أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    16-Dec-2025

الأردن والهند.. من علاقات تاريخية إلى شراكة اقتصادية بآفاق عالمية

 من عمان إلى نيودلهي.. طريق التجارة أطول لكنه واعد

الغد-يوسف محمد ضمرة
 تدخل العلاقات الاقتصادية بين الأردن والهند مرحلة جديدة مدفوعة بزخم سياسي متصاعد، يتجسد في زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى عمان، وما رافقها من انعقاد المنتدى الأردني–الهندي للأعمال.
هذه التطورات لا يمكن قراءتها بمعزل عن التحولات الجارية في الاقتصاد العالمي، ولا عن حاجة الأردن إلى تنويع شراكاته التجارية والاستثمارية، والانفتاح على أسواق ذات نمو مرتفع وقدرة شرائية كبيرة.
وتعود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لأكثر من 75 عاما، وتعد الهند من أكبر الاقتصادات في العالم، علما بأنها ثالث أكبر شريك تجاري للأردن.
الهند شريك اقتصادي بوزن عالمي
وتمثل الهند اليوم خامس أكبر اقتصاد في العالم، مع ناتج محلي إجمالي يتجاوز 4 تريليونات دولار، وسوق استهلاكية يناهز عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، مدفوعة بنمو سريع في قطاع الخدمات والتحول الرقمي وقاعدة سكانية شابة. وهذا الثقل الاقتصادي يجعل من الهند شريكًا استراتيجيًا للأردن، ليس فقط كسوق لتصريف الصادرات، بل كمصدر للاستثمار ونقل المعرفة والتكنولوجيا.
قراءة في أرقام التبادل التجاري
وتشير البيانات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين كبير نسبيا، إلا أن تطوره اتسم بالتذبذب خلال عام 2024، قبل أن يعاود التحسن في عام 2025. فقد سجلت الصادرات الأردنية إلى الهند خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي نموا ملحوظًا بنسبة 18 %، في مقابل تراجع المستوردات بنسبة 28 %، ما انعكس إيجابًا على الميزان التجاري لصالح الأردن.
هذا التحسن لا يعكس فقط عوامل ظرفية، بل يشير إلى وجود قدرة تصديرية كامنة لدى الاقتصاد الأردني، خاصة في قطاعات التعدين، والأسمدة، والصناعات الكيماوية، التي تتمتع بميزة نسبية واضحة في السوق الهندية.
وعند التدقيق بالميزان التجاري بين البلدين الصديقين يتبين أن أهم الصادرات الأردنية إلى الهند تشمل الملح، والكبريت، والأرضيات والحجارة، ومواد الجص، والجير والإسمنت، والمواد الكيميائية غير العضوية، والأسمدة، والألومنيوم. وقد بلغ حجم الصادرات الأردنية إلى الهند نحو 1.399 مليار دولار أميركي. 
في المقابل أهم المستوردات من الهند هي الوقود المعدني، والزيوت المعدنية، والحبوب، والمواد الكيميائية العضوية، واللحوم، والقهوة، والشاي، والمتة، والتوابل، والزيوت العطرية، والحديد، والفولاذ، والمطاط. وقد بلغ حجم الواردات من الهند نحو 0.931  مليار دولار أميركي، وبلغ إجمالي الاستثمارات الهندية في الأردن حوالي  1.63مليار دولار أميركي حتى عام 2024، علما بأن المستثمرين الهنود يمتلكون أكثر من 15 شركة عاملة في قطاع صناعة الألبسة. 
فرص تصديرية غير مستثمرة
وتُظهر الدراسات المتخصصة أن الأردن يمتلك نحو ألفي منتج وطني قادر على النفاذ إلى السوق الهندية، بقيمة فرص تصديرية غير مستثمرة تُقدّر بنحو 1.4 مليار دولار. وتتركز هذه الفرص في قطاعات:(الصناعات التعدينية والأسمدة والصناعات الكيماوية ومستحضرات التجميل والصناعات الغذائية والتموينية والصناعات البلاستيكية والمطاطية.
