التعاون الإقليمي في النقل.. الفائدة مرهونة بالتطوير
الغد-تيسير النعيمات
يقف الأردن اليوم أمام فرصة استراتيجية غير مسبوقة ليعيد الاعتبار لدوره التاريخي كممر تجاري يربط الخليج بالمتوسط وأوروبا، غير أن تحقيق هذه المكاسب يتطلب استعداداً سريعاً في البنية التحتية، وإرادة سياسية قادرة على تجاوز العقبات الأمنية والسياسية، لضمان أن تتحول الفرصة إلى واقع اقتصادي ملموس ينعكس على التجارة والقطاعات اللوجستية وعلى المستهلك الأردني في نهاية المطاف.
ويسهم التعاون الاقليمي الاردني السوري التركي في مجال النقل والمعابر الحدودية في تعزيز التجارة البينية بين الدول الثلاث وتجارة الترانزيت عبر هذه البلدان ويزيد من العائدات لصالح الخزينة.
ويقلل هذا التعاون من كلف الشحن ومدته ما يعود بالفائدة على التاجر وبالتالي المواطن ويزيد من نشاط قطاع النقل والشاحنات ومن ايرادات اصحاب الشاحنات وقطاع اللوجستيات والتخليص ويزيد من عوائد الخزينة من رسوم ترانزيت وجمارك وضريبة مبيعات وغيرها فضلا عن زيادة الصادرات الاردنية الى اوروبا، بحسب خبراء في قطاع النقل والشحن واللوجستيات.
ودعا الخبراء في احاديث لـ"الغد" الحكومة لتطوير شبكة الطرق والمراكز اللوجستية قرب المعابر وتحديث انظمة الجمارك والتخليص ورقمنتها لتعزيز هذا القطاع زيادة الزخم فيه.
وتوقعوا زيادة الازدحامات في مركز حدود جابر، داعين الى اعادة تشغيل مركز حدود الرمثا لعبور الركاب والمسافرين بالتنسيق مع السلطات السورية لتأهيل مركز حدود درعا لتخفيف الازدحام في مركز جابر.
وكان امين عام وزارة النقل فارس ابو ديه ترأس الأسبوع الماضي الاجتماع الفني الثلاثي الاردني السوري التركي للنقل البري والسككي، الذي عقد في عمان، بمشاركة معاون وزير النقل لشؤون النقل البري في الجمهورية العربية السورية محمد عمر رحال، والمدير العام للشؤون الخارجية في وزارة النقل والبنية التحتية التركية بوراك ايكان، الى جانب وفود رسمية وفنية من الدول الثلاث.
وتم في ختام الاجتماع توقيع محضر مشترك سيرفع الى وزراء النقل في الدول الثلاث، وتضمن مقترحات رئيسية من بينها تفعيل اللجان الفنية لأنماط النقل البري والبحري والسككي والجوي، وفتح معبر باب الهواء – جيلواغوز امام الشاحنات الاردنية عبر سورية بعد استكمال الشروط الفنية، وتفعيل الخط الحديدي الحجازي من خلال تقديم تركيا دعما لسورية لاعادة ترميمه، وتقديم الأردن دعما فنيا يتمثل بصيانة القاطرات السورية، اضافة الى التعاون الثلاثي لإعداد دراسات فنية لإنشاء خط سككي بمواصفات عالمية يربط الدول الثلاث بشبكات التجارة العالمية، الى جانب بحث امكانية تعزيز خط الشاحنات من ميناء العقبة باتجاه تركيا واوروبا الشرقية عبر اتفاقيات تعاون مشترك.
ويشار إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الأردن وسورية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بنسبة 221 %، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ويلغت قيمة التبادل التجاري بين الأردن وسورية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي 122 مليون دينار، مقابل 38 مليون دينار للفترة نفسها من العام الماضي.
والتبادل التجاري بين البلدين كان يتجاوز 800 مليون دينار قبل اندلاع الأزمة السورية العام 2011، لكنه تراجع بشكل حاد بعد دخول "قانون قيصر" حيز التنفيذ. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن رسميا مطلع تموز الماضي رفع العقوبات المفروضة على سورية.
الأردن في قلب الممر البري
ويرى رئيس النقابة اللوجستية الأردنية، نبيل الخطيب، أن التعاون الإقليمي إذا ما تُرجم إلى اتفاقيات عملية، يمكن أن يعيد رسم خريطة سلاسل الإمداد في المشرق العربي، ويفتح أمام الأردن آفاقاً جديدة لتعزيز موقعه كمركز لوجستي.
ويشير الخطيب إلى أن الأردن اليوم أمام لحظة فارقة، إذ إن موقعه الجغرافي – السياسي يجعله في قلب الممر البري الذي يربط الخليج العربي بتركيا وأوروبا عبر سورية.
ويضيف الخطيب أن استقراراً نسبياً في المعابر السورية، وتنامي الحاجة لتقليل كلف النقل البحري نتيجة التوترات في البحر الأحمر، يعززان من أهمية هذا الطريق البري كأداة استراتيجية. فإعادة فتح خطوط الترانزيت عبر الأراضي السورية وصولاً إلى تركيا، يعني تقليص زمن الشحن من الأردن والخليج إلى أوروبا، وتخفيض كلف النقل مقارنة بالاعتماد الكلي على المسارات البحرية، فضلاً عن تنويع خيارات التجارة وتقليل المخاطر اللوجستية.
