الغد
وصول مؤشر بورصة عمّان إلى مستوى 3506 جاء تتويجا لمسار إيجابي متواصل امتد لأكثر من عام، أعاد السوق إلى مستويات لم يشهدها منذ العام 2008، وهذا الرقم التاريخي، الذي أغلق عنده المؤشر مرتفعا بنسبة قاربت 67 % مقارنة ببداية المسار الصاعد، يعكس عودة تدريجية للثقة في السوق المالي الأردني، ويؤشر إلى تحوّل حقيقي في المزاج الاستثماري المحلي والأجنبي على حد سواء.
هذا الأداء القوي تزامن مع تحسن واضح في مؤشرات الاقتصاد الكلي، تمثّل في نمو الصادرات الوطنية بنسبة 9.1 % خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2025، وارتفاع معدل النمو الاقتصادي في الربع الثاني إلى 2.8 % بأعلى من التوقعات، إضافة إلى زيادة الدخل السياحي واحتواء معدلات التضخم ضمن مستويات أقل من دول المنطقة، وصولا إلى ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية لتتجاوز 24 مليار دولار، وهذه المؤشرات عززت الثقة بالاقتصاد الوطني ككل، ووفرت بيئة داعمة لسوق رأس المال.
وفي موازاة ذلك، أدت السياسات الحكومية دورا محوريا في إعادة تنشيط البورصة وتعميق السيولة فيها، من خلال حزمة قرارات هدفت إلى إزالة المعوقات أمام الاستثمار وتحفيز التداول، فقد تم تخفيض عمولات الوسطاء الماليين لتقليل كلفة التداول، وزيادة ساعات التداول ساعة إضافية، ما منح المستثمرين مرونة أكبر ورفع أحجام التداول، كما شكّل قرار إعفاء أرباح صناديق الاستثمار المشترك من ضريبة الدخل، خطوة نوعية لتعزيز الاستثمار المؤسسي وجذب رؤوس الأموال طويلة الأجل.
وإلى جانب ذلك، أتاح السماح للمستثمرين الراغبين في الحصول على الجنسية الأردنية بتحريك استثماراتهم داخل السوق بدل تجميدها، ضخ سيولة إضافية وأسهم في تحريك الطلب على الأسهم.
وعلى صعيد الشركات المدرجة، جاءت النتائج المالية لتؤكد أن الصعود يستند إلى أساسات متينة، فقد ارتفعت الأرباح بعد الضريبة للشركات المدرجة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2025 إلى نحو 1716.7 مليون دينار، بنمو نسبته 10.9 % مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، فيما ارتفعت الأرباح قبل الضريبة بنسبة 6.3 %، كما أظهرت البيانات التزاما عاليا بالإفصاح والشفافية، إذ قامت 96 % من الشركات المدرجة بتزويد البورصة ببياناتها المالية ضمن المهل القانونية، ما عزز ثقة المستثمرين بالمعلومات المتاحة وجودتها.
وكان لقطاعي التعدين والبنوك الدور الأبرز في قيادة هذا الصعود، حيث حققت شركات الفوسفات والبوتاس نتائج قياسية مدفوعة بارتفاع الطلب العالمي على الأسمدة، ما انعكس مباشرة على أسعار أسهمها وأوزانها في المؤشر العام، وفي الوقت ذاته، سجل القطاع المصرفي أرباحا قوية مستندة إلى الاستقرار النقدي وتراكم الاحتياطيات الأجنبية، إلى جانب ارتفاع مساهمة المستثمرين غير الأردنيين إلى نحو 46.5 % من القيمة السوقية، يعكس عودة حقيقية للثقة بالسوق.
بعض من الأسهم القيادية كان لها أثر أيضا، إذ إن سهم مناجم الفوسفات الأردنية انطلق في مسار صاعد قوي من حزيران 2025 فصاعدا، مع بعض التصحيحات البسيطة في منتصف العام، وهذا الاتجاه يشير إلى قوة شرائية واضحة وزخم إيجابي متواصل، تزامن مع ارتفاع تدريجي في أحجام التداول، أما مصفاة البترول الأردنية (جوبترول) في أواخر أيلول 2025 فارتفع السعر وتعرض لتصحيح بسيط قبل أن يستأنف الارتفاع ليستقر مع نهاية العام عند أعلى مستوياته، حيت تشير أحجام التداول إلى نشاط كبير في فترات الهبوط والارتفاع، ما يعكس دخول وخروج سيولة واضحة.
أما البنك العربي ابتداء من حزيران 2025 فبدأ مسارا صاعدا معتدلا مدعوما بزيادة تدريجية في أحجام التداول، فارتفع السعر تدريجيا ولم تظهر تقلبات حادة، مما يوحي بسلوك مستقر نسبيا للسهم مع ميل صعودي طويل الأجل.
في المحصلة، عودة الثقة لبورصة عمّان هي نتاج تفاعل متوازن بين سياسات حكومية محفزة، وأداء مالي قوي للشركات المدرجة، وتحسن ملموس في مؤشرات الاقتصاد الكلي، والحفاظ على هذا الزخم يتطلب الاستمرار في نهج الإصلاح، وتعزيز الشفافية، وتوسيع قاعدة الشركات المدرجة، لضمان استدامة هذا المسار الإيجابي وترسيخ دور البورصة كمرآة حقيقية للاقتصاد الوطني ومحرك فاعل للنمو.