التفاوض مع الشركات على سعر شراء الكهرباء.. ضرورة أم خيار؟
الغد-رهام زيدان
بينما تستمر وزارة الطاقة والثروة المعدنية في التفاوض منذ أواخر العام الماضي مع شركات محلية لشراء الكهرباء منها بأسعار أقل، يرى خبراء أنه لا بد من إرفاق هذه الخطوة بإجراء إصلاحات هيكلية في قطاع الطاقة مبنية على رؤية شاملة.
ويؤكد الخبراء أن هنالك حاجة ملحة لتحسين البنية التحتية وتطوير عمليات تخزين الطاقة وتحديث التشريعات لضمان بيئة استثمارية مستقرة.
وبدأت الوزارة، في وقت سابق من العام الماضي، بمفاوضات مع شركات الطاقة بخصوص مراجعة اتفاقيات شراء الطاقة المتجددة والتقليدية من منظور فني، اقتصادي، تجاري وقانوني، بهدف خفض أسعار شراء الكهرباء عن القيم المتوافق عليها عند توقيع الاتفاقيات سابقا.
ومن الجدير بالذكر أن الحكومة مرتبطة بعدد من الاتفاقيات لشراء طاقة كهربائية منتجة من مشاريع القطاع الخاص سواء من مصادرها التقليدية أو المتجددة، وهي ملزمة بهذه الاتفاقيات بشراء كامل إنتاج المشاريع بأسعار محددة ضمن إطار زمني محدد تحكمه الاتفاقية.
وتتيح بعض الاتفاقيات بنودا تتيح للحكومة إعادة التفاوض إذا ما دعت له حاجة فعلية نتيجة تبدل الظروف العالمية، إلا أنه لا بد أن يفضي التفاوض إلى التراضي وموافقة الطرفين.
وتشتري الحكومة الطاقة لصالح الشركة الوطنية للكهرباء، ثم تبيعها لشركات التوزيع ثم إلى المستهلك.
"الطاقة": الإجراء تصحيحي لخفض كلف النظام
اعتبرت الوزارة في ذلك الوقت أن هذه الخطوة ضمن الإجراءات التصحيحية التي تقوم بها لتخفيض كلف النظام الكهربائي وبما يحقق العدالة بين جميع الشركات العاملة في القطاع من جهة وشركة الكهرباء الوطنية من جهة أخرى، ولتحقيق بيئة استثمارية جاذبة ومستقرة على أسس متينة.
وزارة الطاقة ردت على سؤال لـ"الغد"، "أن المفاوضات مع المستثمرين ما تزال جارية ولم يتم التوصل إلى نتيجة نهائية حتى الآن".
خطوة مهمة.. والمطلوب إصلاحات شاملة
قال المستثمر والخبير د. فراس بلاسمة "إن إعادة التفاوض على اتفاقيات شراء الطاقة قد تكون خطوة مهمة، ولكن يجب أن تتم بحذر وشفافية".
وأضاف أن الإصلاحات الهيكلية لقطاع الطاقة تحتاج إلى رؤية شاملة تشمل تحسين البنية التحتية، تطوير تخزين الطاقة، وتحديث التشريعات لضمان بيئة استثمارية مستقرة.
وقال "النجاح في ذلك قد يساعد في تحقيق توازن بين تحقيق وفورات مالية للدولة وضمان استمرار تدفق الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة".
إعادة التفاوض.. الأهمية والتداعيات
وبين بلاسمة أن إعادة التفاوض على اتفاقيات شراء الطاقة من مشاريع الطاقة المتجددة تمثل خطوة استراتيجية تحاول الحكومة من خلالها تصحيح الاختلالات المالية في قطاع الطاقة، خاصة في ظل الأعباء التي تتحملها شركة الكهرباء الوطنية نتيجة العقود طويلة الأمد بأسعار شراء مرتفعة نسبيا تم توقيعها في مراحل مبكرة من تطوير القطاع.
هذه المفاوضات يمكن لها أن تخفف الأعباء المالية؛ حيث تقلل تخفيض تكلفة شراء الطاقة والعجز المالي لشركة الكهرباء الوطنية، وبالتالي تخفيف الضغط على الموازنة العامة.