أثر مباشر على التجارة الأردنية
ويرى الخطيب أن فتح المعابر أمام الأردن يسهل تصدير منتجاته الدوائية والزراعية والكيماوية إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، كما أن استيراد السلع التركية والأوروبية سيصبح أكثر سهولة وأقل كلفة، ما يعزز التنافسية في السوق المحلية. ورغم أن الميزان التجاري ما يزال يميل لمصلحة تركيا، فإنه يرى أن تعزيز الصادرات الأردنية الزراعية والغذائية قد يسهم في إعادة بعض التوازن، خاصة إذا ما استُثمرت هذه النافذة بذكاء اقتصادي.
ويؤكد أن الأردن تاريخياً استفاد من موقعه كحلقة وصل للتجارة الإقليمية، غير أن الأحداث الإقليمية أضعفت هذا الدور. لكن إعادة تفعيل الخط السوري – التركي تعني زيادة حركة الشاحنات العابرة من الخليج عبر الأردن باتجاه تركيا وأوروبا، وانتعاش مراكز الخدمات اللوجستية الأردنية (من محطات تحميل وتخزين وصيانة)، إضافة إلى إيرادات مباشرة من رسوم الترانزيت واستخدام الطرق والخدمات اللوجستية.
متطلبات بنية تحتية متطورة
ويشدد على أن نجاح الأردن في استثمار هذه الفرصة يتطلب تطوير البنية التحتية الطرقية، خاصة طريق عمّان – المفرق– جابر، وطريق الأزرق – العمري الرابط بالخليج، إضافة إلى تعزيز المراكز اللوجستية بالقرب من المعابر، مثل مركز جابر – نصيب، لتسهيل عمليات التخليص والتبادل السريع للبضائع. كما دعا إلى تحديث أنظمة الجمارك والتخليص بما يتماشى مع متطلبات التجارة الإلكترونية والرقمنة، وإيجاد شراكات مع القطاع الخاص لتشغيل مراكز حديثة للتخزين وإعادة التوزيع.
مع ذلك، يلفت الخطيب إلى وجود تحديات لا يمكن تجاهلها، أبرزها أن الوضع الأمني في سورية ما يزال يثير مخاوف لدى الشركات الدولية وشركات التأمين، إلى جانب الرسوم والضرائب المتعددة التي قد تقلل من القدرة التنافسية مقارنة بالمسارات البحرية. كما أن الحساسيات السياسية المرتبطة بالملف السوري تظل عاملاً مؤثراً في مسار التعاون الاقتصادي.
باب الهوى.. البوابة المفقودة
من جانبه، يؤكد نقيب شركات التخليص ونقل البضائع، الدكتور ضيف الله أبو عاقولة، أن إعادة فتح معبر باب الهوى بين تركيا وسورية، والذي فقد الأردن الاستفادة منه منذ عام 2001 بسبب الأوضاع الأمنية، سيكون له أثر إيجابي كبير على التجارة البينية وحركة الترانزيت.
ويشير إلى أن نحو 2500 شاحنة تعبر يومياً من الأردن قادمة من الخليج باتجاه تركيا وأوروبا وبالعكس، معتبراً أن باب الهوى يمثل البوابة الوحيدة الفاعلة للربط مع أوروبا، بعد فشل محاولات الاعتماد على المعابر العراقية – التركية بسبب الكلفة والمسافة.
ويضيف أن السماح بمرور جميع الشاحنات عبر الأردن وسورية وتركيا سيؤدي إلى زيادة الصادرات، وتقليل كلف النقل، وتسريع وصول البضائع إلى مقاصدها، إلى جانب إنعاش قطاعات التخليص والشحن وحركة النقل البري، ما ينعكس على إيرادات الجمارك ورسوم العبور والخزينة.
معبر جابر تحت الضغط
ويلفت أبو عاقولة إلى أن معبر جابر يشهد حالياً ازدحاماً ملحوظاً بمرور نحو 400 شاحنة يومياً محملة بالأسمنت، ما يشكل ضغطاً وإرباكاً على الأجهزة العاملة في المركز الحدودي. ودعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات لتخفيف هذا الازدحام، عبر زيادة النشاط في الساحات الجمركية في جابر، مشيداً في الوقت نفسه بجهود الجمارك والأجهزة الأمنية في التعامل مع حساسية المعبر.
كما طالب بفتح منفذ بديل مثل معبر الرمثا لتخفيف الضغط عن جابر، والتنسيق مع السلطات السورية لتجهيز معبر درعا لاستخدامه للركاب فقط، ما يسهم في تحسين انسيابية الحركة التجارية.
المكاسب الاقتصادية المباشرة
أما نائب رئيس نقابة أصحاب الشاحنات، نايل الذيابات، فيؤكد أن تفعيل خط الترانزيت عبر الأردن وسورية وتركيا سيحقق فوائد مباشرة للتاجر والمستهلك على حد سواء.
ويوضح أن كلفة نقل الحاوية بحراً تصل إلى نحو 8 آلاف دولار وتستغرق 22 يوماً لوصول البضاعة، بينما لا تتجاوز الكلفة عبر الشاحنات 3 آلاف دولار و5 أيام فقط، وهو ما يعني انخفاض الأسعار النهائية للسلع.
ويشير الذيابات إلى أن هذا التعاون سيعود بفوائد كبيرة على قطاع الشاحنات في الأردن، إضافة إلى إنعاش نشاطات التخليص واللوجستيات، فضلاً عن زيادة العوائد الجمركية والضرائب والرسوم السيادية، ما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني.