أنظمة الذكاء الاصطناعي المفتوحة.. فوائد جديدة محفوفة بالمخاطر
الغد-إبراهيم المبيضين
تشهد ساحة الذكاء الاصطناعي تطورات لافتة يوما بعد يوم وتحولات جوهرية، فبعد سيطرة مطلقة للنماذج المغلقة التي تحتكرها شركات تقنية كبرى، بدأت السوق العالمية تشهد منافسة شرسة في مجال طرح نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة التي تفرض وجودها بقوة، وتشجع على المزيد من الابتكار وزيادة الاستخدام وسط مخاطر كثيرة متوقعة لهذا النهج على ما أكده خبراء محليون.
وقال الخبراء إن طرح نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر أمام جميع الناس والمطورين يشكل أساسًا قويًا لبناء مستقبل تقني أكثر شمولًا وابتكارًا. فهي توفر أدوات قوية بأسلوب مرن وشفاف، وتُمكّن الأفراد والمؤسسات من توظيف الذكاء الاصطناعي بطرق جديدة وغير مكلفة.
بيد أن الخبراء أشاروا إلى أن نجاح منظومة هذه الأنظمة يعتمد على وجود ضوابط حوكمة قوية، واعتماد معايير أخلاقية واضحة توازن بين الانفتاح والحماية من سوء الاستخدام مع سلبياتها المتمثلة في" قلة الأمان".
ويمكن تعريف الأنظمة المفتوحة في الذكاء الاصطناعي بأنها النماذج والخوارزميات والتقنيات التي تُتاح شيفرتها المصدرية للجمهور، وهذه الإتاحة تمنح أي شخص القدرة على استخدام هذه النماذج، تعديلها، تطويرها، وحتى بناء نماذج خاصة به بناءً على بنيتها الأساسية.
وعلى النقيض من ذلك، تُعد النماذج غير المفتوحة مغلقة المصدر، وتخضع لسيطرة كاملة من قبل شركة أو جهة محددة، مثل نماذج " تشات جي بي تي" من " اوبن اييه اي" و " كلاودي" من " انثروبيك"، و" جيميني" من جوجل، تحتفظ بسرية بنيتها، وتقيد المستخدمين بشروط ترخيص واستخدام محدودة، ما يجعل تطوير التطبيقات أو فهم طريقة عمل هذه النماذج أمرًا بالغ الصعوبة ومحفوفًا بالقيود.
وشكل العام 2024 لحظة التحول الفعلي في صناعة الذكاء الاصطناعي عندما بدأت نماذج مفتوحة المصدر بالظهور مثل " ميسترال" و" ال لاما" من شركة " ميتا" و" فالكون" من الإمارات وغيرها وهي نماذج بدات تُظهر أداءً يتفوق على بعض النماذج التجارية المغلقة، بل وتُستخدم بالفعل في العديد من التطبيقات الواقعية، وخلال العام الحالي طرح تطبيق " دييب سيك" الصيني نموذجا مفتوحا المصدر ليحرك المنافسة بشكل أكبر ما دفع كبار مثل " اوبن اييه اي" للحاقه وطرح نماذج مفتوحة، وكان آخر الداخلين إلى هذا المضمار نموذج الذكاء الاصطناعي "غروك 2.5" الذي طورته شركته (إكس إيه آي) عندما أعلن مالك الشركة ايلون ماسك قبل أسابيع قليلة بأنه أصبح مفتوح المصدر، وهو ما يجعل الكود البرمجي للنموذج متاحا للجميع مع إمكانية استفادة الباحثين والمطورين منه بشكل خاص لدراسته وتطويره.
الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال المهندس هاني البطش يرى أن الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر هو نماذج وتقنيات يمكن للجميع الوصول إليها، تحميلها، تعديلها، وتطويرها بحرية، ضمن تراخيص تتيح إعادة الاستخدام والتطوير.
وقال إن هذه النماذج " تتيح للباحثين والمطورين والأفراد فحص كيفية عمل النظام بالكامل، على عكس النماذج المغلقة مثل ChatGPT أو Gemini التي تقدم فقط النتائج دون الإفصاح عن آلية العمل".
