أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-Aug-2022

الأغوار: عاملات المزارع بلا ضمانات في مواجهة الإصابة والموت

 الغد-علا عبد اللطيف

 تحت قسوة الفقر والحاجة، توافق نساء على العمل في قطاع الزراعة بلواء الغور الشمالي بظروف عمل صعبة وخطرة، مع اشتراط التنازل عن حقوقهن كافة، بما فيها تعويض إصابات العمل أو حتى الموت أثناء العمل.
وتدرك غالبية من يصفن أنفسهن بـ”نساء مقهورات” صعوبة العمل بمزارع بالغور في ظل درجات حرارة قد تصل أحيانا الى 50 درجة مئوية، ما قد يعرضهن لـ”ضربة شمس” قد تكون قاتلة، كما أن المزارع تعد بيئة مناسبة لتكاثر وانتشار الأفاعي والعقارب التي قد تؤدي لدغاتها الى الموت أيضا.
في مثل هذه الأوضاع، تتقدم أولوية تحصيل لقمة العيش على الحياة نفسها، فيما يتجسد “القهر” بمفهومه الحقيقي عند قبولهن العمل المشروط بلا أي حقوق عمالية لدى بعض المزارع.
عاملات بلا ضمانات في مواجة الموت أو الإصابات، هو أقرب وصف لحالهن، وسط قانون ما يزال قاصرا لا يلزم أصحاب الحيازات الزراعية بشمول عمالهم بأحكام قانون الضمان الاجتماعي، لتبقى حقوق العمال في ذمم أصحاب المزارع.
“عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة”، تعبير تردده عاملات بمزارع في الغور الشمالي، على اعتبار أن وجود أي فرصة عمل أفضل من عدمها حتى لو كانت من دون أي حقوق، فيما هدفهن التخفيف من وطأة القهر أو شعورهن بالظلم، أو أحيانا لدعم أنفسهن من أجل القدرة على الاستمرار بالعمل.
وكان توفي قبل حوالي أسبوعين عامل من الجنسية البنغالية، إثر تعرضه للدغة أفعى سامة أثناء عمله في مزرعة بمنطقة المشارع في لواء الأغوار الشمالية.
كما أصيبت مؤخرا، فتاة عشرينية بحريق محصول قمح أثناء عملها جراء تطاير شرار تسبب لها بإصابات، وساعد ارتفاع درجات الحرارة وقت نشوب الحريق على امتداده وانتشاره بسرعة؛ حيث كانت تلك الفتاة وسط المحصول تعمل على حصده بواسطة المنجل، وأصيبت بحريق درجة أولى تسبب لها بتشوه دائم دون الحصول على أي حق من حقوقها العاملية.
الأربعنية ميساء الرياحنة، تقول إن الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وغياب المشاريع الاستثمارية، أسباب تدفع لقبول الفتيات العمل في تلك المزارع، رغم علمهن بشروط التخلي عن أي حقوق في اتفاق مسبق مع بعض أصحاب المزارع.
الأرملة علياء القويسم من منطقة المشارع، تقول مستشهدة بمثل شعبي “رضيت بالهم، والهم لم يرض بي”، متابعة أنها تعمل بالقطاع الزراعي منذ قرابة 15 عاما بشكل مستمر من موسم لآخر دون أي حقوق عمالية، ولكن الفقر والحاجة سبب بذلك، إذ يرفض صاحب العمل أن يشمل العاملات لديه بالحقوق.
وتشير الى أن غياب المشاريع الاستثمارية في الأغوار سبب توجه الفتيات نحو العمل الزراعي، كما أن الأغوار بيئة طاردة للمستثمرين، مطالبة الجهات المعنية بإيلاء مناطق الأغوار مزيدا من الاهتمام كونها منطقة زراعية ذات طبيعة مختلفة ويعمل أغلب سكانها في القطاع الزراعي.
ويرى مهتمون بالعمل الزراعي، أن نظام عمال الزراعة الذي أقر في نيسان (أبريل) من العام الماضي بعد انتظار دام نحو 13 عاما، اصطدم بعوائق حالت دون تطبيقه بالشكل الصحيح، إذ مارس أصحاب العمل في القطاع الزراعي ضغوطات لتعديله بما يتناسب مع مصالحهم، أو إلغائه، وبخاصة ما يتعلق بجزئية شمول العاملين والعاملات بالضمان الاجتماعي.
