أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    15-Sep-2025

"الأمية المهارية".. التحدي الجديد في مواجهة خفض أرقام البطالة

 الغد-عبدالرحمن الخوالدة

 على الرغم من انخفاض الأمية في الأردن إلى مستويات شبه معدومة بين القوى العاملة، تبقى الأسئلة الأهم مرتبطة بقدرة العاملين على التكيف مع متطلبات سوق العمل الحديثة، وما ان كان الاقتصاد الوطني يواجه اليوم اختبارا جديدا يتمثل في المهارات الرقمية والتقنية المطلوبة للبقاء في المنافسة.
 
 
وتكشف مستويات البطالة المرتفعة وتفاوت المهارات العملية بين الشباب عن فجوة جديدة، يصفها الخبراء بـ"الأمية المهارية"، وتشمل نقص المهارات المهنية والفنية وضعف الكفاءة الرقمية والتقنية والقدرة على التعامل مع أدوات الاقتصاد الحديث والرقمي. 
ويؤكد خبراء اقتصاديون، أن نقص المهارات لدى الخريجين والباحثين عن العمل أحد المعضلات التي تواجه الاقتصاد الوطني منذ سنوات، ما يدفع في كثير من الأحيان عددا من القطاعات للاستعانة بالعمالة الوافدة واستقطابها لتعويض ذلك النقص، لا سيما في قطاعات الزراعة والإنشاءات، حيث النسبة الأكبر من العاملين بها اليوم من العمالة الوافدة. 
واعتبر هؤلاء الخبراء في أحاديث لـ"الغد"، أن المهارات هي المتطلب الأهم لدخول سوق العمل اليوم، فبمقدار امتلاك الباحث عن العمل للمهارات، يمكن له الحصول على وظيفة.
وبغية مواجهة "الأمية المهارية" لدى الخريجين والفئات القادرة على العمل ومعالجة مشكلة البطالة، طالب الخبراء بوجوب العمل على تطوير القدرات المهاراتية لدى الباحثين عن العمل لتكون متواءمة لاحتياجات الاقتصاد المحلي، مثل برامج التدريب الرقمي والشراكات مع القطاع الخاص.
ويضاف إلى ذلك أهمية التوسع في برامج التعليم المتوسط والمهني في قطاعات الزراعة والإنشاءات والتكنولوجيا من قبل الحكومة، إضافة إلى ضرورة تفعيل امتحان الكفاءة الجامعية بشكل حقيقي خاصة في التخصصات العملية والعلمية، علاوة على وجوب تقديم القطاع الخاص قائمة بالنواقص المهارية لدى العاملين في سوق العمل وعرضها على الجامعات والجهات المختصة. 
وتعرف "الأمية المهارية": بأنها عدم قدرة الفرد على استخدام المهارات العملية الأساسية والمتقدمة اللازمة لأداء مهامه في سوق العمل الحديث، بما يشمل الكفاءات الرقمية، التقنية، التحليلية، والقدرة على التعامل مع أدوات الاقتصاد الرقمي ومتطلبات الوظائف المعاصرة.
واقع البطالة والأمية في الأردن 
وكانت دائرة الإحصاءات العامة كشفت عن انخفاض معدل الأمية في المملكة خلال العقود الأخيرة، إذ تراجعت من 11.0 بالمائة في عام 2000 إلى 4.5 بالمائة في عام 2024، بفضل التقدم الذي حققه قطاع التعليم.
وأشارت دائرة الإحصاءات العامة في بيان لها نشرته الأسبوع الماضي، بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية، إلى أن نتائج مسح قوة العمل لعام 2024 أظهرت تحسنا ملحوظا في معدلات الأمية، مع استمرار انخفاضها بين الجنسين، حيث بلغت الأمية بين الذكور 2.3 بالمائة مقابل 6.8 بالمائة بين الإناث.
وبينت نتائج مسح قوة العمل، أن أدنى معدل للأمية كانت بين الأفراد في الفئة العمرية 15-24 عاما حيث بلغت النسبة 0.7 بالمائة، ما يدل على نجاح السياسات التعليمية في الوصول إلى فئة الشباب واقتراب تحقيق الأمية الصفرية بينهم في حين كانت أعلى معدل للأمية يتركز بين الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فأكثر، إذ وصلت إلى 23.3 بالمائة على مستوى المملكة.