لماذا المنافسة بين هذه الأنظمة مهمة؟
وعن أهمية سباق المنافسة بين هذه الأنظمة قال البطش بأن المنافسة تسهم في ( تحفيز الابتكار) لأنها تدفع الشركات والمؤسسات لتطوير نماذج أقوى وأسرع وأكثر كفاءة، ما يسرّع عجلة التقدم التكنولوجي.
ولفت إلى أهميتها في ( منع الاحتكار)، فوجود عدة نماذج مفتوحة يحد من سيطرة الشركات الكبرى على السوق والمستخدمين، ما يفتح فرصًا عادلة للمطورين والباحثين والشركات الصغيرة، كما أنها في تسهم في ( نمو الصناعة)، فالمنافسة تجبر الصناعات المختلفة - من التعليم إلى الصحة والتجارة - على تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة أكبر، ما يسرع التحول الرقمي العالمي.
وقال إن المنافسة بين هذه النماذج تقود إلى ( تحسين جودة النماذج وخفض التكلفة)، حيث تصبح النماذج أكثر دقة وأقل تكلفة، ما يفتح المجال لتوسيع الاستخدام التجاري والمجتمعي.
وعن أبرز المخاطر التي ترافق المنافسة في هذه الأنظمة قال البطش إن من أبرزها ( الاستخدامات الخبيثة)، فالنماذج القوية يمكن أن تقع في أيدي قراصنة، جهات إجرامية، أو تُستخدم لنشر الأخبار الكاذبة والمحتوى الضار.
وأشار إلى خطرها في ( تسريع سباق التسلح التكنولوجي)، فالدول قد تدخل سباقات تطوير نماذج تفوق قدرات الأنظمة الحالية، دون رقابة أو تنظيم، فضلا عن مخاطر ( غياب الحوكمة والسيطرة)، حيث من الصعب تتبع كيفية استخدام النماذج المفتوحة، وقد تظهر تطبيقات مدمرة اقتصاديًا أو اجتماعيًا.
الأنظمة المغلقة والمفتوحة
وعن الفروقات بين أنظمة الذكاء الاصطناعي المغلقة والمفتوحة المصدر، قال الخبير في مجال التقنية والبيانات الدكتور حمزة العكاليكك بأنها لا تقتصر فقط على إمكانية الوصول إلى الشيفرة البرمجية. فالنماذج المفتوحة تمنح المطورين والباحثين حرية الفحص، التعديل، والتخصيص، مما يساهم بشكل فعال في تعزيز الابتكار وتحسين الأداء. في المقابل، تحتفظ النماذج المغلقة بسرية بنيتها، وتقيد المستخدمين بشروط ترخيص واستخدام محدودة، مما يجعل تطوير التطبيقات أو فهم طريقة عمل هذه النماذج أمرًا بالغ الصعوبة ومحفوفًا بالقيود.
وأشار العكاليك إلى أن العام 2024 شكل لحظة التحول الفعلي في هذا المشهد. فخلال هذا العام، بدأت نماذج مفتوحة المصدر مثل "ميسترال" و" ال لاما" من شركة " ميتا" و" فالكون" من الإمارات تُظهر أداءً يتفوق على بعض النماذج التجارية المغلقة، بل وتُستخدم بالفعل في العديد من التطبيقات الواقعية.
وقال: "إن هذا التقدم السريع يسلط الضوء على ملامح منافسة صحية بدأت تتبلور بين المصادر المفتوحة والمغلقة، مدفوعةً بتحديات أساسية تتعلق بالثقة، الخصوصية، والتحكم في البيانات".
حافز قوي لتحسين الأداء
وأضاف العكاليك بأن وجود منافسة مفتوحة في مجال الذكاء الاصطناعي لا يعني فقط تعدد الخيارات المتاحة، بل يمثل حافزًا قويًا يدفع الجميع نحو تحسين الأداء، تقليل التكاليف، وتوسيع نطاق الاستخدام.
ويرى العكاليك بأن هذه المنافسة مجموعة من الفوائد المحورية منها ( زيادة الشفافية) عندما تمكّن المستخدمون والباحثون من فهم كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي بدقة، مما يبني الثقة ويقلل من "الصندوق الأسود" الذي غالبًا ما يكتنف النماذج المغلقة.
