس لعبة أرقام يفوز بها الأكثر دراية بعلم الرياضيات، بل هي عملية تعتمد بشكل كبير على اللياقة الذهنية للشخص وقدرته على السيطرة على مشاعره والتخلص من انحيازاته. ولذلك ينبغي أن يدرك المستثمر أن الأفكار التي تدور في رأسه لها بالغ التأثير على عملية اتخاذه للقرار الاستثماري.
 
 
 
وتعتمد عملية اتخاذ القرار الاستثماري في الأسواق المالية على قدرة المستثمر على التعلم ومعالجة المعلومات المتاحة. وتتطلب عملية التعلم الفعالة مقارنة المعلومات الجديدة بالتوقعات السابقة. فعلى سبيل المثال بعد كشف الشركة عن أرباحها، يجب على المستثمر مقارنة البيانات الجديدة بتوقعاته السابقة.
 
 
 
وفي الحقيقة، إن فهمك للتحيزات السلوكية وتأثيراتها المحتملة من شأنه أن يجعلك مستثمراً أفضل، لأن هذا سيساهم في رفع درجة وعيك بالقوى غير العقلانية التي تؤثر على قراراتك الاستثمارية. حيث يمكن للأحكام المشوهة وغير المنطقية أن تقودك إلى قرارات خاطئة ومنحازة، وبالتالي إلى خسائر فادحة.
 
 
 
يحدث "تحيز الإدراك المتأخر" بأكثر من طريقة في سوق الأسهم. فعلى سبيل المثال، قام مستثمر بشراء سهم الشركة "س"، ولكن عندما هبط سعر السهم، مال هذا المستثمر إلى الاعتقاد بأنه كان يعلم أن السعر سينخفض، وذلك على الرغم من أن كل المعلومات التي كانت متاحة في الماضي لم تكن كافية للتنبؤ بتلك النتيجة، ولكن عندما انخفض السعر وتوافرت معلومات أكثر بدت مسألة انخفاض السعر وكأنها حتمية وواضحة وقابلة للتنبؤ.
 
 
 
 
 
هذا السلوك يجعل المستثمرين يبالغون في تقديرهم لدقة توقعاتهم. هل المستثمر السابق كان يتوقع فعلاً انخفاض سعر السهم؟ قطعاً لا، وإلا ما كان اشتراه في المقام الأول. إذن لماذا يعتقد أنه كان يتوقع ذلك منذ البداية؟ ببساطة لأنه واقع تحت تأثير أوهام "تحيز الإدراك المتأخر" التي تجعله لا يرى سوى النتيجة الحاصلة فعلاً ويتجاهل كل الاحتمالات التي كان من الممكن أن تقع.
 
 
 
بعضنا بالتأكيد صادف هؤلاء الأشخاص الذين يدعون الحكمة بأثر رجعي، حيث تجدهم يحدثونك قائلين مثلاً "كيف تورطت في شراء السهم ص؟ أين كان عقلك؟" ويبدؤون في سرد الأسباب المنطقية التي تدعم حقيقة أن هذا السهم سهم سيئ. والسهم "ص" هو بالفعل سهم سيئ جداً، ولكن من كان بإمكانه أن يؤكد ذلك من البداية؟ بعد أن بدا واضحاً للجميع أنه سهم سيئ بدأ الكثيرون ينظرون ويبحثون عن دلائل تبرر الواقع، متجاهلين ربما عدم قدرتهم على الجزم بذلك من البداية.
 
 
 
أيضاً من التأثيرات السلبية لـ"تحيز الإدراك المتأخر" على المستثمرين هو أنه يعطيهم شعوراً زائفاً بالأمان والسيطرة أثناء عملية اتخاذ القرارات الاستثمارية، وهو ما قد يدفعهم إلى التعرض لمستويات غير مناسبة من المخاطرة، والاستهانة بحاجتهم إلى التحوط، حيث إن المستثمرين الواقعين تحت تأثير ذلك التحيز يعتقدون أن لديهم قدرة عالية على التنبؤ، غير أنهم في الواقع أبعد ما يكونون عن ذلك.
 
