واشنطن – د ب أ: في الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أدلى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بتصريح عبر منصة التواصل الاجتماعي (إكس) قال فيه إن تجمع دول البريكس تبتعد عن استخدام الدولار «بينما نقف مكتوفي الأيدي ونراقب الأمر». هذا التصريح لم يأت فقط بعد شهر واحد من حضور ممثلي 36 دولة و6 منظمات دولية قمة بريكس في منتجع كازان الروسي، بل أكد أيضا أن البلدان تنوي استبدال عملة البريكس أو أي عملة أخرى محل الدولار «ستواجه رسوما جمركية بنسبة 100%» على صادراتها إلى الولايات المتحدة.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال ريمون تنوير حسين، الباحث المساعد في برنامج التكنولوجيا الاستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، إن تهديد ترامب يأتي في لحظة حرجة بالنسبة للعلاقات الاقتصادية الدولية، حيث ينتقد الكثيرون من زعماء العالم، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بصراحة استخدام الولايات المتحدة للدولار كسلاح في صراعاتها مع الدول الأخرى. علاوة على ذلك فإن دعوة الرئيس الأمريكي المنتخب إلى فرض رسوم بنسبة 25% على صادرات كندا والمكسيك و10% إضافية على صادرات الصين، تشير التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحزمة الجديدة من الرسوم الجمركية قادرة على حماية سيادة الدولار والهيمنة المالية الأساسية لمؤسسات مجموعة السبع في حركة الاقتصاد العالمي.
والحقيقة أن القلق الأمريكي من ظهور تحديات لهيمنة الدولار الأمريكي ومؤسسات الاقتصاد الغربي تعود إلى مطلع الألفية الحالية. ففي عام 2001، أثار تقرير للمصرفي جيم أونيل في بنك الاستثمار الأمريكي غولدمان ساكس المخاوف من ظهور تكتل قد يتحدى إن لم يحل محل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. هذا التكتل توسع الآن وأطلق مجموعة من المؤسسات الموازية للدول الصغيرة والمتوسطة لتقديم بديل للنظام الدولي الليبرالي الذي يسيطر عليه الغرب.
تزايد انتقادات استخدام أمريكا للدولار كسلاح في الصراع مع الدول الأخرى
وفي العام الحالي أصبحت حصة دول البريكس من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث تعادل القوة الشرائية 9ر34% مقابل 05ر30% لمجموعة السبع التي كانت حصتها في عام 2000 تبلع 28ر43% مقابل 37ر21% لمجموعة بريكس.
في الوقت نفسه تثير عودة ترامب إلى البيت الأبيض المخاوف بشأن قدرة دول مجموعة السبع، بقيادة رئيس أمريكي يتبنى سياسات انعزالية حتى مع حلفاء واشنطن، على الصمود في مواجهة كتلة البريكس. ففي أحد تجمعات حملته الانتخابية في ولاية ويسكونسن في الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي أدان ترامب بشدة محاولات تحرير التجارة العالمية من الاعتماد على الدولار وقال بوضوح: «إذا تركت الدولار فلن تتمكن من التعامل مع الولايات المتحدة لأننا سنفرض تعريفة جمركية بنسبة 100% على بضائعك». هذا التهديد يفسر سعي الدول المتحالفة مع تكتل البريكس إلى إيجاد بدائل للدولار على مدى السنوات الست عشرة الماضية.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 أثناء ولاية ترامب الأولى أشار عضو مجلس الدولة الصيني يانج جيتشي إلى أنه أصبح «من الصعب بشكل متزايد على مفاهيم وأنظمة ونماذج الحكم الغربية مواكبة الوضع الدولي الجديد»، مؤكدا كذلك أن الحكم العالمي بقيادة الغرب «أخفق» ووصل إلى نقطة «لا يمكن إصلاحها».
وحسب تقرير صادر عن مجموعة بوسطن كونسالتنغ غروب الاستشارية فقد تجاوز حجم التجارة بين دول مجموعة بريكس حجم التجارة بين بريكس ومجموعة السبع. كما تمثل دول بريكس نحو نصف سكان العالم وما بين ربع وثلث إجمالي الاقتصاد العالمي. وتستهدف هذه الدول تحقيق أربعة أهداف هي إنشاء نظام مالي بديل للنظام الغربي، وتنسيق السياسة الاقتصادية بشكل أفضل، والسعي إلى تمثيل أكبر في الحوكمة العالمية، والحد من الاعتماد على الدولار الأمريكي.
ويقول ريمون تنوير حسين الباحث المساعد في مؤسسة راند كورب للأبحاث إنه في ضوء نظرية «انتقال القوة» التي صاغها عالم السياسة أيه.إف.كيه أورجانسكي عام 1958 يمكن لروسيا والصين أن تتناوبا في قيادة مهمة الاستفادة من الجغرافيا والسكان والثقل الاقتصادي لإنشاء مجموعة جديدة من المنظمات الدولية التي يمكن أن تكون بديلا للمؤسسات الغربية بقيادة مجموعة الدول السبع التي تتكون من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا.