ويعكس ذلك أن العلاقة التجارية الحالية ما تزال تعتمد على عدد محدود من السلع، ما يحدّ من أثرها الاقتصادي الكلي، ويبرز الحاجة إلى تنويع قاعدة الصادرات وتعزيز القيمة المضافة للمنتج الأردني.
المنتدى الاقتصادي كأداة لتحفيز الاستثمار
ولا تقتصر أهمية المنتدى الأردني–الهندي للأعمال على كونه منصة ترويجية، بل يشكل أداة عملية لربط القطاع الخاص في البلدين، وتحويل الاتفاقيات الحكومية إلى مشاريع مشتركة. فوجود استثمارات هندية قائمة في الأردن بقيمة تقارب 1.46 مليار دينار، موزعة على عشرات الشركات، يشير إلى ثقة المستثمر الهندي بالبيئة الاستثمارية الأردنية.
وتكمن الفرصة في الانتقال من نموذج الاستثمارات التقليدية إلى شراكات إنتاجية وتقنية، خصوصًا في مجالات الصناعات الدوائية، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية، بما يسهم في خلق فرص عمل وتعزيز نقل التكنولوجيا.
ويشارك في المنتدى قادة أكثر من 20 شركة هندية كبرى في مجالات التصنيع والهندسة والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والرعاية الصحية والأدوية والبنية التحتية والخدمات اللوجستية والخدمات المالية. 
كما تشارك شركات القطاع الخاص الأردنية من نفس القطاعات من أجل العمل على تأسيس شراكات فعالة.
ومن المتوقع أن يتم توقيع مذكرات تعاون بين البلدين خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي (مذكرة تفاهم في مجال الطاقة المتجددة، وبرنامج تبادل ثقافي، وخطاب نوايا بشأن التعاون في مجال التحول الرقمي، ومذكرة تفاهم في مجال إدارة الموارد المائية، واتفاقية التوأمة بين مدينة البترا وكهوف إلورا (الهند).
ويمثل المنتدى الاقتصادي وزيارة رئيس الوزراء الهندي فرصة إستراتيجية لإعادة رسم مسار هذه العلاقات، بما يخدم أهداف الأردن في تنويع أسواقه وتعزيز قدرته على الصمود الاقتصادي، ويمنح الهند شريكًا إقليميًا موثوقًا في منطقة ذات أهمية استراتيجية متزايدة.
التكامل الاقتصادي
ويمتلك الأردن والهند مقومات تكامل اقتصادي واضحة؛ فالأردن يوفر موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، واتفاقيات تجارة حرة مع أسواق رئيسية، واستقرارًا تشريعيًا نسبيًا، في حين توفر الهند سوقًا ضخمة، وقدرات صناعية وتقنية متقدمة، وتكلفة إنتاج تنافسية.
هذا التكامل يفتح المجال أمام نموذج التصنيع المشترك وإعادة التصدير، بحيث تتحول الأردن إلى منصة إقليمية للشركات الهندية نحو أسواق الشرق الأوسط وأوروبا، وفي المقابل تستفيد الشركات الأردنية من النفاذ إلى السوق الهندية عبر شراكات محلية.
التحديات.. شرط التحول النوعي
ورغم الفرص الكبيرة، تواجه العلاقات الاقتصادية بين البلدين جملة من التحديات، أبرزها كلف الشحن، والمتطلبات الفنية والتنظيمية، وشدة المنافسة في السوق الهندية، إضافة إلى محدودية المعرفة بالمنتج الأردني داخل هذا السوق.
وتجاوز هذه التحديات يتطلب سياسات نشطة تشمل تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، ودعم أدوات الترويج والتمويل للصادرات، وتبسيط الإجراءات الفنية والاعتراف المتبادل بالمواصفات، وبناء منصات معلومات سوقية محدثة للمصدرين.
ويمكن القول إن العلاقات الاقتصادية الأردنية–الهندية تقف اليوم على مفترق طرق: فإما أن تبقى ضمن إطار تبادل تجاري تقليدي محدود، أو أن تنتقل إلى شراكة اقتصادية متكاملة تقوم على الاستثمار المشترك، ونقل المعرفة، وتعظيم القيمة المضافة.