 
 
هذا التحيز يمكنه أيضاً أن يدفع المستثمر إلى ظلم الشخص القائم على إدارة محفظته الاستثمارية. فعلى سبيل المثال، إذا تراجع أداء المحفظة أو حققت عوائد ضعيفة في نهاية العام بسبب عدد من التطورات المفاجئة، يميل المستثمر إلى الاعتقاد بأن هذه التطورات كانت حتمية وكان ينبغي على مدير المحفظة توقعها، متناسياً أنه شخصياً لم يكن باستطاعته الجزم بذلك في بداية العام. ولكن بعد أن وقعت هذه التطورات أصبح التنظير لها سهلا جداً.
 
 
 
 
 
أما أخطر تأثيرات هذه الظاهرة على الإطلاق، فهو أنها تجعل المستثمر يتجاهل ضرورة التعلم من أخطائه. فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا أنك استثمرت في شركة إسمنت بعد أن قادك تحليلك إلى الاستنتاج بأن سهم الشركة سيرتفع بسبب العاملين "أ" و"ب".
 
 
 
وبالفعل ارتفع سعر السهم، ولكن بسبب عوامل أخرى غير "أ" و"ب". المستثمر الواقع تحت تأثير تحيز الإدراك المتأخر سيشعر أن تحليله كان صحيحاً وأنه كان محقاً من البداية حين اشترى السهم، متجاهلاً حقيقة أن السهم ارتفع بسبب عوامل أخرى غير تلك التي توقعها.
 
 
 
في حين أن المستثمر الذكي على الرغم من ارتفاع سعر السهم سيشعر بالقلق من أن العوامل التي اعتقد أنها مهمة لم يكن لها في الواقع أي تأثير على أداء السهم، وسيعيد النظر في الأسباب التي دفعته لشراء السهم ويحاول فهم أسباب ارتفاعه، سيكون أكثر حذراً في المرات القادمة.
 
 
 
كيف نقع في هذا الفخ؟
 
 
 
يحدث تحيز الإدراك المتأخر بسبب أن ذاكرتنا كبشر بطبيعتها ترميمية وقابلة للخطأ، ويمكن لها بسهولة جداً تكوين ذكريات زائفة وبواقعية مذهلة. فنحن ليس لدينا ذاكرة مثالية. فعلى عكس ما قد يعتقده البعض، الذاكرة ليست كالملفات التي نحتفظ بها على أجهزة الكمبيوتر ونعود إليها كلما احتجنا معلومة ما.
 
 
 
ذاكرتنا تعمل بطريقة مختلفة كالآتي: نظرتنا للعالم مجزأة، فنحن نتذكر خبراتنا ومشاعرنا ومشاهداتنا في صور صغيرة جداً. أي أننا في الواقع لا نحتفظ سوى بأجزاء صغيرة غير كاملة من المعلومات.
 
 
 
وحين نحاول استرداد هذه المعلومات تظهر هناك فجوات يحاول كل منا أن يملأها بطريقته، ولا يهم إذا كانت تلك المعلومات مصدرها أحداث حقيقية فعلية أو أحداث سابقة أو أحداث مستقبلية افتراضية. ولذلك يشير علماء الأعصاب إلى أن المرونة التي تتسم بها الذاكرة تجعلها عرضة لعمليات محاكاة غير حقيقية.
 
 
 
 
 
باختصار، السبب الرئيسي الذي يجعلنا عرضة للوقوع تحت تأثير تحيز الإدراك المتأخر، هو أن أدمغتنا تحاول طوال الوقت معالجة أمرين: الأول هو النتائج الحقيقية الحالية المعروفة، والثاني هو الذكريات التي نسينا أغلبها ونحاول بالكاد إعادة بنائها.
 
 
 
وحين تواجه أدمغتنا هذين المدخلين معاً، يصعب علينا تقييم الماضي عندما يكون الحاضر معروفاً بالفعل. وهكذا نقع تحت هذا التأثير.