وبلغ معدل البطالة في الأردن 21.3 % خلال الربع الثاني من عام 2025 بانخفاض مقداره 0.1 نقطة مئوية عن الربع الثاني من عام 2024 حيث بلغ آنذاك 21.4 %. وبلغ معدل البطالة للذكور 18.1 % خلال الربع الثاني من عام 2025 بانخفاض مقداره 0.8 نقطة مئوية مقارنة بالربع الثاني من عام 2024. ومن إجمالي المتعطلين، فإن 60.5 % هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى، وقرابة 39.4 % كانت مؤهلاتهم أقل من الثانوي. 
نقص المهارات اللازمة للتشغيل 
وقال مدير مركز بيت العمال حمادة أبو نجمة، إن البطالة في الأردن لم تعد مرتبطة بمشكلة الأمية أو ضعف التعليم الأساسي، بل أصبحت مرتبطة بشكل مباشر بنقص المهارات اللازمة للتشغيل إضافة إلى الفجوة بين العرض والطلب في سوق العمل، معتبرا أن ما يؤكد ذلك هي المعطيات الإحصائية الأخيرة التي كشفت عن شبه انعدام في حالة الأمية في أوساط الفئات القادرة على العمل سواء النشيطين منهم أو العاطلين عن العمل. 
وأوضح أبو نجمة أنه يدخل إلى سوق العمل سنويا ما يقرب من 130 ألف شاب وشابة مؤهلين يحمل معظمهم مؤهلات تعليمية، لكن نسبة كبيرة منهم تفتقر إلى المهارات العملية والتقنية والرقمية واللغوية التي أصبحت مطلبا أساسيا لأصحاب العمل وهو ما يشبه "الأمية المهارية"، الأمر الذي يترتب عليه مواجهة هؤلاء إلى مشكلة البطالة. 
وشدد أبو نجمة الذي سبق له أيضا شغل منصب أمين عام وزارة العمل، على أن الشهادة الجامعية لم تعد وحدها كافية لضمان الحصول على فرصة عمل ما لم تترافق مع قدرات إضافية مثل التفكير النقدي والعمل الجماعي وإدارة الوقت والقدرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
وبين أنه في ظل غياب برامج فعالة للإرشاد والتوجيه المهني وضعف سياسات الانتقال المنظم من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل نجد أن كثيرا من الشباب يواجهون فترات بطالة طويلة الأمد أو يلجأون إلى العمل غير المنظم الذي يفتقر إلى الحماية الاجتماعية.
وأكد أبو نجمة أن تراجع معدلات الأمية بشكل عام  يمثل إنجازا وطنيا مهما يعزز العدالة الاجتماعية لكنه في الوقت ذاته يضعنا أمام مهمة جديدة ملحة وهي تمكين الشباب من اكتساب المهارات المطلوبة في سوق العمل بما يضمن إدماجهم في وظائف لائقة تسهم في استقرارهم الاجتماعي وفي دفع عجلة التنمية الاقتصادية.
كفاءة نظام التعليم والتدريب تزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة، أن البطالة في الأردن مرتبطة أكثر بنقص المهارات المتخصصة والمهنية بدلا من نقص التعليم الأساسي، الذي تحسن بشكل ملحوظ. حيث انه مع انخفاض الأمية بين المشتغلين، أصبح التعليم الأساسي (القراءة والكتابة) أقل تأثيرا، ما يعني هناك فجوة في المهارات المتقدمة مثل البرمجة، الإدارة الرقمية، والتدريب المهني، مما يؤدي إلى بطالة عالية بين الخريجين الجامعيين 
وأوضح المخامرة أن انخفاض الأمية إلى مستويات منخفضة بين المشتغلين عامل إيجابي مباشر في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث يعزز ذلك كفاءة القوى العاملة ويقلل من مخاطر الاستثمار. ومن الناحية الاقتصادية، يرتبط التعليم الأساسي العالي بزيادة الإنتاجية، مما يجعل الأردن أكثر جاذبية للقطاعات مثل التكنولوجيا، التصنيع، والخدمات، حيث يتطلب الاستثمار عمال قادرين على التعامل مع المهام الأساسية بفعالية. 