وكانت الحكومة، أجلت في شباط (فبراير) الماضي، شمول عمال الزراعة بتأمينات الضمان الاجتماعي حتى بداية العام 2024 بعدما كان في بداية 2023 بموجب البلاغ رقم (41) الذي صدر في تموز (يوليو) من العام الماضي؛ إذ أتاح البلاغ لأصحاب الحيازات الزراعية شمول العاملين لديهم فقط بتأمين إصابات العمل، على أن يتم شمولهم بباقي التأمينات (تأمين الشيخوخة، العجز والوفاة وتأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل) اعتبارا من 1 كانون الثاني (يناير) 2023.
ولقي هذا الإجراء، آنذاك، استهجانا كبيرا لدى العاملين والعاملات والخبراء في هذا المجال، ورأوا أنه ينتقص من أبسط حقوق عمال الزراعة.
الخبير في التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي، قال في منشور له عبر موقع التواصل “فيسبوك” حول حادثة وفاة العامل البنغالي، إن هذه الحادثة التي تعرض لها العامل البنغالي تكشف أهمية تغطية مظلة الضمان، كمظلة حماية اجتماعية، لكل القوى العاملة في المملكة، بما فيها قطاع الزراعة.
ويبين الصبيحي أن هذه الحادثة تعد، وفقا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي “حادث عمل”؛ أي أن الإصابة باللدغة تعد إصابة عمل، وبالتالي فإن وفاته الناتجة عن هذه الحادثة تعد وفاة ناشئة عن إصابة عمل، مما يستحق راتب تقاعد الوفاة، الذي يتم توزيعه على ورثته المستحقين.
واستغرب الصبيحي تأخر الجهات المسؤولة عن القطاع الزراعي في تفعيل نظام عمال الزراعة، وإيجاد الإطار القانوني والتنظيمي للحيازات الزراعية والعاملين فيها.
ورأى أن الأفضل إلزام أصحاب المزارع بتسجيل حيازاتهم لدى وزارة الزراعة، مما يسهل التعامل معها كمنشآت مثل غيرها من المنشآت العاملة في القطاعات الاقتصادية الأخرى، وبالتالي يصبح تسجيلها في الضمان وشمول العاملين فيها بمظلته سهلاً وإلزامياً، وبكل التأمينات المطبقة حالياً.
ويلزم نظام عمال الزراعة، حال تطبيقه، صاحب العمل الزراعي بإشراك جميع عمال الزراعة لديه بالتأمينات المشمولة بأحكام قانون الضمان الاجتماعي، إلا أنه استثنى صاحب العمل الزراعي الذي لديه ثلاثة عمال فأقل من أحكام عدد ساعات الدوام والعطل والإجازات ومن شمولهم بتأمينات الضمان الاجتماعي.
ويتألف النظام من 17 مادة تتعلق بعدد ساعات العمل والأجور والإجازات، وأمور تنظيمية بين صاحب المزرعة والعامل.
ويشير مصدر من مكتب العمل في لواء الغور الشمالي إلى أن قانون العمل لا يلزم أصحاب المزارع بشمول العاملين لديهم بالضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي، لكنه أوضح أنهم ملزمون بدفع تكاليف علاج العاملين لديهم في حال تعرضهم لإصابة عمل، شريطة أن تؤكد مديرية الصحة والسلامة المهنية أن الإصابة كانت جراء العمل.
وينحصر واجب مكتب العمل، وفق المصدر ذاته، في تنفيذ حملات تفتيش مكثفة لمراقبة ساعات العمل، ومدى الالتزام بدفع الحد الأدنى للأجور.
وأمام نظام قانون كهذا، يصبح موضوع تحصيل حقوق العاملات في ذمم أصحاب المزارع، إذ إنه حتى إثبات تدني الأجور أمر مستحيل، فالموضوع يتم بالموافقة بدون اشتراط بين العاملات وأصحاب المزارع تحت مفهوم “من لا يعجبها فلتترك العمل”.