وقال "إن العقود القديمة وقعت بأسعار أعلى مما هو متاح حاليا بسبب تطور التكنولوجيا وانخفاض تكاليف إنشاء مشاريع الطاقة المتجددة عالميا، وإعادة التفاوض قد تساعد في توحيد الأسعار لتكون أكثر عدالة، وتخفيض التكاليف قد يسهم في تحسين بيئة الاستثمار وتشجيع مشاريع جديدة، خاصة إذا تم توجيه العوائد المحققة نحو تطوير البنية التحتية ودعم الشبكة الكهربائية".
اختلالات بحاجة لإصلاحات
رغم أن إعادة التفاوض قد تساعد في تقليل التكاليف، إلا أن هناك اختلالات هيكلية أعمق في قطاع الطاقة الأردني تحتاج إلى إصلاحات شاملة، بحسب بلاسمة، ومن أبرزها ضعف كفاءة الشبكة الكهربائية، وهناك تحديات في استيعاب المزيد من الطاقة المتجددة بسبب محدودية البنية التحتية.
وقال بلاسمة "هناك قدرة إنتاجية تفوق الاحتياج الفعلي، مما يخلق تحديا في كيفية توزيع واستهلاك الطاقة بشكل أكثر كفاءة، مع وجود التزامات تعاقدية لفترات طويلة تقلل من مرونة الحكومة في تعديل أوضاع السوق بسهولة".
وعليه، قال بلاسمة "إعادة التفاوض ليست الحل الجذري، لكنها جزء من استراتيجية أوسع يجب أن تشمل تحسين كفاءة الشبكة، تشجيع الاستثمار في التخزين الكهربائي وإعادة هيكلة سوق الطاقة".
قلق لدى مستثمري "المتجددة"
وأشار إلى أن المستثمرين في قطاع الطاقة المتجددة لديهم قلق كبير من هذه الخطوة، ومن أبرز التحديات التي تواجههم، إذ إن تغيير العقود بأثر رجعي قد يعطي إشارة سلبية للمستثمرين الجدد، مما قد يثنيهم عن الاستثمار في مشاريع مستقبلية، كما أن معظم المشاريع تم تمويلها عبر قروض دولية تعتمد على استقرار العقود، وأي تعديل قسري قد يفرز مشاكل قانونية مع البنوك وصناديق الاستثمار.
وأوضح أن أي تغيير في العقود قد يُفسر على أنه تدخل حكومي غير مستقر، مما قد يؤدي إلى تراجع في تصنيف بيئة الاستثمار في الأردن، وأن بعض الشركات قد تكون مستعدة للتفاوض إذا كانت الحكومة تقدم حلولا عادلة تشمل تخفيض الضرائب أو تمديد فترات الامتياز لتعويض الخسائر المحتملة.
ويؤدي ذلك، وفقا لبلاسمة، إلى تراجع في التصنيف الائتماني، إذ إن المؤسسات المالية الدولية قد تنظر إلى هذه الخطوة كدليل على عدم الاستقرار المالي، ما يؤدي إلى تراجع التصنيف الائتماني، وتقليل ثقة المستثمرين الأجانب، كما أن بعض الشركات قد تلجأ إلى التحكيم الدولي، مما قد يكلف الأردن أموالا أكثر مما سيوفره من إعادة التفاوض.
من جهتها، قالت المختصة في تطوير مشاريع الطاقة المستدامة م. ديانا عثامنة "في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع الطاقة، تبرز إعادة التفاوض على اتفاقيات شراء الطاقة كفرصة استراتيجية لضمان استدامة القطاع وتحقيق التوازن بين جميع الأطراف المعنية".
مراعاة تطورات السوق والظروف التعاقدية
وقالت عثامنة "انخفاض تكاليف التكنولوجيا وصولا إلى تطور بيئة الأعمال، يعزز أهمية النظر في استمرارية المشاريع الحالية، وضمان جدواها الاستثمارية، والتوسع فيها".
لكن أي عملية مراجعة يجب ألا تكون مجرد استجابة آنية للمتغيرات، بل ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف التي كانت سائدة عند توقيع العقود، بما في ذلك التحديات المالية والتنظيمية والتقنية، إضافة إلى المخاطر الاستثمارية والتكنولوجية التي أثرت على التسعير في حينها.