وفي سعيها إلى إقامة النظام المالي البديل، أنشأت البريكس، من خلال الثقل الاقتصادي للصين، بنك التنمية الجديد، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، وتكوين الاحتياطي النقدي الطارئ من أجل تحدي الدور المسيطر لكل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويرى الأساتذة ساوري كاتادا وسينثيا روبرتس وليزلي إليوت أرميجو في كتابهم «البريكس والحكم المالي الجماعي»، كيف يوحد هذا النادي الفريد القوى الصاعدة حول مصلحتها المشتركة في «التغيير العالمي» من خلال موارد القوة العسكرية والمالية للتأثير على النتائج الدولية من خلال نظرية النادي.
في الوقت نفسه يشير المتشككون، في قدرة مجموعة البريكس ومحور الصين وروسيا في إدارة نظام مالي عالمي بديل، إلى التفاوتات الهائلة في القدرات الاقتصادية بين دول مجموعة البريكس ومؤسسات مجموعة السبع السائدة. ويلفت أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، باري إيكنغرين، إلى أن اليوان الصيني يمثل أقل من 6% من التعاملات التجارية العالمية، في حين قيمة المعاملات اليومية التي تديرها البنوك الصينية تعادل 3% فقط من إجمالي المعاملات اليومية في الولايات المتحدة، إلى جانب استمرار الغموض المحيط بقدرة بكين على توفير السيولة والخصوصية وقوانين حماية البيانات. كما أن الخلافات الأمنية والجيوسياسية بين بريكس تثير أيضا شكوكا حول ما إذا كان هذا المنتدى يمكن أن يكون مناسبا لأي نوع من التعاون. على سبيل المثال، كانت الصين والهند حذرتين، منذ الاشتباكات الحدودية بينهما في 2020 والتي أدت إلى مقتل عشرين جنديا هنديا وأربعة جنود صينيين، حذرا دفع الهند رغم عضويتها المؤسسة في بريكس إلى تعاون دفاعي غير مسبوق مع واشنطن حيث قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنه قبل عشرين عاما، لم يكن هناك تعاون دفاعي بين الهند والولايات المتحدة على الإطلاق، بينما اعتبارا من عام 2023، تنتج الدولتان وتطوران معا أنظمة رئيسية.
وعلاوة على ذلك، فإن انضمام أعضاء جدد مثل إيران ومصر والإمارات العربية المتحدة إلى بريكس بعد قمة 2023 يثير الشكوك حول تماسكه نظرا للتنافس الإقليمي بين الأعضاء. كما أن انضمام المملكة العربية السعودية مؤخرا إليه يعزز الشكوك، نظرا لتنافسها المستمر مع إيران وهو ما ظهر بوضوح عندما اكتفت بالمشاركة في قمة كازان على مستوى وزير الخارجية فقط، مظهرة التزاما حذرا تجاه التكتل الذي تعتبره تكتلا تحوطيا للقوى المتوسطة في العالم.
ورغم وجود بعض السمات المشتركة بين أعضاء بريكس مثل أنها دول غير غربية، فإن التنافسات الإقليمية والأمنية بين بعض هذه الدول يمكن أن يمنع تحول التجمع إلى منظمة كاملة العضوية ملتزمة بمعاهدة تضمن الالتزام الأمني المتبادل بين الأعضاء. كما أنه لا توجد معادلة واضحة لتحديد مواصفات الدولة المؤهلة للانضمام إلى التجمع، ولا يوجد مسار واضح لهذه الدول لرسم أي شكل من أشكال التنسيق.
وفي حين مازالت بعض الدوائر تنظر إلى تجمع بريكس باعتباره نمرا من ورق أو بيتا من رمال كما كانت النظرة إليه في أوائل العقدين الأول والثاني من الألفية الثالثة عندما لم يكن للتجمع تلك المؤسسات المالية متعددة الأطراف بقيادة الصين، فإن دخول ترامب إلى المعادلة بسياساته الانعزالية والصدامية على رأس مجموعة الدول الصناعية السبع يمكن أن يعزز عوامل التماسك والتقارب بين دول بريكس وبخاصة بشأن قضايا مشتركة مثل التعاون في مواجهة التغير المناخي وإيجاد أطر مالية دولية جديدة لصالح الدول التي تعاني من عقوبات أمريكية أو غربية ثقيلة. معنى هذا أن كل السيناريوهات ستكون مفتوحة بالنسبة لمستقبل تجمع بريكس في ظل الولاية الثانية للرئيس المنتخب ترامب وسياساته شديدة التقلب.