وأشار إلى وجود دراسات عامة تشير إلى أن كفاءة نظام التعليم قد تزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية بنسبة تصل إلى 20-30 % في الدول النامية، من خلال تحسين المهارات الأساسية وتقليل التكاليف التدريبية للشركات الأجنبية. كما أن الحكومة تستخدم هذه الإنجازات لترويج الأردن كوجهة آمنة ومستقرة.
ويرى المخامرة أن عدم تطابق المهارات هو السبب الرئيسي للبطالة بين الشباب الأردني، وذلك  بسبب ضعف جودة التعليم العالي والتدريب المهني. ومع ذلك، لذا من الضروري أن يكون التركيز اليوم لمعالجة مشكلة البطالة محليا ينطلق من تطوير المهارات لدى الخريجين لمواءمة احتياجات الاقتصاد، مثل برامج التدريب الرقمي والشراكات مع القطاع الخاص.
"الأمية المهارية" معضلة البطالة محليا 
واتفق مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض مع سابقيه على أن أحد أسباب مشكلة البطالة في الأردن مرتبطة بنقص المهارات المكتسبة لدى الخريجين من التعليم المتوسط والجامعي، ما يعبر عن وجود "الأمية المهارية". 
وأشار عوض إلى أن ضعف المهارات لكثير من الخريجين والفئات القادرة على العمل، تعد أحد المعضلات التي تواجه الاقتصاد الوطني منذ سنوات، مما يدفع كثيرا من القطاعات للاستعانة بالعمالة الوافدة واستقطابها لتعويض النقص في العمالة لا سيما في قطاعات الزراعة والإنشاءات، حيث النسبة الأكبر من العاملين بها اليوم من العمالة النافذة. 
ولفت عوض إلى أن هذه المعضلة كانت تواجه القطاع الفندقي والمطاعم في عقود ماضية، إلا أن التوسع في برامج التعليم الفندقي والتعليم الخاص بالطعام والشراب، ساهم في التغلب على نقص مهارات العمالة المحلية في هذا القطاع، الذي بات يعتمد اليوم بما نسبته 90 % من العمالة لديه على الأردنيين. 
وأكد عوض أن التعليم المهني لدينا محليا ما يزال يقتصر على قطاعات محددة كالصناعة والميكانيكا والكهرباء، رغم توسط كثافتها التشغيلية مقارنة بقطاعات الزراعة والإنشاءات وغيرها، لافتا أيضا إلى أن التعليم الجامعي ما يزال يركز على الجوانب النظرية ما يخلق فجوة مهارية لدى الطلبة الخريجين، ويحد من قدرتهم على الانخراط السريع في سوق العمل. 
وشدد عوض على  أن المهارات هي المتطلب الأهم للدخول سوق العمل، فبمقدار امتلاك الباحث عن العمل للمهارات، يمكن الحصول على وظيفة، مؤكدا أن المهارات الرقمية والقدرة على التعامل مع البرمجيات والتطبيقات التكنولوجية والبحثية متطلب أساسي اليوم للحصول على فرصة عمل. 
وللتغلب على نقص المهارات لدى الخريجين والفئات القادرة على العمل، طالب عوض بضرورة التوسع في برامج التعليم المتوسط والمهني في قطاعات الزراعة والإنشاءات والتكنولوجيا من قبل الحكومة، إضافة إلى ضرورة تفعيل امتحان الكفاءة الجامعية بشكل حقيقي خاصة في التخصصات العملية والعلمية، مشيرا إلى أهمية تقديم القطاع الخاص برامج تدربية مدفوعة الأجر من قبلها لاستقطاب الخريجين وتطوير قدراتهم، علاوة على وجوب تقديمه قائمة بالنواقص المهارية لدى العاملين في سوق العمل وعرضها على الجامعات والجهات المختصة. 
وأكد عوض أن توفر المهارات والكفاءة لدى الباحث عن العمل تعد بمثابة جسور للعبور بين الطبقات الاقتصادية، مما يسهل من انخراطه في سوق العمل وبالتالي تحسين الواقع المعيشي والاقتصادي لهذا الباحث وأسرته.