وأكدت ضرورة تحقيق التوازن لضمان حقوق المستثمرين من جهة، وعدم تحميل أي طرف أعباء غير مبررة من جهة أخرى.
إعادة التفاوض في إطار رؤية استراتيجية
بينت عثامنة أنه لا ينبغي النظر إلى إعادة التفاوض كخطوة منفصلة، بل كجزء من رؤية أشمل لقطاع الطاقة تهدف إلى مواءمة الاتفاقيات مع الأهداف الاستراتيجية.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال آليات مبتكرة، مثل تمديد العقود لمنح المستثمرين أفقا زمنيا أوسع، أو إعادة هيكلة آليات التسعير لتكون أكثر انسجاما مع تكاليف التطوير والإنتاج، أو حتى تطوير نماذج شراكة جديدة تعزز استدامة المشاريع على المدى الطويل.
وإعادة التفاوض على الاتفاقيات يمكن أن تسهم في تحسين الإطار التنظيمي وجعله أكثر مرونة، ما يضمن استقرار السوق ويشجع استمرار تدفق الاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة، وهذا عامل حاسم في تعزيز أمن الطاقة وتحقيق الأهداف البيئية.
وتعد إعادة التفاوض فرصة لتطوير نموذج جديد يقوم على التفاعل المستمر بين الحكومة والمستثمرين، ما يضمن تحقيق المصالح المشتركة ودعم التحول نحو الطاقة المتجددة بكفاءة أعلى. فاعتماد نهج تشاركي قائم على الحوار، وتحليل البيانات الدقيقة، يساعدان على تحقيق توازن عادل بين استدامة الاستثمارات وتعزيز الكفاءة المالية للقطاع.
وبينت عثامنة أنه يمكن لهذه العملية أن تؤدي إلى تحقيق وفورات مالية، وترسيخ بيئة استثمارية مستقرة، وتعزيز تنافسية القطاع على المدى الطويل، ما يجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات المستقبلية والاستفادة من الفرص التي يتيحها التطور المستمر في قطاع الطاقة.
وقال رئيس مجلس إدارة جمعية إدامة للطاقة والبيئة والمياه "إن الجولتين الأولى والثانية من مشاريع الطاقة المتجددة نفذت قبل نحو 15 عاما حين كانت تكنولوجيا الطاقة المتجددة ما تزال في بدايتها وأسعارها تفوق 5-10 أضعاف ما هي عليه حاليا".
وأضاف "الأسعار اليوم متدنية جدا، والحكومة ألزمت نفسها في حينه بالتعاقد لسنوات عديدة، كما أن هذه الشركات استحوذت على المعدات والأجهزة بأسعار عالية".
وللتخلص من عبء الأسعار المرتفعة، من المنطقي أن تلجأ الحكومة للتفاوض مع هذه الشركات لإيجاد أسعار جديدة وبمدد غير المتفق عليها سابقا، وهذا أفضل من اللجوء للقضاء لأن هذه القضايا لن تكون رابحة نتيجة التزامات قامت فيها الحكومة ولا يمكنها التخلي عنها.
إضرار بالاستثمار
مستثمر ومطور في القطاع فضل عدم كشف هويته، قال "هناك اختلاف بين الرسائل التي ترسلها الحكومة للمطورين وبين اللقاءات المباشرة معهم".
وأوضح أن الحكومة تبلغهم، في رسائلها، أن التوجه هو نحو إعادة فتح الاتفاقيات الموقعة وأسعار شرائها للطاقة المنتجة من مشاريعهم، أما في الاجتماعات معهم، فإن الحديث يكون حول التوصل إلى نتائج ترضي الطرفين من دون الإضرار بمصالح أحدهما.
وقال المستثمر نفسه "حتى الآن لم يتضح جليا ما المطلوب منهم تحديدا وما ستؤول إليه المفاوضات مع الحكومة".
وأكد أن الأسعار المتفق عليها مع الحكومة مرتبطة بجهات تمويلية، وأن الإخلال بها سيضر بالبيئة الاستثمارية في القطاع.