وأشار إلى أهميتها في (تعزيز الأمن الرقمي) من خلال القدرة على مراجعة الشيفرة البرمجية بشكل علني، يمكن اكتشاف الثغرات الأمنية وإصلاحها بشكل أسرع وأكثر فعالية، بفضل مساهمات مجتمع المطورين الواسع، ودفع الابتكار فمن التفاعل المجتمعي النشط يولد حلولًا غير متوقعة، ويسرّع وتيرة التطوير والتحسين بشكل لم يكن ممكنًا في البيئات المغلقة.
ولفت إلى أهميتها في (فتح المجال للدول النامية) حيث تتيح هذه النماذج للدول والمؤسسات في العالم النامي بناء نماذج مخصصة بلغاتها وسياقاتها المحلية دون الاعتماد الكلي على الشركات العالمية الكبرى، مما يعزز الاستقلالية التكنولوجية.
استخدام على نطاق أوسع
وأضاف العكاليك بأنه عندما تتوفر النماذج القوية مجانًا أو بتكلفة منخفضة، يصبح استخدامها ممكنًا على نطاق أوسع بكثير، لا يقتصر فقط على الشركات الكبرى، بل يشمل الجامعات، والمطورين الأفراد، والحكومات المحلية.
وضرب مثلا كيف تمكنت العديد من المؤسسات الصحية والتعليمية في الدول النامية من بناء مساعدات ذكية بلغاتها الأصلية باستخدام نماذج مفتوحة، وهو أمر كان يعد مستحيلًا أو باهظ التكلفة قبل سنوات قليلة. هذا التحول يعد بخلق بيئة أكثر ديمقراطية وابتكارًا لمستقبل الذكاء الاصطناعي.
استفادة بأقل التكاليف
ويري الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي أن المنافسة بين الأنظمة المفتوحة المصدر "ضرورية لتعزيز الابتكار وتسريع وتيرة التطوير".
وقال إن فتح الشيفرة البرمجية أمام الجميع يسمح بظهور حلول أكثر تنوعًا وابتكارًا، كما يمكن للشركات الصغيرة والأفراد الاستفادة منها "دون الحاجة إلى ميزانيات ضخمة".
واشار إلى أن هذه المنافسة تسهم أيضًا في زيادة الثقة لدى المستخدمين، لأنهم يستطيعون مراجعة كيفية عمل النماذج، والتأكد من خلوها من الأخطاء أو التحيزات، كما أن النماذج المفتوحة تتيح قدرًا كبيرًا من المرونة في التخصيص، مما يساعد في تكييفها لتلبية احتياجات محلية أو قطاعية محددة.
وعلاوة على ما سبق يرى الصفدي بان الأنظمة مفتوحة المصدر تسهم في تسهيل دخول الذكاء الاصطناعي إلى قطاعات واسعة من السوق، سواء عبر خفض التكلفة أو تسريع وتيرة التطوير ما يزيد من الاستخدام.
وأوضح قائلا: " بدلًا من بدء المشاريع من الصفر، يمكن للمطورين البناء على نماذج وأكواد موجودة، مما يقلل الزمن والجهد المطلوب. كما أن ثقافة التعاون ومشاركة المعرفة التي تميز هذه النماذج تؤدي إلى تحسينات مستمرة وابتكارات أسرع. وتسمح هذه الأنظمة باستخدامات متنوعة في مجالات مثل الطب والتعليم والتصنيع والخدمات".
ولكن الصفدي يرى أنه رغم هذه الفوائد يرافق نشر الأنظمة مفتوحة المصدر ثمة تحديات منها: تحدي ضمان الجودة، إذ إن المساهمات المتعددة من مطورين مختلفين قد تؤدي إلى تفاوت في جودة الكود. كذلك، قد تحمل النماذج تحيزات متأصلة في البيانات التي دُرِّبت عليها.
وأشار أيضا إلى أن إمكانية الوصول المجاني إلى هذه النماذج قد تفتح الباب لاستخدامها في أغراض ضارة أو غير أخلاقية، مثل إنتاج محتوى مزيف أو نشر معلومات مضللة.