الغد-فرح عطيات
وضعت نتائج تقرير توقعات البيئة العالمية دول العالم أمام خيارين، أحدهما الاستمرار على الطريق المؤدي لمستقبل مدمّر بسبب تغيّر المناخ، وتدهور الطبيعة والأراضي، وتلوّث الهواء، أو تغيير المسار لضمان كوكب سليم، وأناس أصحاء، واقتصادات مزدهرة.
وأشار التقرير إلى غياب كلي للتعاون الإقليمي في مواجهة أزمة المُناخ التي يشهدها الأردن والعالم، وهو ما يعقّد تغيير المسار، الذي يتطلب اتباع نهج يشمل المجتمع والحكومة بأكملهما لتحويل الأنظمة المرتبطة بالاقتصاد والتمويل، والمواد والنفايات، والطاقة، والغذاء، والبيئة التي يمكنها في نهاية الأمر تحقيق فوائد اقتصادية.
وقدم خبراء في البيئة مسارين للتحوّل، أحدهما يركّز على تغيير السلوكيات للحدّ من الاعتماد على الاستهلاك المادي، والآخر يعتمد أساسا على التطوّر التقني وتحسين الكفاءة.
محدودية استخدام الطاقة المتجددة
ومن وجهة رئيس مجلس إدارة جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة د. دريد محاسنة، فإن الاعتماد على الطاقة المتجددة في الأردن محدود، بسبب العوائد المالية المتأتية من الوقود الأحفوري.
لافتا إلى أن التعاون الإقليمي في مواجهة أزمة المُناخ التي يشهدها الأردن والعالم غائب كليا، لذلك باتت المملكة تشهد ظروفا مناخية متطرفة، تتسم بقلة الأمطار، وشح المياه.
وأضاف أن كل ذلك، أشير إليه بوضوح في نتائج تقرير حالة البيئة، لكن التدهور البيئي الناجم عن الحروب التي تسبب بها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين كانت غائبة، والتي طالت دولا مجاورة مثل الأردن، بالإضافة لعدم وجود اتفاق دولي على محاربة البلاستيك، والحد منه، والتحديات التي تواجه ملف قطاع إدارة النفايات ككل.
ولتحسين الواقع البيئي محليا، رأى محاسنة، أن هنالك حاجة لتغيير النهج القائم في التعامل مع هذا الملف، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي، كواحد الحلول لمعالجة هذه القضايا، والتي لم يتطرق إليها التقرير.
وهذا النهج، يجب أن يأخذ بالاعتبار التعاون من أصحاب المصلحة كافة، وأن ينظر للمشكلات البيئية على أنها فرصة لخفض الكلفة العلاجية الصحية الناجمة عنها.
وحتى على صعيد العالم، فإن ثمة تحول أيديولوجي في دول كبرى مثل أميركا والصين لا يقر بظاهرة التغير المناخي ومعالجة التحديات البيئية، وهذا بدوره يؤثر على دول العالم الأخرى، ومن بينها الأردن، بحسبه، لافتا إلى أن تغيير السلوكيات للحد من ظاهرة الاستهلاك المادي في كثير من هذه الدول غير مطلوب، في وقت يشهد فيه العالم ثورة تقنية تتمثل بصناعة السيارات الكهربائية وغيرها، ما يسهم بتوفير الطاقة وخفض الانبعاثات.
ولكن إذا أردنا تجنيب العالم مزيدا من الانبعاثات، فيتوجب وضع سياسة علمية تمنع قطع الأشجار، ولكن ما يحدث في الحقيقة هو عدم وجود قرارات ملزمة دوليا من الجهات الدولية، وفقه.
تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة
رئيسة حملة "همة ولمة" لانا حمارنة، بيَّنت أن جهود الأردن بمواجهة التغير المناخي والمحافظة على الموارد الطبيعية، وضمن مسارات التحول الخمسة التي حددها تقرير حالة البيئة، تمثلت بتحديث مساهماته المحددة وطنيا، وتعهده بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة 31 % في عام 2030، مشيرة إلى إقرار الأردن لاستراتيجية التغير المناخي، وإعلانه الانضمام لمبادرات عالمية، مثل مبادرة الميثان.
وبشأن حماية الأراضي الزراعية، يعاني الأردن من شُحّ شديد في الأراضي الصالحة للزراعة، التي تصل لأقل من 6 % من مساحته الكلية، إذ أن ما دون 1.5 % منها تُستخدم فعليا للزراعة، وفقها.
وبرغم أن الأردن يعاني من تآكل التربة والتصحر واستنزاف المياه الجوفية، لكنه يعمل على تنفيذ مشاريع مكافحة التصحر، ودعم الزراعة المحمية والمائية، وتعزيز الزراعة العضوية وتقنيات الري الموفرة (الري بالتنقيط)، بحد قولها.
وبرغم ذلك، أكدت حمارنة لـ"الغد" أن المملكة قد تُعلن سياسات طموحة، وتلتزم دوليا بمبادرات مناخية وتنموية، بيد أنه وعلى صعيد تعزيز الوعي المجتمعي، فما تزال الجهود ضعيفة أو غير محسوسة، وذلك لعدم ترجمة ما يرد في الإستراتيجيات كخطة الاقتصاد الدائري، أو تلك المتعلقة بالنفايات، إلى إجراءات ملموسة.
90 % من المحافظات بلا بنية تحتية بيئية
وضربت مثلا على ذلك، بأن فرز النفايات مطبق في أحياء بعمّان الغربية، وثمة محاولات لتطبيقه بوسط البلد، لكن 90 % من المحافظات لا تملك بنية تحتية لذلك، في ظل غياب التوعية والتعليم المجتمعي.
وأضافت: "لا توجد حملات توعية وطنية مستمرة كالمعمول بها في دول المنطقة أو أوروبا، تشرح لماذا يجب فصل البلاستيك عن النفايات العضوية، وكيف يُسهم ترشيد الكهرباء بخفض الانبعاثات، في حين أن المناهج المدرسية لم تُحدّث لتدمج مفاهيم الاستدامة عمليا".
ومن الأسباب برأيها أن الخدمات الأساسية المقدمة ما تزال هشة، في وقت أصبح هنالك ضرورة لتعزيز مفاهيم الشفافية والمساءلة، وتمكين المجتمعات المحلية من التعامل مع القضايا البيئية جديا، مشددة على أن الأردن من الدول الرائدة إقليميا في الاستجابة للتغير المناخي برغم محدودية موارده، ولكن يبقى ذلك الأمر مناطا ضمن المستوى الحكومي وليس المجتمعي.
وأكدت أن ثمة تقدما مُحرزا في بعض الملفات، لكن أخرى ما تزال تشهد تقدما بطيئا كملفي إدارة النفايات البلدية والحفاظ على المياه.